على ماذا أقسم البرازي أمام بشار..؟


تحاول وسائل إعلام النظام أن تروج لفكرة أن تعيين وزير تجارة داخلية جديد، والذي هو طلال البرازي، من شأنه أن يحل الكثير من المشاكل التي تواجه الناس في حياتهم المعيشية والمتعلقة في أغلبها بارتفاع الأسعار في الأسواق بشكل جنوني، وبما يفوق قدراتهم الشرائية بكثير.

وتحاول هذه الوسائل أيضاً أن تركز على فكرة، بأن ارتفاع الأسعار سببه التجار والمحتكرين الذين لا يرضون بالأرباح القليلة، وبالتالي في حال وجود جهة قادرة على ضبط الأسواق ومعاقبة المخالفين فإن الأسعار سوف تنخفض بكل تأكيد.

هذا ملخص الحوارية التي جرت بين بشار الأسد ووزير التجارة الداخلية الجديد، طلال البرازي، بعد أدائه اليمين الدستورية أمام الأول، بحسب ما ذكرت العديد من وسائل إعلام النظام.

وهي والحق يقال، حوارية فيها الكثير من الصحة، لكن لناحية السلع المنتجة محلياً فقط، كالبندورة والخيار وغيرها من السلع الزراعية، والتي ارتفعت في الآونة الأخيرة إلى مستويات خيالية تفوق حتى أسعارها في الدول الأوروبية.. وإلا، ما معنى أن يباع كيلو البندورة بـ 1000 ليرة في الوقت الذي كان يباع فيه في أسواق الدول الغنية بنصف دولار، أي نحو 750 ليرة..؟ وذلك على أساس حساب سعر صرف لليرة يعادل 1500 أمام الدولار.

وما ينطبق على البندورة، ينطبق على باقي السلع والمواد المنتجة محلياً، مثل الفروج واللحمة والبيض ومشتقات الحليب والألبان.. فهي جميعها تباع في سوريا وفقاً للأسعار العالمية أو أدنى بقليل.. وهذا يقودنا للسؤال: من هو المسؤول عن التسعير في سوريا..؟، أو بصيغة ثانية، من هي الجهة المسؤولة عن تحديد سعر مادة معينة..؟، التاجر أم المنتج..؟

أكد الكثير من المنتجين، أنه في الفترة التي كان فيها سعر البندورة يباع بـ 1000 ليرة، كانوا يعطونها للتجار بسعر أقل من 300 ليرة، أي كانت تباع بأكثر من ثلاثة أضعاف سعرها للمستهلك.. أما التاجر فيقول، إن تكاليف النقل والترفيق وإيصالها إلى أسواق الجملة، كانت تضطره لدفع أكثر من 200  ليرة زيادة على سعر كل كيلو، ونفس الشيء تاجر الجملة الذي يشتكي من مخاطر كساد الخضروات لديه، فهو يقول بأنه لا بد أن يربح على كل كيلو بين 100 إلى 200 ليرة سورية، من خلال بيعها لأسواق المفرق.. وبذلك تتضح حقيقة آلية التسعير المعتمدة في سوريا، والتي هي عبارة عن علاقة خالصة بين المنتج وبين سلسلة من التجار.. وهذه العملية باختصار، يمكن السيطرة عليها من خلال تخفيف الحلقات الوسيطة، والتي لايزال النظام عاجزاً، ليس الآن ولكن منذ سنوات طويلة، عن إيجاد آلية جديدة بخصوصها، يستطيع المنتج من خلالها أن يصل إلى المستهلك مباشرة.

أما الشق الأصعب في الأسعار، فهو يتعلق بالمواد المستوردة، أو التي يدخل في صناعتها مواد مستوردة، والتي تشكل أكثر من 50 بالمئة من حاجات الناس الأساسية، فهي لابد أن تباع بمثل الأسعار العالمية أو أعلى بقليل، وحجة التجار في ذلك هو العقوبات الاقتصادية، وانخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار.

