اقتصاديات.. حل "أبراج سوريا" أم تصفية رجل الأعمال هيثم جود..؟


أثار قرار وزارة التجارة الداخلية بحل شركة أبراج سوريا، وإعلان محافظة دمشق إنهاء التعاقد معها على بناء أطول برجين في منطقة البرامكة بدمشق، الكثير من التساؤلات، لناحية غياب رأي الطرف الثاني صاحب المشروع، وهما رجلا الأعمال هيثم جود ونبيل طعمة، إذ أن وسائل الإعلام لم تتداول حتى الآن سوى الموقف الحكومي، الذي يتهم الشركة بعدم الالتزام بتنفيذ المشروع وفق المدة الزمنية، لذلك اقتضى الأمر بحلها، وتصفية جميع أسهمها وبيعها، أينما وجدت.

وهي صيغة تشير إلى عملية استهداف مباشر للشركة، قبل أن يتعلق الموضوع بخلاف معها على تنفيذ المشروع، لأن المنطق يقول بأن هناك إجراءات قانونية تسبق أي عملية تصفية لشركة، ومنها على سبيل المثال المراسلات والإنذارات بين المحافظة وبين شركة أبراج سوريا، والتي لم يتم الكشف عن أي منها في القرار الذي ظهر بشكل مفاجئ على وسائل إعلام هامشية، بينما لم تنشر وزارة التجارة الداخلية حتى الآن قرارها بحل الشركة.. وكل ما يتم تداوله، كان قد نشره موقع مغمور يدعى "إعمار سوريا"، ثم لاحقاً تداولت بعض الوسائل تصريحات لمسؤول في محافظة دمشق يؤكد فيه قرار فك العقد مع الشركة، ويشير للمستثمرين ورجال الأعمال، أنه أصبح بإمكانهم التقدم لاستكمال المشروع..

كنا نتمنى، لو كان هناك إعلام حقيقي في سوريا، لكي نسمع آراء أصحاب المشروع، ولماذا تم اتخاذ هذا القرار الجائر، ليس بكف يدهم عن استكمال المشروع، وإنما بتصفية جميع ممتلكات شركتهم وبيع حصصها في جميع المشاريع الأخرى المشاركة فيها، دون أن يكون ذلك ضماناً لسداد أية حقوق.. فلم تذكر صيغة القرار الصادر عن وزارة التجارة الداخلية، بأن هناك حقوقاً للدولة على الشركة تستوجب هذا التصرف، وهو ما يشير إلى أن في الأمر بلطجة واضحة، الهدف منها استهداف أصحاب المشروع وأصحاب الشركة بالدرجة الأولى، في إطار ما بات يعرف باستيلاء أسماء الأخرس، زوجة بشار الأسد، على أبرز مفاصل الاقتصاد السوري، والتي كانت موزعة على رجال الأعمال في الحقبة التي سبقت قيام الثورة السورية في العام 2011.

نقطة أخرى نود الإشارة إليها، وهي أن شركة سوريا القابضة التي تضم نحو 20 رجل أعمال، أبرزهم طريف الأخرس وهيثم جود، كانت قد دفعت لمحافظة دمشق مبلغ أكثر من 300 مليون ليرة سورية، قبل البدء بتنفيذ المشروع في عام 2009، بحسب العقد الموقع بين الطرفين.. وهي تعادل قيمة الأرض في ذلك الوقت، وتم الاتفاق على تنفيذ بناء برجين بارتفاع أكثر من 40 طابقاً لكل برج، مع فندق خمس نجوم وكراج سيارات يتسع لـ 2500 سيارة، ومطاعم وأسواق تجارية، وغيرها من المنشآت السياحية، وفق صيغة "بي أو تي"، أي شراكة بين المحافظة وبين الشركة، تقوم من خلالها هذه الأخيرة باستثمار المشروع لفترة زمنية محددة، ثم تعود بعدها ملكيته للدولة.

وبالفعل بدأت شركة سوريا القابضة، التي أسست شركة أبراج سوريا، العمل في العام 2009 بأعمال الحفر وتجهيز البنية التحتية، على أن يتم استكمال المشروع بشكل كامل بعد ست سنوات، أي في مطلع العام 2015. إلا أن ظروف البلد بعد انطلاق أحداث الثورة السورية، في العام 2011، أدت إلى توقف جميع المشاريع الاستثمارية في البلد، ومنها مشروع أبراج سوريا في منطقة البرامكة وسط دمشق.

ولا بد من الإشارة إلى أن ظروف استيلاء شركة سوريا القابضة على أرض كراجات البرامكة في دمشق في العام 2008، لبناء مشروع أبراج سوريا، شابه منذ البداية الكثير من اللغط، والقيل والقال في الوسط الاقتصادي السوري، حيث أنها منطقة حيوية وسط العاصمة، وكان يتقاتل عليها منذ فترة طويلة الكثير من رجال الأعمال المتنفذين في سوريا.. فكان التساؤل في ذلك الوقت: لماذا يحصل هيثم جود وطريف الأخرس، أهم واجهتين في الشركة، على هذا المشروع..؟ ولماذا لا يكون رامي مخلوف هو صاحب هذا الامتياز..؟

واللافت في الأمر، أن شركة سوريا القابضة حصلت في ذات الوقت على أرض المنطقة الحرة، بالقرب من الجمارك، وسط دمشق كذلك، والتي يدير منها رامي مخلوف أبرز أعماله، وذلك لبناء مشاريع مشابهة لمشروع أبراج سوريا..

