مصير النفط السوري وعلاقته بالحل السياسي.. اقتصاديون يوضحون


من بوابة العشائر تحاول روسيا توسيع نفوذها في المنطقة الشرقية الغنية بثرواتها الاقتصادية وخاصة النفطية، بهدف أن يكون لها حصة كون الامتيازات التي حصلت عليها من نظام الأسد في قطاع النفط تحديداً أو الفوسفات وغيره، لم تجد نفعاً بالنسبة لها، ومن أجل ذلك تريد أن يكون لها حصة من النفط السوري.

واستنكر عدد من أبناء العشائر السورية الزيارة الأخيرة التي قام بها عدد من الضباط الروس، في 17 نيسان/أبريل الماضي، إلى مضافة شيخ عشيرة حرب في مدينة الحسكة، واصفين تلك الزيارة بأنها "مشبوهة"، وأن الروس يريدون توسيع نفوذهم في الجزيرة العربية.

وذكر "مرصد الحسكة" المهتم بتوثيق أخبار المنطقة الشرقية على حسابه في "فيسبوك"، أن "القوات الروسية عززت من تواجدها في منطقة القامشلي وتجري دوريات في ريف القامشلي منذ تشرين الثاني 2019، وتتركز قيادتهم التي تضمّ ضباطاً وخبراء عسكريين وأمنيين في مطار القامشلي والنادي الزراعي قرب المطار".

وذكرت مصادر محلية لـ "اقتصاد" أنباء غير مؤكدة عن أن "الروس يحاولون الحصول على حصة في حقل كونيكو للغاز شرقي الفرات والخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والذي يقع في ناحية خشام التي تبعد 12 كم شرقي مدينة دير الزور، والذي يعد من أكبر الحقول المنتجة للغاز الطبيعي في سوريا"، من دون توضيح التفاصيل حول ما إذا كان ذلك سيتم بموجب اتفاق ما مع "قسد" وأمريكا أم بموجب تطورات أخرى.

وقالت المصادر: "يحاولون (الروس) التمدد شرقي الفرات، ومؤخراً عقدوا اجتماعات أيضاً مع زعماء العشائر بالحسكة، إضافة لمحاولة تواجدهم في منطقة الجفرة المقابلة لمنطقة خشام التي يتواجد فيها حقل كونيكو، كما أن الروس يعملون على التنسيق مع العشائر التي لها صلة بتاجر النفط التابع لنظام الأسد حسام القاطرجي، إضافة لمجموعات تتواجد في الرقة وما حولها، لذا روسيا تحاول توطيد العلاقات مع كل الأطراف بهدف التمدد والتوسع".

ويرى مراقبون أنه على الرغم من محاولات روسيا تلك للتوسع في منطقة الجزيرة شرقي سوريا، إلا أن الحضور الأقوى يبقى للولايات المتحدة الأمريكية التي تبسط سيطرتها على عدد من حقول النفط وأهمها إضافة لحقول كونيكو، حقل العمر النفطي الذي يقع في قرية الشحيل شمال شرقي دير الزور، وحقل التيم، إضافة لعدد من القواعد النفطية والعسكرية.

وعلى اعتبار أن الروس متواجدون شرقي سوريا وأيضاً الأمريكان، يطفو على السطح سؤال حول مصير "النفط السوري" في ظل الصراع الروسي - الأمريكي، وهل من الممكن أن تتخلى أمريكا عنه أو عن جزء منه لصالح روسيا؟

وتعليقاً على ذلك قال رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، الدكتور "أسامة القاضي"، في تصريحات لـ "اقتصاد": "لا أعتقد أن أمريكا ستتخلى ببساطة عن آبار النفط السورية للروس، ليس لحاجتها للنفط بل لأنها تعد ورقة ضغط على روسيا وتجعلها دائماً حاضرة في الساحة السورية".