وفي هذه النقطة تحديداً، تكفلت الدولة باستيراد بعض هذه المواد الأساسية، الغذائية حصراً، وقامت ببيعها في مؤسساتها، بسعر أقل من الأسواق الخارجية، بنحو من 20 إلى 30 بالمئة.. وهي المواد التي تم وضعها على البطاقة الذكية، من سكر وزيت وسمنة وشاي ورز..

إذاً، وكما هو واضح، فإن نطاق عمل وزارة التجارة الداخلية، ينحصر تقريباً في أسواق الخضروات والفروج واللحوم، والتي أعلنت العديد من الجهات نيتها افتتاح أسواق شعبية في ساحات المدن والأرياف من أجل أن يبيع المنتج بضائعه للمستهلك مباشرة.. ولكن ما جدوى هذه العملية..؟

وبالفعل، فقد سجل الأسبوع الماضي انخفاضاً في أسواق الخضروات، حيث وصل سعر كيلو البندورة مثلاً إلى 300 ليرة، لكن حتى هذا السعر المنخفض قياساً للسعر السابق، هو أعلى من قدرة الناس الشرائية وفقاً لمستوى الدخل، إلا أنه بحسب المنتجين فإن ذلك أدنى سعر يمكن أن تباع به البندورة، لأنهم ليسوا قادرين على بيع كامل منتجاتهم للمستهلك، فلا بد كذلك من الاستعانة بالتاجر، الذي راح يشتري كيلو البندورة منهم بـحوالي 100 ليرة، من أجل أن تصل إلى أسواق المفرق بسعر 350 ليرة..

وبعيداً عن كل هذا وذاك، فإن المتابع لتفاصيل ما جرى خلال لقاء بشار الأسد بوزير التجارة الداخلية الجديد، وبحسب ما نقلت وسائل إعلام النظام، فإن التعويل كله على الضرب بيد من حديد في مراقبة الأسواق وضبط الأسعار، ومن ثم تفعيل العمل بقانون التجارة الجديد، الذي يفرض غرامات وعقوبات كبيرة بحق المخالفين.. أي المطلوب هو إرهاب الأسواق والتجار، وهي عملية تحتاج من وزارة التجارة، إلى جيش من الموظفين النزيهين، وتكاليف مالية تفوق تكلفة ارتفاع الأسعار.. لذلك يرى الكثير من المراقبين، أن عملية تغيير وزير التجارة الداخلية، ليست إلا خطوة استعراضية من النظام، للقول للناس بأنه يقوم بما في وسعه من أجل تأمين حاجياتهم، وإلا فإن الوضع الذي اصطدم به وزير التجارة القديم، لا يزال كما هو دون تغيير، فقد أعلن عاطف النداف في أكثر من موقع، وقبله الوزير الأسبق عبد الله الغربي، أن ما هو مطلوب من وزارة التجارة الداخلية أكبر بكثير من إمكانياتها، ويحتاج لوحده لتكاليف تعادل أو تفوق الفساد الذي ستكافحه أو غلاء الأسعار الذي ستحاربه.. وبالتالي على النظام أن يفهم، بحسب هؤلاء المراقبين، بأن غلاء الأسعار في الأسواق، ليس كله بسبب جشع التجار أو ضعف الرقابة الحكومية، وإنما في قسم كبير منه يتعلق بمستوى الدخل المنخفض، والظروف الأمنية التي فرضها النظام على الناس، والتي أعطى فيها للشبيحة صلاحيات السطو على أرزاق الناس وممتلكاتهم، بما في ذلك التجار وكبار الكسبة.. وفي النهاية من يدفع الثمن هو الناس العاديين..

وفي الختام، تقول وسائل إعلام النظام، بأن طلال البرازي أقسم أمام بشار الأسد، على أنه سيفعل ما بوسعه لضبط الأسواق، وإذا لم يستطع فإنه سيستقيل ويترك منصبه.. وهو ذات الهراء الذي سمعه السوريون من الوزير السابق.. والذي قبله وقبله..

ترك تعليق

التعليق