قصّة مُتقنٍ للرسم والزخرفة يكافح لإحياء مهنته في الشمال "المحرر"


"(ريش الرسم) احتاجت قرابة 3 شهور لإيصالها، عدا عن الوقت الذي قضيناه في البحث عن طريقة للعثور عليها أساساً في الشمال المحرر".. هكذا بدأ جهاد عبد الحي، 33 عاماً، حديثه لـ "اقتصاد" عن عودته لممارسة هواية الرسم والزخرفة، التي تحولت قبل الثورة لحرفة عمل بها لفترة طويلة داخل دمشق.


هواية حققت حلماً

ظهرت ملامح هواية الرسم عند جهاد منذ الإبتدائية، والذي استمر بدراستها حتى المرحلة الإعدادية، ليترك المدرسة بعدها بهدف السعي وراء العمل في مهنة مشابهة لهوايته.
 
جهاد قال: "بعد ترك المدرسة، عملت في عدة مهن منها: بخاخ موبيليا ودهان للمنازل وفي التكييف والتبريد، لأستقر بعدها في مهنة صناعة الدمشقيات وهي إحدى الحرف اليدوية القديمة والتي تتفرع لعدة فروع منها الصدف والعجمي والنقش، الصدف مثلاً هي مهنة الرسم على الخشب ومن ثم حفره وتطعيمه بالقصدير الرقيق والصدف البحري، أما العجمي فهي مهنة صناعة الأسقف والجدران المستعارة بطريقة هندسية حرفية، إضافة إلى صناعة بعض أنواع الأثاث المنزلي".

جهاد المتحدر من حي القابون الدمشقي، تابع حديثه لـ "اقتصاد": "استمريت بالعمل في مهنة العجمي لمدة 7 سنوات تقريباً، استطعت من خلالها شراء منزل خاص، ومن ثم الزواج، إلا أن اندلاع الثورة والأحداث بعدها تسببت بتوقفي عن العمل وابتعادي عن مهنتي الرسم والزخرفة والحرف اليدوية بشكل عام".


عودة للعمل بعد انقطاع

يحاول جهاد اليوم العودة للعمل، في الشمال المحرر، بعد تهجيره مع أهالي حيه القابون، منتصف عام 2017، إلا أن قلة الإمكانيات تقف عائقاً أمام عودته للعمل.

ريش الرسم مثلاً احتاجت 4 شهور لتأمينها، عدا عن الفترة التي احتاجها جهاد للعثور على شخص يستطيع تأمينها، إضافة إلى المواد الأخرى التي يحتاجها للعودة إلى العمل.
 
جهاد يحافظ على موهبته اليوم، بالقيام برسم شخصيات كرتونية ولوحات فنية بسيطة.


وبالحديث عن محاولة العبور إلى تركيا، وإمكانية استئناف العمل فيها، كون الحرف اليدوية متصلة بالتراث التركي وتحمل طابعاً منه، فقد قال جهاد إنه لم يستطع الدخول بداية من تكاليف العبور غير الشرعي المرتفعة، مروراً باستحالة العبور بشكل نظامي عبر أحد المعابر الحدودية، ووصولاً إلى تكاليف إنشاء عمل في تركيا، وهي تكاليف مرتفعة. فرغم صعوبة تأمين المواد في الشمال السوري إلا أن تكاليفها تبقى أقل باعتبار أن سوق المنطقة صغير، فيما تعتبر تركيا سوقاً عالمية يلزم لدخولها مبالغ كبيرة.


لا يوجد اليوم في سوريا، وخصوصاً في المناطق المحررة، جهات تدعم الحرف اليدوية وتسعى للحفاظ عليها، بسبب عدم الإستقرار بالدرجة الأولى، وتوجه الأهالي في تلك المناطق إلى التفكير في تأمين لقمة العيش فقط، إلا أن جهاد يعتبر أنه من الضروري وجود مثل تلك الجهات أو المنظمات، التي تعمل على جمع الحرفيين، وتقديم دورات للناشئين الراغبين بتعلم تلك الحرف.


يذكر أن العديد من العاملين في مهنة الرسم والزخرفة لا يزالون مستمرين في عملهم حتى اليوم في الشمال السوري، منهم ابن مدينة دوما "أكرم أبو الفوز"، الذي انتقل للعيش هناك بعد تهجير مقاتلي وعوائل الغوطة الشرقية، والذي اشتهر برسمه على القذائف والصواريخ ومخلفات القصف بعنوان: "الرسم على الموت".

ترك تعليق

التعليق