وأضاف "القاضي": "التخلي عن بئر واحد أو أكثر لا يعني التخلي عن كافة الآبار النفطية، لأن هذا يرجع لقرار استراتيجي بوجود الولايات المتحدة وأدواتها في سوريا أو عدمه، وأعتقد أن هذ متعلق بشكل كبير بالوجود الروسي داخل سوريا وطالما روسيا موجودة بسوريا فالولايات المتحدة ستظل موجودة هناك، وهي في مكان استراتيجي جداً حيث السلة الغذائية السورية وحيث النفط السوري".

وأكد "القاضي": "أستبعد أن تتخلى أمريكا عن حقول كونيكو كون هذه الشركة بالأصل شركة أمريكية، وهذا صعب أن يعطى للروس كاملاً إلا ضمن اتفاقية واضحة وتنسيق واضح بين الطرفين الروسي والأمريكي".

ورأى "القاضي" أنه "بدون حل سياسي لا يمكن استعادة النفط السوري للسويين، ولا يمكن خروج لا روسيا ولا أمريكا ولا حتى تركيا، وتكاتف بعض أبناء العشائر أو جهات ثانية مع أي طرف من الأطراف الآن ليس له تلك القيمة، بل القيمة الأكبر هي لحل سياسي ناجز وواضح يفضي إلى تحديد الحدود العملية والجغرافية لكل منطقة نفوذ، كون سوريا باتت 3 مناطق نفوذ ولم تعد كما كانت".

وأعرب "القاضي" عن اعتقاده بأن "الصفقة السياسية التي سيقوم بها المندوب الأممي إلى سوريا غير بيدرسون عراب اتفاقية أوسلو ستضع على الطاولة (أوسلو السوريين)، بحيث يكون لكل منطقة نفوذ حدودها الجغرافية، وقد لا تكون مثل سايكس بيكو ولكن ستكون تلك الحدود محترمة ومؤمنة، وكل منطقة تقوم بمسؤولياتها التنموية والأمنية وقد تتطور المسائل إلى تقسيم جغرافي، والتاريخ يقول عندما تتدخل الجيوش الأجنبية في أي بلد، فإنه في الغالب تنتهي بالتقسيم فالكوريتين وألمانيا ويوغسلافيا كلهم تعرضوا للتقسيم بعد دخول الجيوش الأجنبية".

ويرى مراقبون أن محاولة الروس الحصول على مكاسب أكبر على الأرض السورية، جعلتهم يغيرون من مخططاتهم ويتوجهون صوب منابع النفط شرقي سوريا.

وتعليقاً على ذلك قال المستشار الاقتصادي ومدير مركز معلومات ودراسات الطاقة في لندن، الدكتور "مصطفى البازركان" إن "لسوريا ثروة طبيعية من النفط والغاز، وحسب أحدث الأرقام المتوفرة فإن احتياطي النفط يبلغ ملياري برميل يتركز معظمها في شرق سوريا في الأراضي القريبة من العراق ويمثل الاحتياطي السوري 0.14% من الاحتياطي العالمي".

وأضاف "البازركان" في حديثه لـ "اقتصاد" أنه "وحسب الأرقام التي نشرها النظام قبل قيام الثورة فان إنتاج النفط بلغ 300 ألف برميل تراجعت إلى 50 ألف برميل، وهنالك مناطق منتجة وغنية بالنفط والغاز أصبحت خارج سيطرة النظام منذ سنوات".

وتابع: "التنافس للسيطرة على الثروة الطبيعية لسوريا واضح من خلال جهود أمريكية تارة وجهود روسية تارة أخرى، نظراً لموقع سوريا الاستراتيجي والمخزون الكبير من النفط، والغاز المصاحب للنفط، وكذلك الغاز الطبيعي، خاصة وأن أكبر الحقول النفطية يقع في دير الزور حقل العمر وكذلك حقل التنك، وكذلك حقل الجفرة وكونيكو للغاز، وكذلك حقل رميلان في الحسكة الذي يضم أكثر من 1200 بئر نفطي و 25 بئراً للغاز".

