"تجار الحطب" وداعموهم.. اتهامات بالمسؤولية عن موجة الحرائق الأخيرة


تتصدر نيران الحرائق التي تلتهم مساحات واسعة من الأراضي بأرياف حمص وحماة وصولاً إلى ريف اللاذقية، واجهة الأحداث في الداخل السوري وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لتضاف تلك الأزمة إلى أزمات اقتصادية ومعيشية يعانيها السوريون هناك.

وبدأ مسلسل الحرائق منذ أواخر تموز/يوليو الماضي، بالتزامن مع إعلان النظام أن الحرائق سببها موجة الحر التي تضرب سوريا ودرجات الحرارة المرتفعة، في حين تشير مصادر محلية من سكان المناطق في الريف الحموي تحديداً أن الحرائق مفتعلة وأن أصابع الاتهام توجه إلى "تجار الحطب" والذين تحميهم جهات متنفذة تتبع للنظام وأفرعه الأمنية والعسكرية.

ورغم محاولات النظام الحثيثة لإخماد النيران إلا أن العجز كان واضحاً نظراً لضعف الإمكانات وغياب أي دور للدول الحليفة وخاصة روسيا والصين وإيران في تقديم ما يلزم للمساهمة في إخماد الحرائق، وهذا ما أشار إليه موالون عبر وسائل التواصل، والذين أعربوا عن استغرابهم من عدم تدخل "الأصدقاء" للمساهمة في الحد من تلك الكارثة.

ومع اتساع رقعة المساحات المحترقة اضطر النظام للاعتراف وللمرة الأولى، مطلع أيلول الجاري، وعلى لسان مدير الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب، بأن "الحرائق مفتعلة من أياد آثمة ومخربة بهدف إلحاق الأذى بحراج وغابات المنطقة"، في إشارة إلى الحرائق التي اندلعت في الغابات التابعة لقريتي عناب وأبو كليفون في بلدة عين الكروم في منطقة الغاب بمحافظة حماة.

وتعليقاً على ذلك قال الناشط المدني "أحمد أبو محمد" وابن محافظة حماة لـ "اقتصاد"، إن "هذه الحرائق متكررة في كل عام، وهذه الحرائق غالباً مفتعلة، خاصة أن سكان تلك المناطق والمتنفذين منهم تحديداً وتجار الأخشاب يعتمدون على بيع الأخشاب ومن أجل ذلك يتم افتعال الحرائق، وبعد ذلك يتم تقديم مناقصة إلى مديرية الأحراش والغابات لقطع الأخشاب وتنظيف المنطقة، وهذا الأمر يتم بالتنسيق مع مديرية الأحراش كي يحصلوا على المناقصة من أجل بيع الأخشاب".

وأضاف أن "في كل عام تطال الحرائق ذات المناطق وخاصة المناطق المحيطة بالسقيلبية بريف حماة وصولاً إلى مناطق مصياف وحتى إلى محافظة بانياس".

وأشار إلى أن "90% من سكان حماة وريفها يعتمدون على تلك الأخشاب للتدفئة كون المازوت أسعاره مرتفعة وهو غير متوافر أصلاً، والعائلة الواحد بالأساس تحصل على 100 لتر مازوت في العام الواحد بموجب البطاقة الذكية علماً أن كل عائلة بحاجة لـ 1000 لتر مازوت للتدفئة في الشتاء، والكهرباء تنقطع بمعدل 70 أو 80% في اليوم الواحد، وبالتالي لا يمكن التدفئة إلا على الحطب".

إلا أن الحريق الأضخم هو الذي التهمت نيرانه "محمية الشوح والآرز" في صلنفة بريف اللاذقية والتي توصف بأنها رئة الساحل، والذي استمر على مدى 3 أيام متتالية قبل أن تتمكن الجهات التابعة للنظام من السيطرة عليه وبصعوبة فائقة.

