قراءة في أبعاد زيارة الوفد الروسي لدمشق.. عن ماذا تبحث موسكو؟


شكلت الزيارة التي أجراها الوفد الروسي الرفيع لدمشق، مادة دسمة للتحليلات حول دلالاتها وأبعادها، وتحديداً في الشق الاقتصادي الذي كان طاغياً على أجنداتها.

التحليلات التي ظهرت تباعاً اتفقت على وصف الزيارة بـ"المفصلية"، استناداً إلى تركيبة الوفد والشخصيات الوازنة التي ضمها، لكنها اختلفت على أهدافها والتعليمات الروسية التي وصلت للنظام السوري خلالها.

وحسب العديد من المراقبين، فإنه لا يمكن النظر إلى الزيارة، دون استحضار الاتفاق السياسي الذي عقده مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مع حليف روسيا قدري جميل رئيس حزب "الإرادة الشعبية"، و"منصة موسكو" للمعارضة السورية، قبل أيام.

الإمساك بخيوط القرار

بحسب الباحث الاقتصادي، أدهم قضيماتي، فإن الزيارة تهدف روسياً إلى إعادة الإمساك بخيوط الملف السوري بشكل كامل، موضحاً أن "الملف السوري شهد مؤخراً تطورات غير اعتيادية، ظهرت بشكل واضح في إعلان (قسد) عن اتفاق نفطي مع شركات أمريكية".

وأوضح لـ"اقتصاد" أن روسيا تركز في المرحلة الجارية على الوضع بشرق الفرات، حيث تريد من النظام السوري أن يتوصل لاتفاق سياسي مع "قسد"، يسهم في دفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب من سوريا، مع الإبقاء على جزء من مصالحها هناك، بمعنى آخر، الاعتراف بحصة ثابتة من النفط للولايات المتحدة.

ومن وجهة نظر قضيماتي، فإن الولايات المتحدة لن تعارض الانسحاب، لطالما أن حصتها مضمونة، مستدركاً: "السياسة الأمريكية الآن، تتجه لتقليص وجودها المباشر في المنطقة، وترك مهمة حماية مصالحها للحلفاء، بعد إجراء ترتيبات جديدة، مثل اتفاق التطبيع الأخير بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي".

وتابع الباحث، أن الوفد الروسي جاء إلى الأسد، بعد طلب الأكراد ضمانات سياسية خلال تواجد وفد "قسد" في موسكو، وقال: "من هنا جاءت زيارة الوفد الروسي الكبير إلى الأسد، لإرغامه على تقديم تنازلات للأكراد، بغية التوصل إلى اتفاق سياسي واقتصادي شامل".

مركز "نورس للدراسات"، استعرض الزيارة، وخَلُص إلى نتيجة مفادها، أن الوفد الروسي قدم عرضاً روسياً لرئيس النظام، يتضمن على ما يبدو تنازلات لصالح "قسد" مقابل النفط، ليستطيع مصارعة البقاء ريثما يطرأ تغيّر في الموقف الغربي.

وأضاف: "لمح الروس خلال اللقاء إلى أنه لن يكون من السهل إقامة تعاون اقتصادي فعال بسبب العقوبات الغربية، وهذا لا يسمح للشركات الروسية بالدخول لسوريا، لكن قد يكون هناك طرق لحل هذا الموضوع وهو تليين العلاقة مع (قسد)".

دخول في مؤسسات الدولة

المستشار الاقتصادي في مركز "جسور للدراسات"، خالد التركاوي، اعتبر أن "روسيا بعد تمكين حضورها العسكري في سوريا، لا زالت تشعر بأن أي مبلغ تنفقه في سوريا على شكل مساعدات، قد تستفيد منه إيران أكثر من النظام، بسبب تغلغل إيران في مؤسسات الدولة، الرسمية وغير الرسمية (رجال الأعمال)".

وأضاف لـ"اقتصاد" أن لدى إيران عقوداً كثيرة مع النظام السوري في كل المجالات (الصحة، الإسكان، الطاقة)، بينما لا تملك روسيا إلا عدداً محدوداً من العقود، في مجالات مثل القمح والتنقيب عن النفط، أي لا تملك روسيا حتى اليوم وصولاً قوياً إلى مؤسسات الدولة، كما هو حال إيران.

ويعني ذلك، وفق التركاوي، أن الغرض من الزيارة ترتيب دخول روسي أكبر إلى مؤسسات الدولة السورية.

والأمر الذي لا يجب إغفاله في هذا السياق، طبقاً للمستشار الاقتصادي، تزامن الزيارة مع إعلان النظام السوري عن تشكيلة وزارية جديدة، منهياً بقوله: "نحتاج إلى دراسة التشكيلة الوزارية الجديدة، للبحث عن احتمالية استبعاد أسماء موالية لإيران".

يذكر أن رئيس الوفد الروسي، نائب رئيس مجلس الوزراء يوري بوريسوف، كان قد أشار إلى تقديم أكثر من 40 مشروعاً جديداً في مجال إعادة إعمار قطاع الطاقة وعدد من محطات الطاقة الكهرومائية واستخراج النفط من البحر.

وأعرب عن أمله بتوقيع الاتفاقية، التي وصفها بالمهمة، خلال زيارته المقبلة إلى دمشق، معتبراً أن الاتفاقية –التي تنتظر موافقة الأسد- ستضع الأطر الجديدة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين في السنوات المقبلة.

بدوره قال رئيس النظام بشار الأسد، إنه حريص على تعزيز الاتفاقات الاقتصادية وصفقات الأعمال مع موسكو، لمساعدة نظامه على تجاوز العقوبات التي تقوض اقتصاده.

وأضاف خلال اجتماعه مع الوفد الروسي أنه "يريد أن يرى نجاح الاستثمارات الروسية في قطاعات رئيسية بالاقتصاد كان قد جرى الاتفاق عليها في السابق".

ترك تعليق

التعليق