طبيب سوريّ يروي لـ "اقتصاد" لقطات سوريّة من "كورونا الأمريكية"


"نفاضل الآن بين المرضى بكورونا الذين سيتلقون العلاج، كما كنا نتعامل من قبل مع تدفق عدد كبير من الجرحى في وقت واحد إلى غرف الإسعاف في المستشفيات الميدانية السورية، بعد كل هجوم تنفذه قوات النظام بالبراميل المتفجرة، أو بالغازات السامة"، هكذا يختصر الطبيب السوري- الأمريكي، زاهر سحلول، المشهد في أحد مستشفيات مدينة شيكاغو بولاية إلينوي، جراء تفشي وباء كورونا في الولايات المتحدة..

يقول سحلول في مقابلة مع "اقتصاد": "بعد وصول وباء كورونا إلى المستوى الكارثي، نتعامل الآن مع المرضى وفق مبادئ أو أسس أخلاقية للعلاج.. هناك معايير نقرر على أساسها المرضى الذين سيتلقون العلاج، نظراً لاكتظاظ المشفى، وعدم قدرة الكادر الطبي على تقديم العلاج للجميع".

ويضيف: "في الكوارث، الأطباء يقومون بفصل الحالات، ومن ثم ينتقون اعتماداً على معايير منها السن وشدة الحالة المرضية ووجود أمراض مزمنة، من سيخضع منهم للعلاج، ومن سيترك لمصيره، رغم أن العلاج قد يكون فعالاً لحالته، لكن ليس في زمن كورونا".

غاندي للسلام الأمريكية

زاهر سحلول، الطبيب الدولي المنحدر من مدينة حمص السورية، المقيم في الولايات المتحدة، والمختص بأمراض الصدر، بات مرجعاً للأطباء في أمريكا للتدريب على طب الكوارث، بفعل الخبرة التي اكتسبها خلال عمله الطبي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

ترأس سحلول سابقاً "الجمعية الطبية السورية الأمريكية" وهي تجمع لأطباء من أصل سوري في الولايات المتحدة، ساهم في دعم المراكز الصحية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومن ثم أسس منظمة "ميدغلوبال" الأمريكية، لتقديم العناية الصحية لضحايا الكوارث واللاجئين والنازحين.

وفي أواخر آذار الماضي، حصل سحلول على جائزة "غاندي للسلام" الأمريكية، الجائزة التي أسست عام 1960، والتي تُمنح لشخصيات أميركية وعالمية كان لها أثر في مجتمعاتها وشكلت علامة فارقة في نضال تلك المجتمعات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو بيئية.

التطبيب والتدريب

ونظراً للخبرة التي اكتسبها خلال عمله في المستشفيات السورية في مناطق المعارضة، يقوم اليوم إلى جانب عمله في تقديم العلاج للمرضى في مشفى شيكاغو، بتدريب الأطباء والكوادر الطبية على العمل في الكوارث.

يقول شارحاً طبيعة عمله والمهام الموكلة إليه: "ينقسم عملي الحالي إلى ثلاثة أقسام، الأول علاجي، أي العناية المباشرة بالمرضى بكورونا في مستشفيات عدة في ولاية شيكاغو، والثاني تدريبي للأطباء".

ويتابع: "الظروف الاستثنائية فرضت على الكوادر الصحية الانخراط في تقديم العلاج للمرضى، دون النظر إلى التخصص، وهذا الشيء يستوجب تدريب غير المتخصص منهم على مهارات تقديم الإنعاش لمرضى كورونا، من استخدام أجهزة التنفس الاصطناعية، إلى كيفية مراقبة المريض، وصولاً إلى طرق التدخل في الحالات الحرجة مع تدهور حالة المريض، والإنعاش".

كذلك يتم تدريب الأطباء على التعامل مع نقص المعدات الطبية: "في هذا الجانب ندرب الأطباء على تدوير المستهلكات، واستخدامها لأكثر من مرة نظراً للنقص الكبير في المعدات، وأيضاً نركز على تأمين البدائل للمعدات المفقودة".

