قصص من كراجات طرطوس


تنتظر مجموعات بشريّة في كراجات طرطوس سيّارات تقلّهم إلى قراهم، وسائقو الحافلات يتأخّرون عمداً لرفع الأجرة، أو يبيعون مخصّصاتهم اليوميّة من المازوت ليحقّقوا ربحاً أكبر.

وما إن ينتهي الدوام الرسميّ في دوائر الدولة في طرطوس حتى يتوافد آلاف الموظّفين إلى الكراجات العامة، من أجل العودة على قراهم، فمعظم الموظّفين هم من أبناء القرى بعد أن تعمّد نظام الأسد تهميش أبناء المدينة، الذين لا ينتمون إلى الطائفة الموالية له ولا يوالونه سياسياً.

يتزاحم الموظفون بالجلوس على الأرصفة، بعدما تخلّوا عن الحذر الواجب عليهم لمنع انتشار فيروس "كورونا"، فمعاناتهم أكبر من خطر المرض.

نظر "حسن أبو علي" إلى الجالسين بعد وصوله إلى الكراج قادماً من وظيفته في مديرية الصحة سيراً على قدميه، بصق على الأرض وأخرج كيس تبغه وبدأ يدرج سيكارة، ويتفّ يميناً ويساراً، ويلعن الأيام التي أوصلته إلى هذه الحالة، فهو لا يستطيع ركوب التكسي، وقدماه أصبحتا متعبتين، ومجبر على انتظار رحمة السائقين، وسماع ما يفرضونه عليهم من أغان، وتقبّل ألفاظهم الجارحة، وتحكمّهم بأجرة الركوب، والحشر في حافلاتهم بضعف ما تستوعبه، بحجة عدم توفر الوقود والازدحام، والخسائر التي يتحملونها، نتيجة ارتفاع الأسعار، ثم سعى نحوى قطعة من الكرتون وضعها تحته وجلس ينتظر مع المنتظرين.

غالباً ما يتأخر سائقو السيّارات العامّة في الحضور إلى الكراج، فهم يضعون سيارّاتهم في أماكن بعيدة، ويرسلون من يراقب أعداد الركّاب بانتظار تكدّس عدد كبير، ويحجزون مقاعد لمن يعرفونهم، أو للصبايا الجميلات في المقعد الأمامي.

السائق "علي ـ ص" الذي ينقل الركاب من مدينة طرطوس ذهاباً وإياباً إلى قرية الصفصافة، يرفض التحرّك من الكراج قبل أن يحشر "17" راكباً في سرفيسه المخصّص لـ "14" شخصاً، وبعد أن يشترط عليهم دفع مبلغ إضافيّ على الأجرة، ولا يتردد في طرد أي راكب يتذّمر من الازدحام أو يرفض الدفع، ويقف عناصر الشرطة المتواجدون في الكراج إلى جانبه في حال حدوث مشكلة.

يتذرّع السائقون بارتفاع أسعار التصليح وارتفاع سعر الوقود وأنهم يقدّمون خدمة للركاب عندما يحشرون أعداداً إضافية، كي لا يتركوهم في حالة الانتظار، مع احتمال قدوم سيارة أخرى.

أكد المواطن "أحمد ـ قا" في حديثه لموقع "اقتصاد": "يكذب السائقون ويتفقون مع بعضهم البعض، فقسم منهم يبيع مخصّصاته من الوقود، ليتولّى آخرون استغلال حاجة الركاب، ويتناوبون في هذا العمل يوميّاً، أمام بصر شرطة المرور".

 بل واتهم "أحمد ـ قا" الشرطة بالتواطئ مع السائقين والدفاع عنهم، لأنهم يتقاضون نصيبهم يومياً. وأضاف: "تساهم الدولة بشكل فعال في زيادة معاناتنا مع سيارات الركوب، عندما تتعاقد مع السرافيس لنقل بعض كبار موظفيها لتوفر عليهم وقود سياراتهم المخصصة لهم، من ناحية.. وعندما تحدّد لهم موعداً وكميّة معيّنة من الوقود لتعبئته، وهذا ينعكس علينا سلباً نحن المواطنون".

ومن جهته، قال السائق "علي ـ م" لموقع "اقتصاد": "إنهم يظلموننا عندما يتهمونا بالجشع والاستغلال، فنحن ندفع مبالغ لعامل الكازية من أجل تعبئة الوقود، وندفع للشرطي يومياً كي نتجنّب المخالفات، وندفع لإدارة الكراج، وندفع لتصليح السيارات بعد أن أصبحت سياراتنا تتعرّض لأعطال دائمة نتيجة تدني نوعيّة الوقود، وسوء حالة الطرقات، واضطرارنا لتلبية حاجة المواطنين عندما نسمح لهم بالركوب بأكثر مما هو مخصّص لسياراتنا وهذا يؤثّر عليها سلباً نتيجة زيادة الحمولة".

وتستمرّ المعاناة وتبدو أصابع نظام الأسد واضحة، فهو يريدهم جنوداً في جيشه ولو على حساب أرواحهم وأهاليهم، ويدفعهم دفعاً للالتحاق خلاصاً من الفقر والتعب.


(الصورة المرفقة أرشيفية)

ترك تعليق

التعليق