صناعة الكمامات تتعرض للانهيار في إدلب


قبل فترة قريبة، كان الخياط "أحمد عبد الرحمن" يغالب الوقت للحصول على أكبر فائدة مالية من تصنيع كمامات واقية في ظل انتشار فيروس (كورونا) في الدول والمناطق المجاورة لمحافظة إدلب.

"لكن الريح لا تجري دائماً كما تشتهي السفن"، يقول عبد الرحمن.

 فقد خف الطلب على ما ينتجه وزملاؤه في إدلب وريف حلب الشمالي من كمامات محلية.

وبحسب اقتصاديين فإن صناعة الكمامات من شأنها تنشيط الحركة الصناعية الراكدة في الشمال السوري، نظراً لتوفر اليد العاملة بكثرة ورخص تكاليف الإنتاج.

قال الاقتصادي والمفتش المالي منذر محمد لـ"اقتصاد": "الكمامات باتت سلعة مطلوبة في كل الأسواق العالمية"، داعياً أصحاب الورش في كل الشمال السوري إلى الدخول في مجال صناعة الكمامات والألبسة الطبية.


إلى البيت مجدداً

ينتج عبد الرحمن في مشغله بإدلب، والفروع الأخرى التي افتتحها في أرياف إدلب، وفي مدينة أعزاز شمالي حلب، عدداً ضخماً من الكمامات يومياً، يصل لنحو 12 ألف كمامة في حين يقول مختصون إن الجيب الذي تديره المعارضة شمالي البلاد يحتاج لـ4 مليون كمامة يومياً، وهو رقم هائل لا يمكن لأي جهة محلية أن تتحمل تكاليفه الضخمة.

يقول "عبد الرحمن" إن منتجه مطابق للمواصفات القياسية المعمول بها دولياً.

ويوضح لـ"اقتصاد": "الكمامة التي ننتجها هي ذاتها المنتجة في الصين وغيرها من البلدان الأخرى".

وعن بداية عمله في صناعة الكمامات، أشار عبد الرحمن إلى أن فكرة المشروع بدأت مع زيادة الطلب على الكمامات من العراق وإقليم شمال العراق (كردستان)، مضيفاً "اتفقت مع عدد من أصحاب الورش، على صنع الكمامات، وبدأنا العمل بعد شراء المواد الأولية من السوق التركية".

وأوضح خطوات الإنتاج: "يبدأ العمل بقص القماش، ومن ثم حياكته (ثلاث طبقات)، إلى أن تخرج الكمامة بشكلها المطلوب".

وحول الأجور التي يتقاضاها العمال في الورشة، ذكر عبد الرحمن أن إنتاج الكمامات يحتاج إلى جهد كبير، إذ يبلغ الحد الأعلى لإنتاج العامل الواحد يومياً 400 قطعة، والأجور تقاس بحجم الإنتاج (15 ليرة سورية على الكمامة الواحدة).

وفي ظروف مادية صعبة -كما في إدلب- تمكن أغلب الخياطين العاملين في ورشات "عبد الرحمن" من إيجاد دخل إضافي كما كانت الفرصة سانحة لبعض الخياطين الجالسين بدون عمل للحصول على دخل جيد.

لكن إغلاق المعابر بين ادلب والخارج أوقف التصدير وهو ما جعل البعض يتوقف عن العمل ويعود خائباً إلى البيت.

خف الطلب على بضاعة عبد الرحمن ما جعله يوقف الورشات الأخرى التي كانت تسانده (4 ورشات) مقتصراً على ورشته الأصلية فقط.


ملف (كورونا) مهمل

لم تفلح الجهود التي يبذلها صانعو الكمامات المحلية في إيجاد سوق تصريف محلي على الرغم من وجود عشرات المنظمات الإنسانية التي تعمل على ملف (كورونا).

قال "عبد الرزاق عوض" وهو عضو في منظمة تعمل شمالي سوريا إن لديهم اهتماما بملف كورونا لكنه لا يتطرق لشراء وتوزيع آلاف الكمامات على السكان.

وتابع مدير البرنامج الغذائي لمنظمة "بنفسج": "نكتفي فقط بشراء كمامات لفرقنا التي تقوم بعمليات التعقيم والتوعية"، مؤكداً أنه ليس لدى فريقه مشاريع لشراء كمامات وتوزيعها على السكان في الوقت الراهن.

من حانبه، فإن "دلامة عماد علي"، مدير فريق "الاستجابة الطارئة"، وهو فريق تطوعي يعمل في إدلب، يعزو ضعف الطلب من قبل المنظمات على شراء هذه البضاعة المحلية إلى عدم وجود دعم جاد لمواجهة "كورونا" في إدلب.

يعرض "دلامة" تجربة فريقه مع الكمامة التي سعوا في البداية لتكون ثقافة شائعة في منطقة تعج بالفوضى مثل إدلب.

قال "دلامة" لـ "اقتصاد" إن فريقه قام بتوزيع عدة آلاف من الكمامات دون أن يشعروا بأي جدوى لما يقومون به.

وتابع: "لم نلمس التزاماً تاماً بوضع الكمامة من قبل السكان وهو ما جعلنا نتوقف".


السوق لا يرحم

عندما بدأ صانعو الكمامات المحلية في إدلب بتصنيع الكمامات كانت تكلفة العلبة الواحدة من الكمامات (تحوي 50 كمامة) بـ 2.5 دولار، لكنها سرعان ما ارتفعت إلى 5 دولارات.

تلقى فريق "الاستجابة الطارئة" في البداية عدة عروض أسعار كان أرخصها ثمناً 3.75 دولار للعلبة الواحدة. في حين اشترى الفريق كميات من الكمامات المستوردة من تركيا بسعر مضاعف عن سعر التصنيع المحلي (كل علبة بـ 12 وحتى 14 دولار).

يقول "أحمد عبد الرحمن" بينما كان يوضب 6 آلاف كمامة لنقلها إلى مقر إحدى المنظمات الإنسانية، "الطلب خفيف وهناك من يحتكر المواد الأولية".

وتابع بقلق واضح: "ربما أتوقف قريباً عن العمل".

ترك تعليق

التعليق