تجريم طلب الليرة في إدلب.. ما هي أهدافه؟، وكيف سيؤثر على سعر الصرف؟


قالت حكومة الإنقاذ التي تدير أحد قطاعي المعارضة شمالي غرب سوريا، إنها تعمل على المحافظة على مخزون القطع الأجنبي المتوفر في المنطقة، وذلك على خلفية ارتفاع كبير سجلته الليرة السورية مؤخراً إثر ما يعتقد أنها جلسة تدخل غير معلنة قام بها المصرف المركزي للتدخل في السوق السوداء.

وطالما اعتُبرت إدلب، أحد أهم مناطق السوق العائمة التي تساهم بالتحكم في سعر الصرف. كما تتم عمليات شحن الأموال من وإلى المنطقة بشكل متواصل لكن دون ضوابط، وهو ما جعل مؤسسة مالية تسيطر على مفاصل الشحن والصرافة في إدلب تتدخل بسلسلة من القرارات المتتابعة كان آخرها قرار تجريم طلب الليرة السورية.

تجريم طلب الليرة

في 27/تموز الجاري، أصدرت المؤسسة العامة لإدارة النقد قراراً بمنع شحن الأموال من وإلى إدلب لغير شركات الفئة (أ) وبالتنسيق التام مع المؤسسة.

ونص القرار على منع طلب الليرة السورية ويجرم من يقوم بذلك، في المقابل سمحت المؤسسة بعرض الليرة السورية بشرط أن يتم بيعها حصراً للشركات المرخصة ضمن الفئة (أ) أو فروع المؤسسة العامة لإدارة النقد.

وقال وزير الاقتصاد والموارد في حكومة الإنقاذ، باسل عبد العزيز، لـ"اقتصاد"، إن القرار أتى ضمن سلسلة من القرارات والإجراءات التي قامت بها المؤسسة العامة لإدارة النقد لضبط المعروض النقدي ضمن المناطق المحررة.

وأضاف أنه "في الأيام القليلة الماضية أصبح سعر صرف الليرة السورية ضمن المناطق المحررة أعلى من سعر صرف الليرة السورية في مناطق النظام".

وأكد أن ذلك جعل بعض ضعاف النفوس وعملاء النظام يستغلون هذا الأمر، مشيراً إلى قيام بعضهم بتهريب كميات كبيرة من الليرة السورية من مناطق النظام إلى المناطق المحررة، لافتاً إلى توسع عمليات المضاربة من قبل بعض شركات الصرافة.

وقال عبد العزيز، إن النظام حاول استغلال الكمية الكبيرة للحوالات المرسلة نحو المنطقة إضافة للتحويلات المالية ثمناً لأضاحي العيد بـ "إرسال الليرة السورية وسحب القطع الأجنبي من مناطقنا".

وأضاف، أن هذا تسبب بـ "تأثيرات كبيرة على سوق النقد وانعكس على الأسواق والواقع الاقتصادي ضمن المناطق المحررة، حيث اضطربت الأسواق وآليات التسعير وتحول كل محل تجاري إلى صراف يعمل وفق هواه ما أدى لغلاء الأسعار وزيادة معاناة أهلنا في المناطق المحررة".

ومضى قائلاً: "لذلك تم اتخاذ القرار بمنع طلب الليرة السورية على غرف الصرافة من قبل شركات الصرافة للحفاظ على مخزون القطع الأجنبي لدينا".

قرارات متتابعة

وسبق قرار تجريم طلب الليرة السورية قرارات عدة دأبت المؤسسة العامة لإدارة النقد على إصدارها، وبدأت المؤسسة بقرار ترخيص شركات الصرافة والشحن والحوالات بهدف تقسيمها إلى ثلاث فئات.

وكذلك، طلبت المؤسسة في 13حزيران الماضي، من الصرافين التوجه إلى المؤسسة للبدء بإجراءات الترخيص، وبعد يوم واحد أصدرت المؤسسة قراراً بمنع القيام بعمليات شحن الأموال من وإلى المناطق المحررة، وجاء في نص القرار أن المخالفين ستتعرض أموالهم المشحونة للحجز الكامل إضافة لحجز السيارة التي قامت بعمليات الشحن.

وفي 16 من الشهر ذاته حظرت المؤسسة في قرار جديد على الصرافين إلزام زبائنهم باستلام الحوالات بالليرة السورية.

وحسب مصادر "اقتصاد"، فقد بلغ عدد الشركات المرخصة حتى الآن 81 شركة تتوزع بين ثلاث فئات، وجرى ترخيص 20 شركة وفقاً للفئة (أ) التي يسمح لها العمل في مجالات الشحن والحوالات والصرافة، بينما بلغ عدد الشركات المدرجة ضمن الفئة (ب) 28 شركة يسمح لها العمل في مجالي الحوالات والصرافة، في حين بلغ عدد شركات الفئة (ج) 33 شركة يسمح لها بالعمل في مجال الصرافة فقط.

قلق من هيمنة محتملة

وحسب عبد العزيز، فإن القرار الأخير حول حظر طلب الليرة السورية "لا يعني عدم أخذ الليرة السورية من الأهالي أو تصريفها لدى شركات الصرافة". مؤكداً أن "المقصود في القرار غرف الصرافة".

