أزمة مياه الحسكة تدفع السكان لحفر آبار سطحية


تعتبر مشكلة مياه الشرب بالحسكة من أكبر الهموم والمشاكل لدى السكان وأهم التحديات أمام مؤسسة المياه في حكومة النظام ومديرية المياه في بلديات الإدارة الذاتية الكردية، مع غياب الحلول  الجذرية والمستدامة وتحول الحلول الإسعافية إلى دائمة كما حصل لمشروع آبار رأس العين، ما دفع السكان إلى حفر آبار سطحية ضمن أحياء المدينة لتأمين مياه الغسيل وبهدف توفير مياه الشرب التي يشترونها بسعر يتراوح بين 700 -1000 ل.س للبرميل حسب المناطق.

أعلنت "لجنة البلديات والبيئة" التابعة للإدارة الذاتية في الحسكة عن "توقيف محطة علوك لمياه الشرب عن الضخ للمرة السابعة منذ يومين"، مشيرة إلى أنها المرة السابعة منذ سيطرة الجيشين التركي والوطني السوري على منطقة رأس العين في تشرين أول أكتوبر عام 2019.

وكانت أطول مدة توقفت فيها المحطة عن العمل هي 11 يوماً خلال شهر شباط فبراير الماضي، وانتهت الأزمة باتفاق ينص على تزويد كامل منطقة رأس العين بالتيار الكهربائي من سد تشرين، وليس تزويد محطة ضخ علوك لوحدها بالكهرباء من حقول رميلان النفطية بما يضمن وصول المياه إلى مدينة الحسكة، فيما يعاني سكان رأس العين نفسها شح المياه بسبب انقطاع الكهرباء والمحروقات المطلوبة لتشغيل المضخات، وذلك بسبب حصار الإدارة الكردية لها.


يوميات الحسكة مع مياه الشرب

يقول "أبو إياد" (45 عاماً) وهو من سكان حي غويران: "مشكلة المياه أمست دائمة على مدار السنة مما جعلنا نشتري الماء من الصهاريج بسعر 700 ل. س للبرميل الواحد".

وأوضح الرجل أنه يقضي الليل بطوله بانتظار وصول الماء في اليوم المخصص للحي، لكنها أحياناً تتأخر إلى ما بعد الفجر  لضعفها وحين تصل يكون لونها أصفر نتيجة صدأ الأنابيب المهترئة بالشبكة، التي لم تبدل منذ 30 عاماً، الأمر الذي يجعل حل هذه المشكلة صعباً ضمن الظروف الحالية وازدواج السلطات.

وأضاف أنهم يستخدمونها للغسيل لعدم نقاء المياه وتلوثها، مشيراً إلى أن المعاناة ارتفعت خلال فصل الصيف لتزايد الطلب على المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

وباتت أزمة المياه تتصدر قائمة المشاكل لدى سكان الحسكة، ما دفع الناس إلى حفر الآبار السطحية بتكلفة 700 ألف ليرة سورية في بعض الأحياء للحصول على ماء يستخدم للغسيل وأحياناً الطبخ بعد إجراء محاولات تصفية عبر قطع القماش أو غلي المياه على النار، وفق الرجل.

من جهتها، تؤكد ندى (28 عاماً) أن المياه تصلهم كل 6 أيام مرة واحدة، لحي الصالحية، فتعمل على تعبئة الأواني كلها في المنزل بما فيها الكاسات والفناجين (دون مبالغة)، وفق وصفها، مضيفة: "هناك أحياء لا تصلها المياه بشكل نهائي عبر شبكات المياه فيجبرون على نقلها".

وأضافت أنه في يوم الاثنين يكون الضخ باتجاه أحياء "المفتي والصالحية والعزيزية والغزل والطلائع وخشمان" بالجزء الشرقي من المدينة، حيث تسكن. وفي يوم الثلاثاء، يكون الضخ لأحياء الكلاسة والناصرة ودولاب العويس وتل حجر ومشيرفة شمال وغربي المدينة.

وفي يوم الأربعاء يكون ضخ المياه باتجاه أحياء "الحارة العسكرية والسوق ومساكن المحطة والميريديان ومرشو و الصناعة" بمركز المدينة، ومعظمها خاضعة لسيطرة النظام، حيث يشكو أصحاب الطوابق العالية من عدم وصول المياه.

وفي يومي السبت والأحد يكون دور الأحياء الجنوبية من المدينة مثل "النشوة و الليلية وغويران والزهور مع السكن الشبابي"، وجميعها ليست مواقيت ثابتة فقد تتغير كل أسبوع أو مع كل توقف لمحطة "علوك".


