اقتصاديات.. تجار دمشق، سقف الوطن يحطم رؤوسهم


خلال دردشة قصيرة مع أحد التجار الكبار في دمشق، والذي تواصل معي بالأمس، لنقل معاناة التجار في المدينة، ظناً منه أنني لازلت أعمل "تحت سقف الوطن"، أخبرني بأن الوضع لم يعد يطاق، وأن هناك عدداً كبيراً من التجار والصناعيين، بدأوا بعرض أرزاقهم للبيع، والبحث في الخريطة عن مكان يتابعون فيه حياتهم بهدوء وسكينة.

فوجئ هذا التاجر الكبير، بأني أوجه الاتهام له ولغيره، بأنه ما كان يضيرهم لو أنهم وقفوا مع شعبهم منذ البداية، ودعموا ثورته بدل من دعمهم لنظام مجرم وقاتل، وها هو اليوم بعد أن مص دمائهم، يرميهم على قارعة الطرقات ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم، بعد أن فقدوا أغلب ثرواتهم ورصيدهم الاقتصادي والاجتماعي، وبما فيه الدول التي ترغب في استقبالهم.

كان هذا الكلام كافياً، لينهي هذا التاجر المكالمة معي بسرعة، متحججاً بأنه حالياً مضطر للخروج لموعد مهم.

طبعاً، سوف أشرح فيما يأتي، ماذا كان يقصد هذا التاجر بنقل معاناة التجار والصناعيين في سوريا، ودمشق على وجه الخصوص، لأنه مرتبط بما حصل في الأربعة أشهر الماضية، ولازال مستمراً حتى اليوم.

لقد أجبر النظام في الفترة الماضية، التجار على دفع فاتورة انهيار سعر صرف الليرة السورية، وارتفاع الأسعار في الأسواق، من خلال التهديد المباشر بملاحقتهم بقضايا تهرب ضريبي أو بيع مهربات وعقد صفقات مشبوهة، والتي كان أغلبهم متورطاً بها، وبغض طرف من النظام ذاته.

وقام النظام في الشهر الثالث من العام الجاري، بجمع التجار في أكثر من مكان، منها في المصرف المركزي، وفي مجلس الوزراء، إلا أنهم لم يستوعبوا ما هو المطلوب منهم، إلى أن دعتهم أسماء الأخرس للاجتماع بها، وطالبتهم صراحة أن يلعبوا دوراً أساسياً وبأموالهم، في دعم اقتصاد النظام المتهالك، وذكرتهم بالمزايا التي حصلوا عليها خلال الفترة الماضية من عمر الأزمة السورية، وقد حان الوقت لكي يردوا الجميل لسقف الوطن..

إلا أنهم كذلك لم يتجاوبوا مع أسماء، ودخلت البلد في أزمة كورونا، ثم ظهرت المشكلة مع رامي مخلوف، والتي أخرجت التجار ورجال الأعمال الباقين من دائرة اهتمام النظام مؤقتاً، إلى أن حانت الفرصة من جديد مع تعيين وزير التموين طلال البرازي، المقرب من أسماء الأخرس، والتي على ما يبدو أنها وجهته لمعالجة الموضوع بمعرفته، وإعادة جمع التجار، وإفهامهم بالملعقة، أنهم يجب أن يدفعوا مهما كان الثمن، وإلا فإن نموذج رامي مخلوف لايزال حاضراً ومستمراً، وعليهم أن يعتبروا منه، وإلا فإن مصير الكثير منهم سوف يكون أشنع منه.

وهو ما حصل بالفعل، إذ أن وزير التموين البرازي، قام برأسه، بزيارة غرفتي التجارة في دمشق وريفها، لثلاث مرات متتالية، ثم جمع الغرفتين، بالإضافة إلى غرف الصناعة، مع رئيس الوزراء الجديد المكلف حسين عرنوس، وكانت الاجتماعات كلها تصب في اتجاه، أنكم، أي التجار، "يجب أن تتحملوا قسطاً كبيراً من مصاريف النظام الاقتصادية، على المواد الأساسية بالدرجة الأولى".

ووجد التجار أنفسهم مجبرين هذه المرة على وضع أموالهم في خدمة النظام، حيث أعلنت غرفة التجارة والصناعة في دمشق وريفها، عن إطلاق مبادرات للبيع بسعر التكلفة بدون أي هامش ربح.. وتم إعداد قائمة طويلة بأسماء التجار والمنتجين والمصنعين والمستوردين، تتضمن حصة كل منهم من المساهمة في هذه المبادرة، مع رفض أي حالة اعتذار ولأي سبب كان، وتحت طائلة تحمل المسؤولية الكاملة.

لذلك يقول هذا التاجر الكبير الذي تواصل معي، بأنهم فرضوا عليه بيع 70 بالمئة من بضائعه بسعر التكلفة، ضمن أسواق ومعارض دائمة يجري الإعداد لها، بالإضافة إلى تزويد قسم من المنتجات والبضائع للـ "السورية للتجارة"، بسعر أقل من التكلفة بحسب قوله.

وكان رجل الأعمال محمد حمشو، أمين سر غرفة تجارة دمشق، قد طالب بمساهمة الغرفة بوضع الأسعار، من خلال حساب التكلفة الحقيقية للمنتج مع وضع هامش ربح بسيط، وقد استحسن رئيس الوزراء اقتراحه، إلا أن التوجيهات جاءت فيما بعد بأن هذا الاقتراح غير مقبول، ولا بد من البيع بسعر التكلفة الخالصة.

هذا الوضع بحسب العديد من التجار، يعني خسائر كبيرة لهم، لأن الجهات المعنية، لا تحسب سعر التكلفة ضمن المعايير الحقيقية، للعمالة والوقود والكهرباء، ونسبة الكساد من المنتج، وإنما تعتمد مبدأ غريباً، يعتمد على أسعار المواد الأولية فقط، مع هامش بسيط للتشغيل والإنتاج.

ترك تعليق

التعليق