مغامرة بحرية.. كيف نجح سوريون في الوصول إلى قبرص اليونانية انطلاقاً من لبنان؟


لم يجد "س، ع"، وهو سوري مقيم ولاجئ في قبرص اليونانية، طريقة لإحضار "عروسه" الموجودة في لبنان إلا بإرسال المال لأحد أقربائه المقيمين في لبنان لشراء "لانش"، لتخوض عباب البحر، وذلك لأن السلطات القبرصية لا تعطي حق لم الشمل للاجئين فيها إلا في حالات خاصة جداً مثل اللجوء السياسي.

وجاءت فكرة "س ، ع"، بناء على تجربتين في العام الماضي، حيث تمكنت عائلتان سوريتان من الإبحار من شمال لبنان والوصول إلى قبرص اليونانية خلال 15 ساعة، بعد شرائهم مركباً. وهم الآن مسجلين كلاجئين. وهكذا كانت الفكرة وتم تنفيذها.

التحضير للرحلة المغامرة

بعد شراء "اللانش" عمل القريب السوري الموجود في لبنان على تجميع عدد من الشبان السوريين- الراغبين بالخروج من لبنان أيضاً بأي طريقة للوصول إلى قبرص- وجرى الاتفاق بينهم بأن يتم شراء معدات لازمة للرحلة مثل "محرك إضافي ووقود، سترات نجاة، جهازين لتحديد المواقع (GPRS) وما يلزم من ضروريات". وتكلف كل شخص ما بين (1000- 1300) دولار أمريكي.

وبعد انتظار ومراقبة نشرات الطقس تم الانطلاق في يوم مناسب من ساحل لبنان قرب طرابلس، حيث كان العدد المتفق عليه 12 شخصاً. وفي اليوم الموعود وعند الصعود إلى "اللانش، تبين أن المركب صغير وغير مناسب لحمل هذا العدد، وبعد صد ورد اضطر 3 شباب للبقاء، ليتمكن 9 أشخاص من ركوب "اللانش"، من ضمنهم فتاتان.

ومع ذلك بقي العدد كبيراً على" اللانش" الذي من المفترض أن يحمل 6 أشخاص فقط، ولكن يبدو أن الشخص المنظم للرحلة في لبنان طمع بزيادة العدد ليستغل الزيادة مادياً لمصلحته الشخصية، حيث عمل على مضاعفة العدد من 6 إلى 12 ليحصل على نصف المبلغ لنفسه.

الانطلاق وبدء الرحلة – المغامرة

انطلق المركب الصغير من قرب طرابلس في شمال لبنان، ولحسن الحظ لم يلاحظهم خفر السواحل اللبناني، ولكن بعد عدة ساعات وبعد دخولهم المياه الإقليمية القبرصية، نفد الوقود في المركب، وتوقفت الرحلة، إلى أن وصل إليهم خفر السواحل القبرصي - اليوناني، الذي ساعدهم بإعطائهم ماء وطعاماً ووقوداً للمركب، وبعد إحضار مترجم أخبرهم أنه لا يتم استقبال أو إدخال أحد إلى قبرص الآن، بسبب إجراءات مكافحة "كورونا"، فلم يسمح لهم بإكمال الرحلة باتجاه قبرص، وقالوا لهم، إن ليس أمامهم سوى خيارين: إما العودة إلى لبنان، أو إكمال الطريق إلى قبرص التركية، والخيارين أحلاهما مرُ، فلا مجال للعودة لما هربوا منه في لبنان، وفي حال وصولهم إلى قبرص التركية سيتم ترحيلهم إلى تركيا وقد يتم ترحيلهم لاحقاً، من هناك، إلى شمال سوريا (المناطق المحررة).

وكانت قد جرت العادة وكما يعرف سابقاً أنه لم يتم إرجاع أحد، فكانت النصائح لمن يتواصل معهم بعدم التوجه أبداً إلى قبرص التركية، حتى لو اضطروا للبقاء في المياه لأيام، وهنا اضطروا للبقاء ما يقارب الـ 24 ساعة داخل المياه الإقليمية بالانتظار، ولكن امتدت الرحلة إلى 3 أيام بسبب منعهم من جانب خفر السواحل القبرصي- وفي تجربة سابقة لهم، بساعات، تمكن مركب آخر من العبور وسمح لهم بالمتابعة بسبب وجود نساء وأطفال في المركب دون ممانعة بحجة "كورونا"، خلال 15ساعة-.

