ما أسباب ضعف إقبال السوريين في تركيا على الهجرة نحو أوروبا؟


لا يكترث الأربعيني أبو أمجد، اللاجئ السوري المقيم في مدينة كلس التركية، بفتح الحدود نحو أوروبا أو إغلاقها، ويرفض رفضاً قاطعاً مغادرة تركيا إلا إلى سوريا، وذلك بعد أن تضع الحرب أوزارها.

ويجمل الأسباب التي تدفعه إلى التمسك بتركيا، كوطن بديل، بقوله "اعتدنا الحياة هنا، وعاداتنا المشتركة مع الأتراك القريبة من بعضها، تقلل الشعور بالغربة في داخلنا، والأهم من كل ذلك، أنه لا خوف على ضياع الأطفال هنا".

ويردف في حديثه لـ"اقتصاد" وهو الأب لثلاثة أطفال، أن "الأطفال هنا يتعلمون في المدارس التركية، بدون تمييز عن الأطفال الأتراك، ومن الجيد أنهم تعلموا اللغة التركية، والانتقال إلى بلد آخر وتعليمهم لغة أخرى قد يسبب لهم الضياع".

حال "أبو أمجد"، حال الغالبية العظمى للسوريين في تركيا، الذين تقدر أعدادهم وفق إحصائيات رسمية بـ3.6 مليون، في حين أن عددهم الحقيقي يتجاوز حاجز الـ4 ملايين لاجئ.

أقلية خلال موجة الهجرة الأخيرة

الانطباعات الأولية التي خلفها تدفق موجات المهاجرين إلى الحدود اليونانية، عقب إعلان السلطات التركية مؤخراً، فتح حدودها البرية مع اليونان، هو أن السوريين وحدهم من يحاول طرق أبواب أوروبا. غير أن ما لا يعلمه كثيرون أن السوريين لم تتجاوز نسبتهم الـ9 في المئة، من إجمالي عدد المهاجرين، وفق ما أكد مدير "الرابطة السورية لحقوق اللاجئين"، مضر حماد الأسعد. فيما قالت السلطات التركية إن 25 في المئة من المهاجرين هم سوريون.

ويضيف الأسعد، في حديثه لـ"اقتصاد" أن السوريين في تركيا، يفضلون تركيا على غيرها من البلدان الأوروبية، لجملة من الأسباب، وأهمها القرب الجغرافي من سوريا.

ويوضح أن غالبية السوريين لا يريدون الابتعاد عن وطنهم سوريا، على أمل أن تتاح لهم العودة إليه مجدداً، وهذا ما يفسر من وجهة نظر الأسعد تركز أعداد ضخمة من اللاجئين السوريين في المدن التركية القريبة من الحدود السورية (عنتاب، هاتاي، أوروفا، كلس، ماردين).

والسبب الذي يأتي في المرتبة الثانية، هو قرب الشعب التركي من الشعب السوري على الأصعدة الاجتماعية والثقافية والدينية والتاريخية، وفق الأسعد، الذي أضاف أن "السوريين لم يجدوا صعوبة في التعايش مع الأتراك، على الرغم من حاجز اللغة".

تعامل رسمي وشعبي "مميز"

وثمة سبب آخر، يعزوه الأسعد إلى حصول اللاجئ السوري على خدمات التعليم والصحة وحتى المساعدات المقدمة من الاتحاد الأوروبي.

وسائل إعلام تركية تساءلت عن أسباب عدم إقبال نسبة كبيرة من السوريين على الهجرة إلى أوروبا، رغم فتح الحدود، وأجابت أن السوريين يشعرون أن حياتهم تسير على ما يرام بسبب التقارب المجتمعي بين الأتراك والسوريين، مشيرة إلى محبتهم للشعب التركي.

وفي هذا السياق، أشار رئيس "المجلس التركماني السوري"، الدكتور محمد وجيه جمعة، خلال حديثه لـ"اقتصاد" إلى ما وصفها بالمعاملة الرسمية والشعبية التركية المميزة مع السوريين.

وقال إن "السلطات التركية، تعاملت مع السوريين في أراضيها -ولا زالت- على أنهم ضيوف، لكنها أعطت هذا التواجد بعداً قانونياً من خلال شملهم بقانون الحماية المؤقتة".

وأضاف، أن السوريين اكتشفوا بعد فترة لجوء طويلة نسبياً في تركيا، كم التقارب مع الشعب التركي، وقال: "نستطيع القول بأن هناك وحدة حال بين الشعبين".

