المُسّحراتي.. مهنة تقاوم الاندثار في القلمون الشرقي


يعدّ "المُسّحراتي" جزءاً رئيسياً من تراث شهر رمضان وعاداته في منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، حيث ما يزال صاحب هذه المهنة يحظى إلى الآن بمكانة خاصة في نفوس أهالي المنطقة الذين يرون فيه صورة لا يكتمل الشهر الفضيل بدونها.

في هذا الصدد قال "عبد الكريم حمدان" وهو مدرسٌ متقاعد من أبناء المنطقة، في تصريح خاص لـ"اقتصاد": "لقد اشتهر المسحِّر لدى المسلمين منذ القدم باعتباره الوسيلة الوحيدة المتوفرة في ذلك الوقت لحثهم على النهوض قبل موعد أذان الإمساك، بسبب عدم توفر وسائل التنبيه الحالي كأجهزة التنبيه ومكبرات الصوت في المساجد".

وأضاف: "يرتبط (المسحِّر) ارتباطاً وثيقاً بالتقاليد الشّعبية الرمضانية لأبناء منطقة القلمون الشرقي، حيث لم تستطع وسائل التقدم التكنولوجي التي منحت للناس القدرة على ضبط منبهاتهم الإلكترونية أو الهواتف المحمولة كوسيلةٍ عملية وموثوقة للنهوض من النوم وتناول السحور، إلغاء وجوده وشخصيته المحببة في المنطقة".

وأشار "حمدان" إلى أنّ بعض المسحِّرين بقوا يصرّون على إيقاظ الصائمين، اعتماداً على قرع الطبول وترديد عبارات دينية-روحية بصوت عالٍ، تحثّ الصائمين على الاستيقاظ، طمعاً في نيل الثواب والأجر، أو للحصول على "الإكراميات" من الصائمين بعد انتهاء شهر رمضان.

وعلى الرغم من حظر التجول المفروض في منطقة القلمون الشرقي، بسبب تداعيات فيروس "كورونا"، إلاّ أنّ المسحِّر "أبو أحمد" ما يزال يمارس مهمته الرمضانية بشكلٍ طبيعي؛ فهو يجول داخل أحياء مدينته، دون أي معوقات بسبب طبيعة مهمته وعدم احتكاكه المباشر مع الأهالي. وفق ما ذكره لـ "اقتصاد".

ويواظب "أبو أحمد" على الطواف في شوارع وأزقة مدينته طوال فترة لا تقل عن 30 يوماً على الأغلب، ويتنقل فيما بينها –كما يقول- مشياً على الأقدام، دون كللٍ أو ملل، مرتدياً زيّه المعتاد "جلابيه" وحاملاً بيده عصاً صغيرة يقرع بها على طبلٍ مشدودٍ إلى صدره، ومردداً عباراتٍ روحية مثل (يا نايم وحّد الدايم.. يا نايم وحّد الله)، وأخرى محفزّة مثل (قوموا يلي ما بتدومو.. قوموا على سحوركم قوموا) من أجل حضّ الأهالي على النهوض وتناول السحور وأداء صلاة الفجر، قبل طلوع شمس نهار الصيام.

وأضاف المسحِّر "أبو أحمد" لـ"اقتصاد" قائلاً: "اخترت هذه المهنة ابتغاء مرضاة الله لما فيها من خير ومنفعة للناس، كذلك فإنّ فيها منفعة مادية؛ إذ يقوم الأهالي في نهاية شهر رمضان بمعايدتي كلٌ على طريقته وبحسب استطاعته؛ دون تحديد مبلغ لذلك أو إجبار أحدٍ منهم على الدفع".

وعن مواعيد عمله، أوضح "أبو أحمد" أنّ جولته في تسحير الناس تبدأ قبل موعد السحور بنحو ساعتين، ليتسنّى له إيقاظ جميع السكان، وأشار في الوقت نفسه إلى أنّ عدداً محدوداً من المسحِّرين ما زالوا يمارسون مهنتهم في الحارات الشعبية داخل مدن وبلدات منطقة القلمون رغم إجراءات الحظر بسبب تفشي "كورونا".

ولفتّ "أبو أحمد" إلى أنّه يحاول عبر شخصيته خلق أجواءٍ رمضانية تختلف عن بقية أشهر السنة؛ وذلك من خلال إضفاء بعض الابتسامة والمرح على وجوه الأطفال الذين لطالما سمعوا عن "المُسّحراتي" أو شاهدوه في التلفاز دون أن تسنحَ لهم فرصة التعرف إليه عن قرب، بل وحتى أنّه لا يمانع في التقاط الصور التذكارية معهم والسماح لهم بالنقر قليلاً على الطبل الذي بحوزته.

من جانب آخر يرى "أنس ضميرية" أحد أبناء منطقة القلمون الشرقي، أنّ الصائمين كانوا يعتمدون فعلاً على المسحّر من أجل الاستيقاظ من النوم لتناول وجبة السحور، إلاّ أنّ وجوده أصبح اليوم أمراً ثانوياً في ظل تفشي الأوبئة وتقدّم وسائل الاتصال، واعتياد الناس على السهر وتناول السحور وأداء صلاء الفجر، قبل الخلود للنوم.

وختم "ضميرية" حديثه لـ"اقتصاد" بالقول: "أغلب المسحِّرين في العقود الفائتة، كانوا يمتلكون أصواتاً جميلة تبهج الصائمين، وطبلتهم لها إيقاع محبّب، كما أنّ عملهم كان بدافع نيل الأجر والثواب، أمّا اليوم فهناك من يتّخذ من هذا الأمر مصدراً للكسب المادي ليس أكثر".

ترك تعليق

التعليق