العودة إلى المدارس.. أحلام وصعوبات في القلمون الشرقي


يشتكي أهالي منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق من صعوبة في تأمين المستلزمات المدرسية (القرطاسية) الواجب عليهم شراؤها لأبنائهم، في ظل الأوضاع المادية الصعبة وقلّة فرص العمل، الأمر الذي دفع ببعض أرباب الأسر إلى العمل في أعمال إضافية أو إعادة التفكير في إرسال أطفالهم إلى المدرسة هذا العام.

وعلى الرغم أنّ التعليم الحكومي مجاني في سوريا، إلاّ أنّ "العام الدراسي بات كابوساً حقيقياً تعاني منه غالبية عوائل (القلمون) الشرقي، نتيجة الأعباء المادية المرهقة التي يلقيها الاستعداد لهذه المناسبة عليهم وسط تدهور أحوالهم الاقتصادية بشكلٍ غير مسبوق خلال السنوات العشر الماضية"، وذلك وفق ما أشار إليه "أبو محمد" أحد أبناء المنطقة، في تصريحات لـ "اقتصاد".

وأضاف: "ارتفاع أسعار اللوازم المدرسية من ملابس ودفاتر وأقلام وحقائب وغيرها من المبالغ الإضافية المرافقة لافتتاح السنة الدراسية، وضعني كما غيري من آلاف العائلات السورية أمام خيارات صعبة فإمّا إرسال الأولاد إلى المدرسة أو تأمين لقمة المعيشة وبعض الاحتياجات الرئيسية اليومية للعائلة".

وأوضح "أبو محمد" الذي يعمل في أحد المصانع الحكومية القريبة من مدينة "عدرا الصناعية" شمالي شرقي العاصمة دمشق، أنّه يتقاضى راتباً شهرياً يبلغ 67 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل تقريباً 30 دولاراً أمريكياً (الدولار يقابل 2210 ليرة سورية). وبالنظر إلى حالة التضخم وارتفاع الأسعار الحاصل في سوريا فإنّ هذا المبلغ بالكاد يكفيه –كما يقول- لسدِّ أبسط الاحتياجات المعيشية الأساسية لعائلته المؤلفة من زوجة وثلاثة أولاد.

ويرى "أبو محمد" أنّ المواطن السوري لا يستطيع العيش واحتمال الغلاء إن لم يزاول أكثر من عمل ليستطيع عيش حياة كريمة؛ لذلك اضطر إلى العمل في بعض المهن الشاقة خارج ساعات وظيفته الحكومية مثل العمل في تحميل البلوك ونقل أكياس الرمل والبحص في ورش البناء والإكساء "عتال"، حتى تمكن من تجهيز أولاده الثلاثة ومن ثمّ إرسالهم إلى المدرسة.


ارتفاع بالأسعار وضغوط على الأهل

وتشهد مناطق سيطرة النظام في العموم ارتفاعاً حاداً في أسعار المستلزمات المدرسية، إذ وصل الارتفاع إلى حدود 200% مقارنة بما كان عليه في العام الماضي، وذلك بالتوازي مع انخفاض قيمة الليرة وتدني مستوى دخل الفرد وعدم وجود أي تدخل حكومي لضبط الأسعار.

وتراوح سعر لباس مرحلة التعليم الأساسي في منطقة القلمون الشرقي-حسب مصادر محليّة- بين 8000 و10 آلاف ليرة سورية، بينما كان يُباع العام الماضي بـ 4000 ليرة، أمّا فيما يخص اللباس المخصص للمرحلة الثانوية فيُباع الآن بنحو 20 ألف ليرة.

وبالنسبة لأسعار الحقائب المدرسية ارتفعت هي الأخرى ووصلت إلى 7000 ليرة سورية، والنوع الجيد منها يُباع بـ 10 آلاف ليرة وما فوق.

إلى ذلك تعيش كثير من العائلات السورية في مثل هذه الأوقات من كل عام ضغوطاً مادية كبيرة وهي تسعى لتأمين ما سيحتاجه أبناؤها من مستلزمات مدرسية، وهذا ما هو عليه الحال بالنسبة لـ "سناء" وهي سيدة، 37 عاماً، فقدت زوجها خلال سنوات الحرب، حيث لم تتمكن حتى الآن من استكمال جميع احتياجات طفلتيها من المستلزمات المدرسية.