استقرار اقتصادي

وإلى جانب ذلك، لفت جمعة إلى دور العامل الاقتصادي في تفسير اختيار غالبية اللاجئين السوريين البقاء في تركيا، وتفضيلها على غيرها من البلدان الأوروبية.

وقال إن "شريحة واسعة من اللاجئين السوريين، استطاعت تأمين فرص عمل جيدة، سواء بالعثور على فرصة عمل أو تأسيس عمل خاص، وترك كل ذلك للانتقال إلى بلد جديد والانطلاق من نقطة الصفر مجدداً، يعد أمراً مقلقاً للغاية".

ولا تعبّر التوترات وحوادث الاعتداءات على ممتلكات بعض السوريين من حين لآخر، من قبل قلة معارضة للوجود السوري في تركيا، عن غالبية الأتراك، وفق جمعة، الذي أضاف قائلاً: "هي حوادث مؤقتة، تعمل جماعات عنصرية على تأجيجها ضد السوريين، وهي لا تعبر عن القاعدة الشعبية التركية العريضة المرحبة بالوجود السوري".

واستدرك: "عموماً النعرات القومية والعنصرية موجودة في كل بلدان العالم، ولا تشكل تركيا استثناء".

وخلال الأعوام القليلة الماضية، سُجلت العديد من حالات الاحتقان الشعبي التركي ضد الوجود السوري، حيث تتهم السلطات التركية جماعات معارضة بالتحريض على السوريين لاستغلال ورقة اللاجئين لتحقيق مآرب سياسية.

وآخر هذه الحالات، حدثت الشهر الماضي، بعيد تصاعد الغضب الشعبي التركي، جراء مقتل العشرات من الجنود الأتراك نتيجة استهدافهم من قبل النظام السوري، إذ شهدت مدن عدة تظاهرات محدودة تطالب برحيل السوريين من تركيا، غير أنه سرعان ما تم احتواء الموقف، من قبل السلطات.

التجارب الأوروبية غير مشجعة

ويضاف إلى كل ما سبق، سبب يراه جمعة في غاية الأهمية، يشرحه بقوله: "رغم حصول اللاجئ في أوروبا، على مساعدات مالية مرتفعة، إلا أن التجارب هناك ليست مشجعة للسوريين، وخصوصاً على المستوى الاجتماعي".

وأضاف: "السوريون بطبيعتهم كشعب عربي وشرقي، يفضلون العيش في وسط اجتماعي عائلي، وهذا الأمر لا يتوفر إلا في تركيا، وذلك بسبب أعدادهم الهائلة، حيث استطاعوا أن يخلقوا مجتمعاً موازياً للمجتمع السوري، من حيث التواصل مع الأقارب، ومن حيث العادات المجتمعية وغيرها".

وحسب جمعة، فإن الحياة الاجتماعية تكاد تنعدم في أوروبا، حيث يغلب عليها الطابع الاستهلاكي، البعيد كل البعد عن نمط تفكيرنا كسوريين، وفق تعبيره.

وقال إن بعض السوريين في أوروبا في طريقه للانصهار الكامل في المجتمعات الغربية، ما من شأنه الانسلاخ عن مجتمعنا، مستدركاً "الأهم من كل ذلك، أن الهاجس هناك هو ضياع هوية الأطفال الثقافية والدينية".

السوريون في تركيا إلى أين؟

ومجيباً على هذا التساؤل، قال رئيس "الرابطة السورية لحقوق اللاجئين"، مضر حماد الأسعد، إن مستقبل الوجود السوري في تركيا مرتبط بشكل أساسي بالتوصل إلى حل سياسي للملف السوري، الحل الذي من شأنه أن يلم الشتات السوري، ويعيد الحياة إلى ما كانت عليه.

وأضاف أن "اختيار اللاجئين السوريين لتركيا، وتفضيلهم إياها، يؤكد يما لا يدع مجالاً للشك أن غالبيتهم يتطلع إلى العودة إلى بلاده، وهذا الأمر لن يتحقق إلا بزوال النظام السوري الحالي من على رأس السلطة".

من جانب آخر أشار الأسعد، إلى تجنيس السلطات التركية لآلاف اللاجئين السوريين، وقال إن "من الواضح أن تركيا تخطط لتجنيس المزيد منهم، لكن تجنيس هؤلاء لا يعني بحال من الأحوال أنهم لن يعودوا إلى بلادهم في حال تحسنت الأوضاع، وانتهت الحرب".

ترك تعليق

التعليق