كان التفسير المتداول حينها، بأن النظام يريد أن يصرف الانتباه عن أعمال رامي مخلوف وسيطرته على كل شيء، من خلال القول، بأن هناك رجال أعمال سُنّة يحصلون على مشاريع حيوية ومهمة، وأن الأمر لا يقتصر على رامي مخلوف فقط.. لكن كان الكل يعلم في ذلك الوقت، أن الغيوم مهما شرقت أو غربت، ومهما ابتعدت، فإن حصيلتها في النهاية سوف تصب في جيب رامي..! لذلك لم يصدق أحد بأن رامي مخلوف ليس له إصبع في هذا المشروع..!

وبالعودة إلى التسلسل الزمني لمشروع أبراج سوريا، فكما ذكرنا بأن المشروع توقف بعد العام 2011، والأهم من ذلك أن وسائل إعلام موالية للنظام بدأت بشن حملة على آل جود في اللاذقية، بأنهم موالون للثورة ويدعمونها بالمال، وشملت ذات الاتهامات، طريف الأخرس، الذي فر إلى لبنان، وبقي فيه حتى العام 2017.

وعندما توفي صبحي جود، عميد أسرة آل جود، في العام 2017، فإن وسائل إعلام النظام تجاهلت الخبر تماماً، بل إن بعضها أشارت إلى موقف آل جود من الثورة وموالاتهم لها، الأمر الذي يستوجب عدم الترحم على صبحي.. وهو الموقف الذي أعلنه موقع "سيرياستيبس" أحد أهم المواقع المعبرة عن وجهة نظر المخابرات والقصر الجمهوري.

في العام 2018، عاد اسم هيثم جود للظهور من جديد على وسائل الإعلام، وكان قبلها قد استقر وعائلته في لبنان، بالإضافة إلى جميع أخوته، ونال خلال ذلك حظاً وافراً من هجوم الإعلام الموالي، الذي وصل إلى حد وصفه بالخائن للوطن.. وتحدثت الأوساط الإعلامية حينها، بأن تسوية جرت بين النظام وآل جود من جهة، وبين النظام وطريف الأخرس من جهة ثانية، من أجل أن يعودوا إلى سوريا، وعليهم الأمان.

لكن عودة هيثم جود، تمثلت بإعادة إطلاق العمل بمشروع أبراج سوريا، وهذه المرة بالشراكة مع رجل الأعمال العلوي، نبيل طعمة.

وبالفعل تابعنا في ذلك العام صور زيارة رئيس الوزراء عماد خميس، برفقة كل من هيثم جود ونبيل طعمة، إلى مكان المشروع في منطقة البرامكة، بالإضافة إلى زيارة مشروع "موفيبنك" في منطقة كفرسوسة، الذي يملكه نبيل طعمة، وعلى ما يبدو أن اتفاقاً جرى بين الطرفين، ينص أن يشارك هيثم جود، طعمة، في استكمال مشروعه، على أن يقوم هذا الأخير بمشاركة جود في استكمال مشروع أبراج سوريا.

وتحدث يومها عماد خميس عن استعداد الحكومة لتقديم كل التسهيلات لاستكمال المشروعين، بما فيها تقديم القروض البنكية اللازمة.

ما يمكن قراءته في هذا المشهد، الذي انتهى بقرار حل شركة أبراج سوريا وتصفية جميع أعمالها والاستحواذ على ممتلكاتها، يشير إلى وجود نية مبيتة لدى النظام للقضاء على هيثم جود، وتأديبه على موقفه الداعم للثورة.. لأن القرار لم يشمل ممتلكات نبيل طعمة، الذي أصبح شريكاً أساسياً في المشروع بعد العام 2018، عبر ذراعه الاستثماري "موفيبنك"، وإنما ركز فقط على شركة أبراج سوريا، المملوكة بالكامل لهيثم جود..

لذلك وبحسب ما يرى مراقبون، فإن النظام سدد ضربة موجعة لهيثم جود، عبر هذا القرار، قد تؤدي إلى إفلاسه بالكامل، لأن شركة أبراج سوريا، دخلت في الآونة الأخيرة بالعديد من الاستثمارات، ومنها على سبيل المثال، استثمارها في مشروع "ماروتا سيتي"، وغيرها من المشاريع العقارية في المناطق التي استحوذ عليها النظام، في القابون وغيرها..

(الصورة الرئيسية - في الوسط رجل الأعمال الراحل صبحي جود، وإلى اليمين، نجله هيثم جود)

ترك تعليق

التعليق