أسواق درعا في ظل "قيصر" وانهيار قيمة الليرة.. كيف تبدو؟


تشهد أسواق محافظة درعا، بعيد دخول قانون "قيصر" حيز التنفيذ، حالة من الركود الاقتصادي والكساد، وذلك على خلفية انهيار الليرة السورية أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية التي تجاوزت كل الإمكانيات والموارد المالية المتاحة للغالبية العظمى من سكان المحافظة.
 
وتشير مصادر محلية من مناطق المحافظة المختلفة، إلى أن الأسواق باتت شبه خالية من المتسوقين، بعد أن وصلت أسعار المواد الاستهلاكية فيها إلى أرقام فلكية، يعجز معها المواطن حتى عن مجرد التفكير في السؤال عن سعر المادة.

ولفتت المصادر إلى أن المحال التجارية، إما أنها أغلقت أبوابها بشكل كامل لعدم توفر البضاعة، بسبب ارتفاع أسعارها من المنشأ، وإما باتت تفتح لساعات محدودة لتأمين بعض الاحتياجات الأساسية، التي أصبحت تباع بالغرامات حسب وصف أحد المصادر.

وقال أبو محمد، 60 عاماً، وهو موظف متقاعد: "لا تستغرب إن شاهدت رجلاً يقف بكل احترام، وهو يطلب بخجل من البقال، 200 غرام من السكر، وبضع غرامات من الشاي، تكفيه لصنع إبريق من الشاي لفطور أسرته الصباحي".

ولفت إلى أن الكثير من الأسر باتت تكتفي بالشاي والخبز في معظم وجباتها، سيما وأن معظم الأسر تكون في مثل هذا الوقت من العام، قد أتت على كل مخزونها من المؤونة الموسمية.

وأضاف الرجل الستيني متحسراً: "كما تعلم الناس هنا عاطلة عن العمل، وليس لديها ما تعمله، كل الأنشطة الحياتية متوقفة، ومعظم فرص العمل المتاحة -على قلتها- مزدحمة بالراغبين بالعمل".

وأردف قائلاً: "رواتب الموظفين لدى النظام بالكاد تكفيهم أياماً قليلة، والمحظوظ من بين هؤلاء الناس، هو من لديه في بلاد الله الواسعة قريب يستطيع أن يمده بمبلغ بسيط، يعينه على صعوبات الحياة".

فيما أشارت "أسماء" وهي أرملة أربعينية وأم لثلاثة أطفال، إلى أنها خجلت من نفسها، عندما باتت عاجزة عن تأمين زجاجة شراب "سعلة" لطفلتها المريضة ذات السنوات الثلاث، لافتة إلى أن ما توفر معها من نقود، لا يشتري زجاجة دواء، والصيدلي رفض إعطائها شراب السعلة رغم ضرورته بحجة أنه توقف عن البيع بالدين.

فيما أكدت الخمسينية "أم معاذ" وهي أم لأربعة فتيات أكبرهن في الرابعة عشرة من العمر، أنها منذ أربعة أيام لا تتناول في وجباتها سوى بعض حبات البندورة والخيار، وبعض الخبز الذي تحصل عليه من هنا وهناك.

وأشارت إلى أنها لا تملك المال لشراء سلعٍ أخرى، كما أنه ليس لديها عمل، وما كان يجود به عليها "أهل الخير" تراجع، أو توقف، بسبب الظروف الاقتصادية التي أصبح جميع السوريين يعاني منها.

وقالت: "عملنا في حصاد الشعير لعدة أيام، لكنا أنفقنا كل ما انتجناه، لأن هذا العمل مؤقت، يستمر لعدة أيام وينتهي، والآن ننتظر فرصة عمل أخرى، لنستطيع العيش من إنتاجها"، لافتة إلى أن كل شي في هذه الحياة قد تغير وأصبحت الحياة أكثر صعوبة.

ويقول "أبو عبد الكافي"، 50 عاماً، وهو صاحب بقالية: "لقد أوقفنا التعامل بالدين، لأن الأيام لم تعد كالسابق"، لافتاً إلى أن الكل توقف عن التعامل بهذه الطريقة، من الموزع والتاجر وصولاً إلى المنتج والكل يريد ثمن بضاعته "كاش".

وأشار إلى أن الخاسر من هذه العملية في التداول، في الوقت الحالي، هو المواطن محدود الدخل، الذي كان يسدد ديون الشهر ويسحب مواد غيرها، عازياً التوقف عن البيع بالدين، إلى التغير السريع بالأسعار، والخوف من الخسارة في ظل وضع اقتصادي، لا يمكن الشعور معه بالأمان.

فيما أشار "محمود سعيد"، 40 عاماً، وهو مزارع، إلى أنه وبسبب الظروف المادية الصعبة، لم يعد هناك خيارات أمام المواطن لأكثر من صنف واحد من الطعام، مكون من الحبوب والبقوليات المتوفرة في المنزل من برغل وعدس وغيرها، لافتاً إلى أن بعض الأهالي عادوا إلى طهي رز المعونات، الذي حولوه في فترة ما إلى علف للدجاج.

وأضاف أن الفواكه إن لم تكن موجودة في "حاكورة" الدار، فإن شرائها صعب المنال، بسبب ارتفاع أسعارها، مشيراً إلى أن الكثير من المحال لم تعد تتاجر بهذه المواد، بسب تخلي الناس عنها في أطباقهم بعد أن ارتفعت أسعارها.

فيما أكدت "سلوى القاسم"، 37 عاماً، وهي معلمة مدرسة، أنها قلصت الكثير من مصاريفها الاعتيادية رغم أن راتبها مع راتب زوجها يزيدان عن 100 ألف ليرة سورية.

وقالت: "بتنا نعتمد على شراء ضروريات البقاء، من طعام في الحدود الدنيا"، لافتة إلى أنها ألغت مصاريف أولادها اليومية، لأن المئة ليرة كما تقول لم تعد تكفي لشراء كيس شيبس أو قطعة بسكوت.

وأضافت أنها اشترت أمس (الخميس)، عبوة زيت نباتي زنة أربعة كيلو غرام بنحو 14 ألف ليرة سورية، وكيلو السكر بـ 1600 ليرة سورية، وكيلو رز من نوعية أقل من الوسط بـ 1250 ليرة سورية، ولفتت إلى أنها لم تستطع شراء أكثر من ذلك، لأن الأسعار عالية جداً يصعب اقتحامها.

وأكد أحد الباعة أن سعر كيلو الشاي، ارتفع خلال أسبوع فقط من 10 آلاف ليرة سورية، وأصبح يباع بـ 23 ألف ليرة سورية، والرز يبدأ من 1300 وصولاً إلى 2500 ليرة سورية، فيما وصل سعر علبة المحارم إلى 1700 ليرة سورية، وصحن البيض إلى 2700 ليرة سورية، وكيس فوط الأطفال 22 قطعة بنحو 6000 ليرة سورية، مشيراً إلى أن الأسعار ترتفع بارتفاع الدولار وفي كل لحظة، لكنها لا تهبط بهبوطه.


ترك تعليق

التعليق