ونقلت وسائل إعلام موالية عن رئيس دائرة حراج اللاذقية "باسم دوبا" قوله إن "المحمية الضخمة تبلغ مساحتها 1350 هكتاراً تمتد بين محافظتي اللاذقية وحماة بقسميها الشرقي التابع إدارته لحماة، حيث النيران اشتعلت هناك وسط ظروف مناخية غاية في القسوة وتضاريس وعرة ومنحدرات خطرة، والقسم الغربي التابع إدارته لحراج اللاذقية بلغت أضرار النار فيه ما يقارب الهكتارين".

وأضاف "دوبا" أن هذا الحريق هو "الأول والأضخم الذي يصيب المحمية منذ أكثر من عشر سنوات، وأن المحمية ما تزال تحت خطر النيران".

وادعت مصادر موالية للنظام أن "شرارة الحريق الأولى بدأت مع وجود عائلة في المحمية وإقدامهم على إشعال فحم للنرجيلة، ما أدى إلى اشتعال النيران بجوارهم وبعد فشلهم في إخمادها غادروا الموقع مسرعين، ولاتزال التحقيقات جارية لتوضيح حيثيات ما جرى بدقة".

واعترفت المصادر ذاتها أن الحريق مفتعل وأن أصابع الاتهام موجهة إلى من يعمل بالتفحيم بشكل غير مشروع في الغابات التي كانت باسقة بكاملها مفعمة باللون الأخضر قبل أيام معدودة فقط.

وقال الحقوقي والمهتم بالشأن الخدمي والمحلي في الداخل السوري "عبد الناصر حوشان" لـ "اقتصاد"، إنه "من خلال معرفتنا السابقة من قبل الثورة وبعدها نعلم أن هناك مجموعات من الأشخاص يمتهنون مهنة التحطيب والتفحيم يقومون بقطع الأشجار الحراجية، وحرق بعضها ضمن حراقات موزعة في المناطق المستهدفة".

وأضاف أنه "يبدأ موسم عملهم مع بداية فصل الصيف مستغلين هدوء الرياح، فيقومون بإشعال النار ولكن في كثير من الأحيان تخرج عن السيطرة وتلتهم مساحات واسعة من الأحراج".

وتابع أن "هذه معلومات أعرفها بحكم عملي السابق في المحاكم العسكرية لعشر سنوات وعملي بعد ذلك في المحاماة، حيث كانت هذه الجرائم من اختصاص القضاء العسكري".

وأضاف أن "أحراش اللاذقية ومناطق الغاب الغربي ومصياف كانت أاكثرها تعرضاً للحرق، وفي كل عام يتكرر ذات الأمر، وهي الآن تعود من جديد وتم تسجيل اندلاع الحرائق في مناطق جديدة مثل قلعة الحصن حيث أتت النيران على منازل السكان المهجرين من التركمان".

وقدّر "حوشان" المساحات المحروقة بآلاف الهكتارات، مشيراً إلى وقوف "تجار الحطب" خلف تلك الحرائق وأن من يقف خلف هؤلاء التجار هم "ضباط وقادة مجموعات الشبيحة، كونهم كانوا يقطعون أشجار الفستق الحلبي والزيتون في مناطق ريف حماه وريف إدلب بعد احتلاله و يبيعونه حطباً".

وأكد "حوشا" أن "تجارة الحطب حكر على متعهدين مرتبطين بالمخابرات والشبيحة، وأسواقها معروفة في مدينة حماه ودير الزور ودمشق وحمص، وقد نشطت هذه التجارة بسبب نقص مادتي المازوت والغاز".

وأشار "حوشان" إلى أنه "في العام 2016 تم حرق أحراج محمية البستان بالقرب من مصياف، والتهمت النيران وقتها حوالي 7 ملايين شجرة، وبعد إطفاء الحريق تم تلزيمها لأحد المتعهدين لتنظيفها من أجل إعادة زراعتها".

يشار إلى أنه في منتصف شهر آب الماضي، ذكرت وسائل إعلام النظام أن حريقاً ضخماً شبّ عند الأوتوستراد الدولي "حمص طرطوس" ما أدى لقطع الطريق لساعات، في حين أشارت مصادر محلية بأصابع الاتهام إلى ما يعرفون باسم "الشبيحة" بالوقوف وراء الحريق بهدف التمويه لتمرير شحنة كبيرة من المواد المهربة إلى لبنان.

ترك تعليق

التعليق