إلا أن عدداً من الصرافين يخشون من أن الخطوات التي تتبعها (المؤسسة العامة لإدارة النقد) من شأنها جعل المؤسسة تفرض هيمنة تامة على سوق الصرافة والحوالات وشحن الأموال.

وفي رده على ذلك، قال الوزير، إن الغاية من هذه القرارات تتمثل في "الحد من المضاربة ومنع النظام من سحب القطع الأجنبي وضخ الليرة السورية عن طريق المضاربين وعمليات البورصة المنتشرة ضمن المناطق المحررة".

وأشار إلى أن "هنالك العديد من الإجراءات خلال الأيام القادمة لتحسين الوضع النقدي ومنع النظام وعملائه من محاربتنا اقتصادياً".

يذكر أنه في 11 أيار 2017 كانت "هيئة تحرير الشام" قد أعلنت عن تأسيس (المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك)، وذلك "استناداً إلى الخلافات الحاصلة في مراكز الصرف، وبسبب وجود مخالفات شرعية تتخلّل كثيراً من عمليات البيع والشراء، وتجاوباً مع عددٍ كبير من أصحاب مراكز الصرافة والحوالات في المنطقة المحررة، ومنعاً للاحتكار والتلاعب بأسعار العملات"، بحسب بيان التأسيس الذي أصدرته الهيئة في حينها.

ما تأثير قرار "الإنقاذ" على سعر الليرة؟

ومجيباً على سؤال حول علاقة الانتكاسة الجديدة في سعر صرف الليرة بقرار "حكومة الإنقاذ"، الذي يقضي بمنع شراء الليرة السورية في مناطق إدلب، وتجريم طالبيها، قال الباحث الاقتصادي يونس الكريم إن "القرار كان مفاجئاً من حيث وقت صدوره  وسرعة تطبيقه".

وقال: "القرار الذي يؤثر على المواطنين الموجودين بمناطقها، يمكن إدراجه ضمن محاولة (الإنقاذ) زيادة مخزونها من العملة السورية، الأمر الذي يمكنها من امتلاك ورقة تهديد"، مضيفاً: "كذلك يتناغم القرار مع تدخل أمراء الحرب (القاطرجي- زين) بحلب، دون أن ننسى دور سياسة القطيع التي رسمتها تحليلات أشخاص تصدروا وسائل التواصل الاجتماعي بغياب واضح لدور (الحكومة المؤقتة) أو المجالس المحلية، رغم أن قرار سعر الصرف يشكل خطراً على وجودها".

وأوضح لـ "اقتصاد"، أن سياسة تجميع العملة السورية، تجعل "الإنقاذ" قادرة على تهديد سعر صرف الليرة السورية، في حال تعرضت لعمل عسكري يهدد وجودها، من جانب النظام من جهة، ومن جهة ثانية فإن حبس العملة  السورية يعطي دفعة لنجاعة تدخل أمراء الحرب بسوق الصرف، وهو ما يعتبر بطاقة تنسيق اقتصادية بين النظام و"هيئة تحرير الشام"، ما ينعكس على معبر باب الهوى والتفاهم الروسي -التركي حول الطريق الدولي (m4)، وفق وصف الباحث "يونس الكريم".

وتابع الكريم، أنه كذلك، تريد "الإنقاذ" جعل مدينة الباب التي تتوسط مناطق السيطرة الثلاث (النظام، المعارضة، قسد)، مركزاً لتداول الليرة السورية، لفرض سياسة الأمر الواقع على "الحكومة المؤقتة"، ما يعطي حكومة "الإنقاذ" ميزة تفاضلية بمناطق سيطرتها عن باقي مناطق "الحكومة المؤقتة".

وأنهى بقوله إن "قرار حكومة الإنقاذ الآن بفرض التعامل بالليرة  التركية يأتي من باب إرسال رسائل محاباة لتركيا التي تعاني من تدهور بعملتها وخاصة وأن المعابر التي تحت سيطرتها تمرر بضائع بقيمة (١٢ مليون دولار) يومياً".

أما المستشار الاقتصادي في "مركز جسور للدراسات"، خالد التركاوي، فاعتبر أن إيقاف التعامل بالليرة، وفق القرار المتخذ من "الإنقاذ" سيكون مفيداً خاصة إذا تم استهداف بعض شركات الصرافة الموجودة في الشمال والتي تعمل بالتناغم مع البنك المركزي التابع للنظام، مستدركاً بقوله: "لا نمتلك إحصاءات دقيقة حول كمية التداول بالليرة في إدلب، وهذا ما يجعل الجزم بتأثر سعر صرف الليرة بقرار (الإنقاذ) صعباً".

وأنهى بقوله لـ "اقتصاد": "من جهة المبدأ انخفاض سعر الليرة له مبرراته القديمة الحديثة وهو مستمر وسيستمر، وما هو استثنائي الارتفاع الطارئ الذي حصل في سعر الليرة".

ترك تعليق

التعليق