بعد مفاوضات بين 4-5 ساعات، بينهم وبين خفر السواحل القبرصي، دون نتيجة، قرروا التحرك بالمركب الصغير بعد حصولهم على الوقود والطعام والماء، متجهين باتجاه قبرص اليونانية، وهنا بدأ خفر السواحل القبرصي التضييق عليهم ومحاولة حرف مسارهم باتجاه المياه الإقليمية لقبرص التركية لمنعهم من دخول قبرص اليونانية، وللتحايل على هذا الإجراء عمل سائق "اللانش" على البقاء في الخط الفاصل بين حدود البلدين البحرية ومتجهاً باتجاه البر القبرصي، وقبل 1 كم متر من البر نزلوا المياه وتابعوا وهم مرتدين سترات النجاة سباحة باتجاه النقطة الفاصلة بين حدود البلدين وسلموا أنفسهم لقوات الأمم المتحدة في المنطقة الفاصلة، الواقعة في طرف قبرص اليونانية، والتي بدورها قامت بتسليمهم للبوليس القبرصي، والذي اضطر لنقلهم إلى مخيم للحجر الصحي لمدة 15 يوماً خاصة بعد اكتشاف إصابة فتاة بـ "كورونا"، كانت برفقتهم.

وبعد نجاحهم في دخول قبرص اليونانية، تم وضع الجميع في مخيم في مدينة نيقوسيا القبرصية، لمدة 15 يوماً في حجر صحي، وإجراءات احترازية، وإجراء تحاليل للكورونا، وخلال عدة أيام بدأت إجراءات إكمال أوراق اللجوء الإنساني لهم، ليتم إجراء مقابلات اللجوء لاحقاً.

هل يوجد خط تهريب من لبنان إلى قبرص؟

بعد متابعة وأسئلة توجهنا بها لأصحاب تجارب سابقة وخاصة التجربة الحالية، يؤكد الجميع بعدم وجود خط تهريب، أو مهرب مضمون من لبنان إلى قبرص، وأغلب ما يتم هو محاولات فردية أشبه ما تكون بالمغامرات، مع وجود حالات نصب عديدة تعرض لها بعض السوريين من أشخاص ادعوا بوجود تهريب.

كما يوجد حركة تهريب ولكن من تركيا إلى قبرص التركية ومنها عبر الحدود الفاصلة، أو عبر البحر إلى قبرص اليونانية، وتتم بتكلفة كبيرة تصل لـ 3500- 4000 دولار للشخص، توضع في مكتب وسيط تسلم بعد نجاح العبور، وفي حال الفشل لا يحصل المهربون على شيء.

يضيف أحد الواصلين ممن تواصلنا معهم: "يوجد بعض المهربين ولكن يبقى المهرب تاجر دم سيضاعف العدد لتحقيق أكبر قدر من المنفعة المادية له"، ويرى أنه "الأضمن إذا اتفق أشخاص فيما بينهم سيكون ذلك أضمن وأكثر راحة، وهنا يتم تقاسم التكاليف ويتم التوفير فيها". ويكمل: "إذا كان حدا بدو يظبط سفرة، الأفضل يتفقوا بين بعضهم ويأمنوا (شوفير) والعدد المناسب. وخلال 15ساعة بيوصلوا".

 كما قال لنا أحد الواصلين إلى قبرص اليونانية: "خط تهريب ما في، لو في، مانوا مضمون، احتمال ياخد المصاري المهرب ويمسّكُن".

هل تستحق قبرص اليونانية هكذا مغامرة خطرة؟

يجيب أحد الواصلين: "شغل متوفر. يومية الشغيل العادي (كأعمال البناء مثلاً) العامل العادي 50 يورو، والمعلم من 80-100 يورو، وبحسب ما فهمته إنه إجراءات لم الشمل ممنوعة للجوء الانساني في قبرص، إلا في حالات خاصة جداً مثل اللجوء السياسي، ولكن يبقى وضع قبرص أفضل بكثير من لبنان كلجوء وعمل".

وتوجهنا بالسؤال: هل ترغب بالمتابعة إلى أوروبا من اليونان؟

يضيف محدثنا: "المتابعة من قبرص إلى أوروبا غير متاحة على حسب ما سألنا واستفسرنا، ولم يكمل أحد نعرفه أو حاول أن يكمل الطريق إلى أوروبا من قبرص، حتى الآن من يخرج من لبنان إلى قبرص يبقى فيها لوجود فرص عمل مناسبة بأجور جيدة تتراوح بين 50-100 يورو (اليومية)، كما يوجد إجراءات لجوء مشابهة لما يوجد في أوروبا، باستثناء لم الشمل غير المتاح حتى الآن".
 
وبحسب تجربة لأشخاص وصلوا خلال العام الماضي، فإن اللاجئ كعائلة يحصل على نصف إيجار المنزل وتأمين صحي، ومساعدات شهرية، ويستطيع العمل. كما أن فرص العمل متوفرة بأجور جيدة جداً.


(الصورة المرفقة أرشيفية)

ترك تعليق

التعليق