السيدة "سناء" التي فضلت الحديث مع "اقتصاد" باسمها الأول، أشارت إلى أنّها فكرت في بادئ الأمر بعدم إرسال ابنتيها إلى المدرسة لكثرة التكاليف، إلاّ أنّ رغبتها وإيمانها بضرورة أن تتابع طفلتيها تعليمهن وبأفضل شكلٍ ممكن بعد سنوات الحرب، كانا أقوى من الظروف ودفعاها في النهاية إلى اقتراض "استدانة" بعض المال من أقاربها لتغطية نفقات المدرسة.

ومثل كل عام اكتفت "سناء" بشراء حقيبة لإحدى طفلتيها وقد بلغ سعرها 8000 ليرة سورية، في حين دفعت –كما تقول-نحو 15 ألف ليرة مقابل شراء 8 دفاتر متنوعة وعلبة أقلام رصاص وعلبتي تلوين وممحاتين ومبراتين ومسطرتين وقلمي حبر أزرق ومقلمتين من القماش وحوالي 10 أمتار تجليد مع توابعها.


أولويات

عشرة أيام مضت على التحاق أولاد الأربعيني "أبو نزار" بالمدرسة لكنّهم كعشرات الأطفال من أقرانهم ما يزالون بحاجة لملابس جديدة وقرطاسية. وأشار "أبو نزار" في حديث لـ "اقتصاد" إلى أنّ التكاليف المدرسية المترتبة عليه لقاء إرسال أبنائه الثلاثة إلى المدرسة تأتي في آخر سلم أولوياته لأنّ تركيزه ينصب في الوقت الراهن على تأمين لقمة المعيشة وبعض مواد التدفئة لمواجهة فصل الشتاء القادم.

ولفت "أبو نزار" الذي يعمل حالياً كسائق شاحنة في إحدى المكاسر الحجرية القريبة من مدينة "الرحيبة"، إلى أنّ دخله الشهري تراجع في الأشهر القليلة الماضية بسبب أزمة المحروقات الحادة التي تشهدها سوريا، إذ بات يعمل لمدّة ثلاثة أيام في الأسبوع فقط.

 "تخفيض أيام العمل وعدم وجود ساعات إضافية أدّى إلى تراجع دخلي الشهري، أخشى أن يأتينا يوم لا نجد فيه رغيف خبز لسد رمقنا، فالوضع من سيء إلى أسوأ"، يضيف "أبو نزار" بأسى.


إهمال حكومي

ولا تزال حقوق أبناء منطقة القلمون الشرقي في نيل العلم تصطدم بحالة إهمال كبيرة للقطاع التعليمي فيها؛ فمستوى التعليم سيئ ودون المستوى في المدارس الحكومية، والاكتظاظ في الشعب الصفية يصل إلى نحو 40 طالباً في الصف الواحد، كما أنّ المواد الأساسية كالرياضيات واللغتين العربية والإنكليزية تحتاج لمدرسين خصوصيين لعدم كفاءة المدرسين الحاليين.
 
وانعكس ذلك سلباً على وعي وإدراك الطلاب حتى وصل الحال إلى أنّ طلاب المرحلة الابتدائية باتوا بحاجة إلى دورات يومية، وهذا بالطبع يشكل عبئاً إضافياً على الأهالي فليس بمقدور الجميع وضع أطفاله لدى مدرسين خصوصيين.

يذكر أنّ حكومة النظام أصرت على إعادة فتح المدارس في 13 من شهر أيلول/ سبتمبر الجاري، بالرغم من عدم اتخاذها أي تدابير للوقاية من فيروس "كورونا" الذي سُجلت آلاف الإصابات به، بسبب الإهمال الطبي الكبير في مشافي النظام الحكومية، وعدم فرض أي إجراءات وقائية على المدنيين.

ولم يكد يمض أسبوع واحد على بدء العام الدراسي حتى وثّقت "وزارة التربية" تسجيل أول إصابة بفيروس "كورونا" لطفلة في الصف الخامس الابتدائي (11عاماً) في مدارس العاصمة دمشق.

ترك تعليق

التعليق