ويردف سحلول: "أما القسم الثالث، فهو التخطيط للتعامل مع الوضع الكارثي أو تدبير الكوارث"، موضحاً بقوله: "كثرة أعداد المرضى، توجب البحث في طرق لتوسيع الطاقة الاستيعابية للمراكز الصحية، من زيادة عدد الأسِرة، وتحويل غرف غير مخصصة لتقديم العلاج إلى غرف علاجية، وغيرها من الأمور".

لا حماية للأطباء

جائحة كورونا تركت الأطباء في مختلف دول العالم دون حماية، كما هو حال الأطباء والعاملين في الشأن الطبي في مناطق سيطرة المعارضة السورية، الذين قضى منهم923 ناشطاً منذ بداية الثورة السورية في العام 2011، نتيجة القصف المباشر للمراكز الصحية، والهجمات الأخرى بالأسلحة العادية والفتاكة.

وفي هذا الصدد، يقول سحلول: "نعمل الآن كأطباء في أمريكا بظروف مشابهة تماماً للعمل في سوريا، فالأقنعة نعيد استخدامها أكثر من مرة، والتدابير الوقائية في حدودها الدنيا".

ويضيف: "دعونا سابقاً الأمم المتحدة إلى حماية الأطباء في سوريا، والآن لا مجال لدعوة أي جهة لحماية الأطباء في العالم بأسره".


ماذا يعني وصول كورونا إلى شمال سوريا؟

ومجيباً على هذا التساؤل، يقول سحلول: "يتوفر في عموم إدلب 80 جهاز تنفس اصطناعي، بينما هنا في شيكاغو يحتوي أحد المشافي فقط على 200 جهاز تنفس اصطناعي، ومع ذلك الوضع كارثي هنا، فكيف هو الحال في إدلب في حال وصول الفيروس!".

ويمضي بقوله: "فضلاً عن كل ذلك، تشكل المخيمات في الشمال السوري التي يقطنها ما يقارب المليون ونصف مليون نازح، قنبلة موقوتة، فهناك لا وسائل للوقاية، حتى البسيطة منها، فقد يكون غسل اليدين بالماء والصابون تحدياً".

ويؤكد أنه خلال زيارته الأخيرة إلى إدلب في مطلع العام الجاري 2020، عاين عن كثب الاكتظاظ في المخيمات، ويلفت إلى أنه "من الصعب جداً أن تطلب من أسرة كاملة تقيم في خيمة واحدة أن تأخذ الإجراءات الوقائية، وغالباً هذه العائلة تتشارك مع عشرات أو مئات الأسر المرافق الصحية ذاتها".

ومهما كان الحال، لا بد من تشديد الإجراءات والتدابير لمنع وصول الوباء، والأهم إحكام إغلاق الشمال السوري لمنع تسرب الفيروس"، وفق سحلول، الذي أضاف: "لم يعلن النظام السوري إلا عن تسجيل 38 حالة إصابة بكورونا، علماً بأن الإصابات الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، بحسب ما أفادت به مصادرنا الطبية من داخل مناطق النظام".

وحول أسباب تكتم النظام، يعتقد سحلول أن النظام لا يريد تحمل مسؤولية تسببه بانتقال الوباء، نتيجة تأخره في اتخاذ الإجراءات اللازمة، ومن أهمها إغلاق الحدود، ومنع السفر من وإلى إيران، التي تحولت إلى دولة موبوءة.

من جانب آخر، اتهم سحلول النظام بالمتاجرة بوباء كورونا، مبيناً أن "النظام السوري يطالب برفع العقوبات الدولية عليه، علماً بأن العقوبات تستثني القطاع الصحي والمساعدات الإنسانية"، وفق تأكيده.

ترك تعليق

التعليق