حكاية الجوع الأسود.. يوميات سائق تاكسي بدمشق


لا يبخل أبو محمد في صراحته التي تصل حد الشتيمة في وصف ما يجري في دمشق، وليس هناك أي مونتاج في رسائله الصوتية التي غالباً ما يتحاشى أي سوري أن يأتي فيها على ذكر ما هو سياسي أو أمني فهو يرى حسب رأيه أن الحكاية تجاوزت السياسة منذ زمن طويل وهي الآن حكاية جوع أسود.

كيلو بصل

إحدى الرسائل الهائمة لأبي محمد تصف تماماً حال السوريين الذين لا يأكلون إن جلسوا في بيوتهم حسب نصيحة وزارة صحة الأسد، وهذا يعني أن لا حظر أخف وجعاً من الجوع: "من الخامسة صباحاً وحتى دخول الحظر كانت غلتي خمسة آلاف ليرة حصتي منها 1500 ليرة ببساطة عملت اليوم بثمن كيلو بصل".

أبو محمد لا يروي حكايته فقط بل حكايات السوريين الذين يوصلهم إلى بيوتهم وأعمالهم أيضاً، وفيهم المحدث النعمة والموظف والبائس المضطر، وأما محدثو النعمة فيروي حكاية زبون منهم: "يحمل بيده زجاجة كحول ثم يبدأ بالموعظة.. ليش مو حاطط كمامة.. اشتر علبة كحول.. البس كفوف..عقم سيارتك".

وهنا يسترسل أبو محمد: "الكمامة 400 ليرة وتدوم لأربع ساعات على الأقل أحتاج إلى ثلاث كمامات 1200 ليرة، وكذلك زجاجة الكحول من الحجم الصغير 2500 ليرة، هذا يعني أني سأعود دون دخل لي ولصاحب والسيارة".

حديث الفقر

هناك من لا يعمل نهائياً وهؤلاء أحوالهم بـ (الويل) كما يصفهم أبو محمد، وهو منهم. وبالأمس أرسل لي الرسالة الصوتية التالية: "اليوم فتت ع سوق باب السريجة بجيبتي 1300 ليرة وكنت مشتري خبز بـ 200 ليرة، وفجأة اجت لعندي سيدة كبيرة ونادتني باسمي وسألتني ماذا افعل وكيف أحوالي ولم أتذكرها، خلصت تسوق ورجعت لسيارتي بأول السوق.. بتفتح الست الباب وبترمي كيس بقلبو 2 كيلو سكر ومتلهن رز وكم ربطة معكرونة و2000 ليرة قالتلي هدول ع روح ابني الشهيد.. طول الطريق وأنا عم ابكي".

أما عن الآخرين فلا يتوقف أبو محمد عن حديث الفقراء، وهم إن شئت كما قال (كل أمة محمد)، وفي الحي الدمشقي الفقير الذي يسكنه ما زال هناك من يحنّ على موجوع مثله أما الأغنياء فهم في عالم آخر.

فيما دمشق، فارغة وحزينة ووجوه الناس تتكلم وتخاف، وبعضهم يترحم على أيام الحرب، وأما أبناء الحرام، كما يصفهم، فهم يتكاثرون فليس الشبيحة وحدهم من يذرعون الشوارع ويسرقون ويهينون الناس بل التجار الذين يستغلون الحاجة والمرض، أيضاً.

الصمت القاتل

أبومحمد يعرف الجميع دون استثناء من العساكر والمخابرات وبقية الشعب المعتر، وكلهم يشكون البلاء وساخطون، ولكنهم ينهون أحاديثهم الغاضبة بكلمات الرجاء ودعوة الله بالفرج. (مطولة يا استاذ)، ينهي وصف المشهد بعبارة يائسة.

"كورونا.. خرب بيوت الناس طول الليل بسمع أصوات الخناقات"، هي حال السوريين الذين يحاصرهم الوباء والنظام وقلة الحيلة، فلا يجدون سوى أن يشعلوا بيوتهم بنار الهوان، والتي يتمنى البعض أن تخرج من جديد إلى الشارع.

ترك تعليق

التعليق