أن تبيع مؤسسة حكومية مواد منتهية الصلاحية في مزايدة علنية.. ماذا يعني ذلك؟


في خطوة تعكس استهتارها بصحة المواطن ومحاولتها التخلص من دورها المفترض في حمايته وتأمين السلع الجيدة الآمنة له، نصبت المؤسسة السورية للتجارة فرع حمص نفسها كتاجر مُرابحْ لا يهمه إلا المكسب بإعلانها عن مزايدة عن بيع مواد منتهية الصلاحية.

 وجاء في الإعلان الذي يزعم الاستناد لأحكام القانون رقم 51 لعام 2004 والمرسوم رقم 450 لعام 2004 وموافقة الإدارة العامة أن كمية المواد المباعة 175 طن وهي عبارة عن حبوب وشاي وملح ومعلبات وسمنة ومعكرونة شعيرية وحلاوة طحينية ومنظفات.

 وفرضت المؤسسة في مزايدتها الغريبة من نوعها دفع ثلاثة ملايين ليرة سورية ومدة التنفيذ 15 يوماً.

 وجاء في الإعلان أن الكميات التي لم يُذكر مصدرها لا تُجزّأ ولا تقسم لفئات أو أصناف وتباع بالوزن القائم بسعر محدد للكيلو غرام الواحد بشكل إجمالي لكل المواد.


وأشار الباحث الاقتصادي "يونس كريم" في حديث لـ"اقتصاد" إلى أن المواد الواردة في إعلان المؤسسة المذكورة هي مواد قابلة للتخزين فترات طويلة وبحسب مواد من القانون الاقتصادي يتم السماح ببيع المواد التي شارفت على الإنتهاء مع تخفيض سعرها على أن لا تتجاوز المدة الـ 6 أشهر للمواد التي انتهت صلاحيتها والمواد مثل الشاي أو الطحينية حتى في حال انتهاء صلاحيتها فهي قابلة للاستهلاك البشري، وكذلك الأمر بالنسبة للمعكرونة والملح والحبوب فليس لها سنة محددة للإستهلاك، وإنما تكون الصلاحية لآلية التغليف، وعادة ما تقوم المؤسسة العامة للتجارة التابعة للنظام ببيعها بأسعار مخفضة.

 واستدرك محدثنا أن المؤسسة المذكورة على ما يبدو لا تريد أن تدخل في موضوع تبعات الصلاحية لأسباب غير معروفة رغم أن اسمها "المؤسسة العامة للتجارة وحماية المستهلك" ومن غير المعروف-حسب قوله- إن كانت هذه المواد المعروضة في المزايدة فيها مشكلة في سوء التخزين أم أن الهدف من بيعها بهذا الشكل تخفيض تكاليف التخلص منها لأنها مواد غير مباعة أو غير جيدة، ومن خلال ظرف المزايدة نجد أن هذه المؤسسة تريد التخلص من هذه السلع دون إهلاكها وتفادي الخسارة الكبيرة المترتبة عليها.

وأعرب محدثنا عن اعتقاده بأن المؤسسة العامة للتجارة من خلال هذه الخطوة تحولت إلى أخذ دور التاجر شأنها شأن أي تاجر دمشقي أو حمصي أو حلبي، وهذه إشارة بالغة الخطورة–كما يقول-علاوة على عدم التقيد بالأمان العام واستغلال الظروف الاقتصادية السيئة، وعدم توفر السلع بحيث تسوّق الخلل في المنتجات وبيعها كيفما شاء والتقصير في إيصال تلك السلع إلى المواطن وإعطائها للتجار لتحقيق أرباح طائلة على حساب المواطن الذي لا يستطيع الوصول إلى تلك السلع رغم احتياجه لها.


 وتابع المصدر أن المؤسسة العامة للتجارة من واجبها إيصال تلك السلع للمواطنين بشكل مباشر دون وسيط لأن هذه المؤسسة اشترتها ودفع المواطن جزءاً من ثمنها عن طريق الموازنة العامة واستهلاك المواد الضريبية وفي هذا الأمر شبهة فساد في استخدام أموال الموازنة العامة والتخلي عن دعم تلك السلع لتصل إلى المستهلك، وتساءل كرّيم لماذا لا يتم بيع هذه المواد في صالات المؤسسة العامة للتجارة مع نفاذ صلاحيتها على أن يخفض سعرها إلى 30 أو 40% كما يحدث مع كبريات الشركات العالمية في المواد الغذائية، وأردف المصدر أن هناك سلعاً لا يتم التقيد فيها بالصلاحية فلماذا تم إدراجها من ضمن المواد منتهية الصلاحية كالملح والحبوب والمعكرونة إلا إذا كان هناك خلل في الرطوبة وسوء التخزين.

وأضاف محدثنا أن النظام سيسلم هذه المواد لمن يرسو عليه المزاد كمواد "دغما" دون تغليف، وعلى الأرجح سيعيد هؤلاء التجار تغليفها بأسماء وماركات ووضع لصاقات لصلاحية جديدة وخاصة أن المصدر بات مصدراً داخلياً وليس بحاجة إلى قيود استيراد.


كريّم أكد أن مؤسسة التجارة العامة طالما عرضت للبيع مواد منتهية الصلاحية دون تحديد ماذا سيفعل بها التجار إن كان لإتلافها أو استخدامها كعلف أو بيعها للمستهلك وهذه إشارة ضمنية أن هذه المؤسسة لا يعنيها ما سيحدث لتلك السلع وتشجيع التجار على إعادة بيعها بغض النظر عن الأضرار المترتبة عليها بالنسبة للمواطنين، وخاصة أن السوق متعطش لهذه السلع وتابع أن المؤسسة العامة للتجارة لا تستطيع الوقوف في وجه التجار الكبار بسبب المحسوبيات والفساد ولكل منهم من يحميه وربما يشاركه في تجارته من رموز النظام والكل لاحظ الخريطة الإنتخابية لعضوية مجلس الشعب وتمدد من تم إنجاحهم في الحياة الاقتصادية من أمراء الحرب والمحسوبين على الأجهزة الأمنية وأضعف حلقة في هذا الجانب هي مؤسسات الدولة الاقتصادية والمواطن.

وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد أكدت مؤخراً أن قيمة المواد والسلع المنتهية الصلاحية التي تم الكشف عنها بعد عمليات الجرد التي أجرتها لمستودعات مؤسسات التدخل الإيجابي بلغت نحو 2,5 مليار ليرة، والأمر لا يقف عند العاصمة فقط بل امتد إلى باقي المحافظات وتعود أسباب ذلك إلى شراء كميات كبيرة وزائدة عن الحاجة، وعدم تصريفها فضلاً عن زيادة الأسعار ورداءة المواد.

ترك تعليق

التعليق