مشكلة عامة مرتبطة بالكهرباء

تصاعدت أزمة شح مياه الشرب بمنطقة "مركدة" والقرى التابعة لها مع دخول فصل الصيف واستغلال سائقي البلدية التابعة للإدارة الذاتية الأزمة لجني الأرباح من خلال بيع المياه بأسعار أعلى خارج إطار عملهم بنقل المياه سواء كان مصدرها نهر الفرات أو مدينة الحسكة.

ويقول السكان إن  في بلدتي "مركدة" و"الفدغمي" وقرى "السعدة واشيطح ودويجية ودشيشة وعلوة وشمساني وكشكش" يعانون من عدم توفر مياه الشرب بسبب نقص الصهاريج في المنطقة مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة وسط تزايد الحاجة لمياه الشرب.

وأضافوا  أن البلدية بدلاً من حل المشكلة رفعت سعر البرميل من 200 ل.س إلى 300 ل.س وكان من المفترض أن تحصل العائلة على 5 براميل من مياه الشرب التي تنقلها صهاريج البلدية بسعر 1000 ل.س (أمست 1500)، حسب دور القرية أو المنطقة، فيما يضطرون لشراء الكمية نفسها أي 5 براميل بسعر 3500 ل.س على الأقل، من صهاريج "تجار المياه العذبة".

وتعاني مناطق جنوب الحسكة من شح المياه بسبب عدم صلاحية المياه الجوفية للشرب، وعلى وجه الخصوص المنطقة الواقعة شرق نهر الخابور، فيما تعتمد مدينة "الشدادي" وبلدة "الهول" على محطات تحلية يديرها عمال قليلو الخبرة.

ومدينة القامشلي، أيضاً، تعاني من مشكلات في توفير مياه الشرب  لكنها ليست بمستوى الوضع بمدينة الحسكة وريفها الجنوبي، فتتسبب نسبة العكارة في مياه السيول بأعطال في المرشحات الرملية ما يؤدي إلى توقف ضخ المياه من محطة "السفان" والتي تغذي القامشلي ورميلان ومعبدة والقحطانية والجوادية، وهذا ما حصل نهاية عام 2018.

وتعتبر محطة مياه الهلالية المسؤولة عن تغذية 75% من مناطق وأحياء القامشلي بمياه الشرب، التي تضخ من 51 بئراً ارتوازياً، إلى جانب محطتي "جغجغ والعويجة".

وتتفاقم مشكلة انقطاع المياه في فصل الصيف  بسبب عدم استقرار التيار الكهربائي، ما دفع المسؤولين إلى تأمينه عبر تشغيل مولدات بالقامشلي، وحفر بئرين في"المحمقية ودوار الزيتونية".

وهكذا، فهي مشكلة عامة في جميع مناطق المحافظة لذا تركز الإدارة الكردية على تحميل تركيا مسؤولية نقص مياه الفرات في سدود "تشرين" والفرات" و"البعث" والتي يفترض أنها تخزن 14 مليار متر مكعب من الماء وتنتج من تشرين 63 ميغاوات إلى جانب إمكانية انتاج 2.5 كيلوواط من سد الفرات.

واشتكى سكان قرية "أم حجيرة" قرب بلدة الهول من شح المياه بسبب عدم توفر الكهرباء لمضخات الآبار، فيما عمد مالك مولدات الاشتراك إلى وقف عمله في القرية لأن ما يجنيه من المال لا يغطي ما ينفقه نتيجة عدم تسديد الاشتراكات، التي يراها أصحاب المولدات لا توازي التكاليف بعد موجة الغلاء الأخيرة.

وانقطاع التيار الكهربائي يعني توقف عمل مضخات مياه الشرب على آبار القرى بمنطقة رأس العين، حيث يباع برميل المياه بسعر 1000 ليرة سورية وهو السعر الأعلى بين مناطق المحافظة، ما يجعل سكانها يستخدمون الحيوانات لنقل المياه من آبار المزارعين القادرين على تأمين المحروقات لتشغيل المحركات في المنطقة، التي تعتبر الخزان الرئيسي للمياه ومصدر شرب سكان مدينتي الحسكة وتل تمر الأساسي.

وخلال هذا الأسبوع، وجه سكان قرية "لوذي" نداء لمجلس رأس العين المحلي للإسراع بتشغيل بئر القرية، التي تعاني العطش رغم  مرور أنبوب محطة علوك تحت أرضها باتجاه مدينتي الحسكة وتل تمر.

وفي تموز يوليو 2017، وزعت الإدارة الذاتية المياه بسعر 100 ل.س للبرميل على سكان أحياء الحسكة وطالبتهم بترشيد استهلاك المياه، وبررت أزمة المياه الخانقة بعدم توفر مصادر الطاقة رغم أنها تتحكم بسدود الفرات وعنفات توليد الكهرباء بحقول رميلان، والأخيرة تزود محطة "علوك" عبر خط مباشر كان يسمى خلال سيطرة وحدات حماية الشعب على المنطقة بـ "الخط العسكري"، وعليه فالمشكلة ليست طارئة.


