"يوسف نبيعة".. مبدع مرميّ على قارعة الطريق في اللاذقية


وجد شاب جامعي قبل يومين في حي الدعتور "الواقع على أطراف اللاذقية" رجلاً هرماً هذيل الجسم ضعيفاً، غير قادر على الحركة، مريضاً بداء السكر والضغط والقلب، حسب أوراق كانت بحوزته، علم منه أنه مطرود من الغرفة التي كان يستأجرها.

إلى هنا كان الأمر طبيعياً، فالمشردون في أزقة اللاذقية وحاراتها كثيرون، ولكن الحيرة أصابت الشاب عندما تفرّس في وجه هذا العجوز.

إنّه مدرّسه الذي تجاوز الستين من العمر، إنه الفنّان "يوسف نبيعة" ابن قرية القنجرة، الذي غالباً ما تتم رؤيته متجهاً إلى قريته التي تبعد عن اللاذقية حوالي 20 كم مشياً على الأقدام، وهو معروف من قبل من يهتمّ بفن الرسم والنحت، وأعماله منتشرة في كلّ مكان في سوريا وخارجها، وتلقى رواجاً كبيراً في الأوساط الفنية.

إنه المبدع الذي تم طرده من التعليم، وتعرّض للاعتقال مرّات عديدة، لمجاهرته بالعداء مع النظام الحاكم، كان آخرها في عام "2012". فقدَ على إثر ذلك الاهتمام بالحياة، بعد تأثر ملكاته العقليّة نتيجة ما تعرّض له من تعذيب، واحتفظ بأنامله الذهبيّة، التي لم تخنه يوماً.

خجل الشّاب من نفسه وهو غير قادر على مساعدته، وعرف منه أنه كان يعيش على حساب فاعل خير، يدفع له أجرة الغرفة التي يسكنها، وبقيّة من مال يعتاش به، ولكن فاعل الخير توقّف منذ فترة، وطرده صاحب المنزل لتأخرّه عن دفع الإيجار.

وفهم منه أن أخاه لم يستقبله في منزله وطرده شرّ طردة، وحمله ابن أخيه مع رفيقه ورمياه قرب جامع الدعتور على الأرض، رغم آلامه وحاجته للغذاء والدواء والنظافة.

كان بلا ماء ولم يذق الطعام منذ يومين، وطلب "يوسف" من الشاب أن يأخذه إلى منزل أخته، فأخذه، ولكن زوج أخته رفض التعرّف عليه، وطلب منه أن يرميه في مكان بعيد.

كذلك رفض ابن أخته الثانية استقباله خوفاً من البلاء الذي قد يجلبه لهم، ويفتح عليهم أبواباً هم في غنى عنها.

"يوسف نبيعة" فنان مبدع خلاق عرف اسمه كل أهالي اللاذقية موالين ومعارضين، خلال فترة امتدت لأكثر من "50" عاماً، وربما جهل غالبيتهم شكله لأنه لم يكن يهتم بالظهور والإعلام.

لا يوجد مكان عام أو منزل لصاحب ذوق ومهتم بالفن والجمال إلا وضم لوحة من لوحاته، أو صورة لوحة.



نبيعة رسام ونحات ومفكر عرفته نوادي الثقافة في الزوايا المهملة، ضمن أحياء اللاذقية المعتمة.

كان يجاهر بعدائه للنظام الحاكم رغم انتمائه إلى الطائفة الموالية له بالمولد، ولكنه كان ينكر أي انتماء إلا لوطنه سوريا، وفنه، الذي عاش مخلصاً له.

لم يكن للمال نصيب في حياته أبداً، ولم يكن الفن وسيلة للكسب التجاري والثراء، وإلا لكان أصبح حاله مختلفاً عن الحال التي وجدوه عليها، مهملاً مطروداً جائعاً عارياً، فراشه الأرض وغطاؤه بضعة قطع رثة متسخة من ثياب.

طردته الدوائر الرسمية والمدارس لجرأته غير المنضبطة على نظام الأسد. تنكّر له أقرب الناس "أخوته وأخواته وأقرباؤه وأصدقاؤه" بعد انطلاق الثورة، واعتبروه كطاعون لا يجب أن يكون بينهم، حتى لا ينشر عدوى معارضة الأسد بين كبارهم، ولا يزرع الأفكار في رؤوس أطفالهم.


هكذا عودنا نظام الأسد خلال حقبته العسكرية، على إهمال المبدعين، وجعلهم يعيشون على هامش الحياة، تاركين إبداعهم إرثاً حضارياً رغم أنف السلطة الحاكمة، تتناقله الأجيال وتلعن الظالمين.

ترك تعليق

التعليق