رامي مخلوف.. وحديث الذل والمسكنة


لا يمكن إدراك قيمة الفيديو الذي ظهر فيه رامي مخلوف بالأمس، إلا لمن عرفه قبل العام 2011، عندما كان يمشي مثل الطاووس، وتسير خلفه مجموعة من الكلاب الشرسة بنظارات سوداء وأسلحة رشاشة، يرهبون كل من يمر أمامه أو يحاول النظر إليه..

وأتذكر في المرات القليلة التي رأيته فيها خلال المؤتمرات الكبيرة، كان يقف لوحده مثل "الكلب"، لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه، بما في ذلك المسؤولين الكبار.. أما الصحفيون، فكانوا يبتعدون عنه لمسافات طويلة، خشية أن تمتد يد الحراس عليهم بالضرب.

هكذا بنى رامي مخلوف شخصيته وامبراطوريته في المجتمع السوري، أو هكذا أراد النظام بناءها، والتي تتناقض تماماً مع الصورة التي ظهر عليها بالأمس، من ذل ومسكنة وتقوى وورع، حتى ليخال المرء أن من يتحدث ليس هو نفس الشخص، الذي كان يمشي محاطاً بكافة مظاهر الأبهة والبطش.

لقد شاهدت الفيديو أكثر من مرة، وخرجت بسؤال وحيد منه: ما كان يضر بشار الأسد لو أنه منذ البداية في العام 2011، وضع حداً لرامي مخلوف ولغيره من رجالات التسلط على رقاب الشعب السوري..؟، أما كان وفّر على نفسه وعلى الشعب تسع سنوات من القتل، وجنب البلد كل هذه المآسي..؟

أكاد أجزم بأن جل مطالب الثورة السورية الشعبية، عندما خرجت، كانت تحوم في أغلبها حول رامي مخلوف وفساده وتغوله على اقتصاد البلد، مدعوماً من بشار الأسد بالطبع، فلو أن هذا الأخير تدارك هذه النقطة تحديداً، لكنا اليوم، بحسب اعتقادي، في موقع مختلف عما آلت إليه الأمور فيما بعد..

لهذا السبب، لا أعول كثيراً على هذا الشقاق بين الفاسدين على أنه يمكن أن يكون سبباً في نهاية نظام الأسد، سيما وأن المعلومات تشير إلى أن النظام يفكك إمبراطورية الفساد السابقة، من أجل بناء إمبراطورية فساد جديدة، لا تكتفي باستثمار الكماليات والسرقات الكبيرة، كما هو حال رامي مخلوف، وإنما تمتد لأساسيات معيشة المواطن السوري، من خبز وزيت وسكر وشاي وغاز ومازوت..

يخطئ كل من يعتقد بأن بشار الأسد قد صحا ضميره وقرر إصلاح ما أفسده رجالاته وعلى رأسهم رامي مخلوف، أو أن روسيا تضغط عليه في هذا الجانب.. بل إن من تابع لقاءاته الأخيرة مع وسائل الإعلام، سوف يجد أنه أمام شيطان بكل معنى الكلمة، وقد استمرأ الإجرام والتوحش، حتى أصبح من معالم شخصيته الأساسية.

لذلك، وأرجو أن أكون مخطئاً، أظن بأن النظام سوف يطوي صفحة رامي مخلوف بالفعل، وغيره من المتسلطين الكبار، والذين سوف نسمع عن قصصهم تباعاً في الأشهر القادمة، ولكن ليس كرمى لإحداث تغيير إيجابي في سوريا، وإنما لصالح واقع جديد، سوف يتحول فيه النظام من سرقة الكبار، إلى سرقة الشعب بشكل مباشر، ومن قوته اليومي.. وهو ما بدأت معالمه تظهر من خلال البطاقة الذكية..

وأعتقد كذلك، أن النظام لن يهتم كثيراً لشماتة الشعب السوري بفيديو رامي مخلوف، ولن يثنيه ذلك عن المضي قدماً في تخليصه لكل أمواله وممتلكاته، حتى لو أدى ذلك لتوقف سيرياتيل عن العمل بشكل كامل.. بل على الأغلب، فإن بشار الأسد يضحك الآن وهو يقرأ ردود الأفعال والشماتة من الشعب السوري، ولعله يقول في قرارة نفسه: سوف أجعلكم تتحسرون على أيام رامي مخلوف وتتمنون لو أنها بقيت، مقابل ما ستواجهون من استغلال جديد..


ترك تعليق

التعليق