الحلول المطروحة

وسعت "هيئة البلديات في الإدارة الذاتية"، منذ أشهر، مساعيها لإيجاد حل لأزمة المياه بسبب الانقطاعات المتكررة، عبر حفر عدة آبار لتأمين المياه للأهالي وتكون هذه الآبار بديلة عن محطة علوك. وبهذا الصدد عقدت مديرية المياه فيها مؤتمراً صحفياً في محطة الحمة، قالت فيه المسؤولة سوزدار أحمد، إنهم سيقومون بحفر 50 بئراً بقوة 12 م3 في الساعة يعني 600 م3 من الماء بعد أن تم تحليل تلك المياه والتأكد من صلاحيتها وفق المعايير الدولية وأنها ستكون صالحة للشرب مشيرة إلى أن هذه الآبار ليست كافية بالقدر الكبير إلا أنها ستخدم الأهالي. وبالفعل لم تساهم هذه المحاولة في حل المشكلة.

ومع استحالة إكمال مشروع "محطة دجلة المائية" بتكلفة مليار دولار امريكي –حسب خبراء- لاستجرار المياه لكافة مناطق الحسكة، شرعت الإدارة الكردية بتطبيق فكرة ابتدعها السكان فحفرت 13 بئراً سطحية في حي الطلائع ضمن منازل هاني العلي وعبد الصمد حمو ناصر ومهند علي أحمد واسمهان جال، وفي حي العزيزية ضمن منزل أحمد علي الحوان وفي حي المفتي (الضاحية) ضمن منازل عماد إبراهيم سعدة وصفاء محمد حويجة وعبد الحليم عبد القادر أحمد، وفي حي "خشمان" ضمن منازل زهية أحمد الحسين وهناء ذياب وعدنان شيخموس، وفي حي الصالحية ضمن منازل مروان علي عابد وفيصل عثمان، وجميعها  في الجزء الشرقي الشمالي من مدينة الحسكة.

وفي نهاية نيسان أبريل، عملت البلدية ومديرية المياه التابعة للإدارة الذاتية على تعيين 20 موقعاً لحفر آبار سطحية وتجهيزها بشكل كامل في الأحياء الكردية شرقي المدينة "خشمان والطلائع والصالحية والمفتي" بالتعاون مع جمعية دان، لتوفير استهلاك مياه الغسيل والتنظيف من مياه الشرب، مع إدراكها أن الأحياء بأطراف المدينة تصلها المياه بكميات قليلة.

كما أعلنت جهات أهلية عن حفر 7 آبار بمساعدة "متبرعين من الأهالي"، الأول أمام منزل سامر عبادي الأحمد مفرق "المشحمة" في حي "الطلائع"، والثاني أمام منزل محمد طاووس خلف المسجد بحي "الليلية"، والثالث أمام مسجد والرابع أمام منزل الحاج بدري  والخامس على مفرق "الزيت" على طريق "السيحة" وكلها بحي "النشوة الغربية"، والسادس قرب مقبرة حي "غويران"، والأخير أمام جامع الحسين في حي "حوش الباعر"، وجميعها في الجزء الجنوبي من المدينة باستثناء واحد شرقي المدينة.

وأخيراً، وصلت سدود الحسكة العشرة إلى تخزينها الأعظمي خلال العامين الماضيين، بعد أن كانت المحافظة تعاني من عجز مائي يقدر بملياري متر مكعب، فسدودها حالياً تخزن 724 مليون متر مكعب بفضل الأمطار الغزيرة والسيول وفيضان الأنهار والأودية، منها أكثر من 605 مليون متر مكعب في سد الحسكة الجنوبي على نهر الخابور، والباقي في سدّي الخابور الغربي والشرقي، وسدود الجراحي، ومعشوق، والجوادية، وباب الحديد، والمنصورة، والسفان والحاكمية، لكن هذه الكميات غير مستثمرة سوى بالزراعة باستثناء سد السفان وهو الوحيد المخصص لمياه شرب القامشلي، بعد إيقاف استجرار مياه الشرب لمدينة الحسكة من السد الشرقي بعد دخول محطة "علوك الخدمة" عام 2013م، وذلك بعد فشل مشروع حفر 116 بئراً على نهري الخابور والجرجب واستجرار الماء بقناة مكشوفة لتغذية السد.


(الصور المرفقة في معظمها لسكان قرية لوذي برأس العين ينقلون الماء من الآبار الزراعية - اقتصاد)

ترك تعليق

التعليق