ورأى أيضاً أنه "من الواضح أن تقارب روسيا مع النظام أطلق يديها في ميدان الثروة النفطية والغازية، وإن ذلك يؤشر إلى اتجاه روسي للاستثمار وبالتالي تقديم الدعم للنظام من جهة والسيطرة على الثروة الطبيعية، لتكون عامل ضغط سياسي واقتصادي تستخدمه متى رغبت بذلك، ومن جهة أخرى قد يضم ذلك سوريا إلى منتجي النفط والغاز وتصبح سوريا في المستقبل جزءاً من شبكة لتزويد ونقل الغاز من إيران إلى أوروبا وكذلك عبر تركيا إلى أوروبا، وقد تلعب روسيا دوراً في علاقات نفطية وتنسيق مع العراق وإقليم كردستان العراق مستقبلًا، وكل ذلك يعتمد على التطورات الجيوسياسية التي ستشهدها سوريا والمنطقة بأسرها".

ويرى مراقبون آخرون أن التكهن بمستقبل النفط لم تتضح صورته بعد ويتعلق بالحل السياسي، وأن هناك معركة حقيقية للجهات الحقوقية والسياسية تجاه العقود والاتفاقيات التي أبرمها نظام غير شرعي، وهناك قوانين دولية تحكم هذه الاتفاقيات.

وعن مستقبل النفط السوري قال الإعلامي المتخصص في الشأن الاقتصادي "سمير طويل"، إن "النفط السوري ومنذ استلام حزب البعث الحكم في سوريا، وتحديداً منذ عام 1969 ولغاية اليوم، والنفط السوري لا يدخل بالموازنة العامة للدولة، ولا أحد يعرف حجم الإنتاج الحقيقي وحجم الإيرادات وأين تذهب أموال النفط".

وأضاف "طويل" أن "النظام ومنذ عقود طويلة يتعامل مع الشركات العالمية سواء كندية أو هولندية أو أمريكية أو حتى روسية، عن طريق (نزار الأسعد) على أنه حوت النفط السوري، وكافة عمليات الاستثمار كانت تدار عن طريق مكتب تسويق النفط التابع لدائرة النظام الضيقة مباشرة".

وقال "طويل" إن "الأمور تغيرت اليوم بعد التدخل الروسي في سوريا، فأصبح الروس يريدون الحصول على امتيازات سيادية بقطاعي الغاز والنفط من النظام، كنتيجة لتسديد الفاتورة المترتبة على التدخل العسكري بسوريا، ولكن هذه الاستثمارات لم تكن كافية، كون أغلب الاستثمارات التي تم منحها هي استكشاف بمناطق البحر القريبة من اللاذقية وطرطوس، وبالتالي يبدو أن هذا المناطق لم تظهر أي نتائج بعد تؤكد وجود غاز أو نفط، وهذا بالنسبة للروس أمر غير كافٍ".

وأشار "طويل" إلى أن "الشركات الروسية تشتكي اليوم من فساد النظام، إذ إنه يريد منح الروس امتيازات بقطاع النفط لكنه يريد الحصول على جزء منها، إضافة إلى أنه يريد العمل بالعقلية القديمة الخاصة بالفساد".

وختم "طويل" بالقول: "الروس أصابتهم حالة من التذمر كون النظام لديه منظومة فساد في هذا القطاع، ومن هنا يريد الروس أن يستولوا بشكل مباشر على حقول النفط سواء من خلال السيطرة عليها من (قسد) أو من النظام أو حتى من خلال اتفاق مع أمريكا للسيطرة على بعض الحقول والآبار".

يشار إلى أنه في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجميع، بأن بلاده ستبقي على عدد من جنودها في سوريا بهدف حماية المنشآت النفطية، مضيفاً: "لدينا جنود في قرى شمال شرق سوريا قرب حقول النفط، وهم ليسوا في طور الانسحاب، كما أننا يمكن أن نرسل واحدة من كبرى الشركات النفطية للقيام بذلك بشكل صحيح".

ترك تعليق

التعليق