"اقتصاد" ينشر الجزء الأول من دراسة تقترح استراتيجية شاملة لتنمية إدلب


ينفرد موقع "اقتصاد" بنشر دراسة قد تكون فريدة من نوعها، تقترح استراتيجية شاملة على الصعد الثلاثة، الاقتصادية والسياسية والإدارية، لشمال غرب سوريا – محافظة إدلب-.

أعدّ الدراسة، الباحث، د. مأمون سيد عيسى، نائب رئيس الهيئة السياسية في محافظة إدلب، وتقدم الدراسة رؤية تقوم على بناء استراتيجية تنمية اقتصادية لشمال غرب سوريا.

والهيئة السياسية في إدلب، هي تشكيل سياسي، نشأ في خريف العام 2016، أعلنته فعاليات مدنية وناشطون في محافظة إدلب، بحضور ممثلين لبعض الفصائل العسكرية، بهدف إيجاد "واجهة سياسية حقيقية للثورة في إدلب"، وفق مؤسسيي الهيئة.

عنوان الدراسة "الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية والإدارية لمناطق شمال غرب سوريا - في مرحلة ما قبل الحل السياسي". وقد تم الانتهاء من إعدادها في 27 أيلول/سبتمبر الفائت.

وحصل "اقتصاد" على إذن من د. مأمون سيد عيسى، بنشر هذه الدراسة. حيث سيتم نشرها على 3 أجزاء.

الجزء الأول:

مقدمة

تدخل الأزمة السورية عامها العاشر،حيث يعاني السوريون في مناطق شمال غرب سوريا من ظروف معيشية تزداد سوءاً مع تزايد أعدادهم واحتياجاتهم ومع شح المساعدات المقدّمة لهم. لقد تصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقرا في العالم بنسبة بلغت 82.5% ويفتقر أكثر من 9.3 مليون شخص في سوريا إلى الغذاء الكافي. ووصل عدد النازحين في شمال غرب سوريا إلى 2.669.869 نازح منهم 1.463.297 نازح يعيشوا في مخيمات بائسة ضمن ظروف معيشية تفتقر الى الحد الأدنى من متطلبات الحياة الإنسانية. في الوقت الذي يتسارع فيه تفشي فيروس كورونا بالبلاد مع توقعات بانهيار المنظومة الصحية في الفترة القادمة.

موجز الدراسة

تعمل الدراسة التي قامت بها الهيئة السياسية في محافظة إدلب على محاولة لبناء استراتيجية في المجال الاقتصادي بما يتعلق بمناطق شمال غرب سوريا للمرحلة الحالية، إضافة لتقديم استراتيجية موجزة في المجالين السياسي والإداري للمنطقة. حيث لوحظ أن أغلب الدراسات التي تصدر حاليا، تركز على استراتيجيات تخص مرحلة- مابعد تطبيق الحل السياسي.

-إن ما دفعنا للقيام بهذه الدراسة هو رغبتنا بالمساهمة في تغيير الواقع الحالي نحو الأفضل، وبالعمل على طرح رؤية تقوم على بناء استراتيجية تنمية اقتصادية لشمال غرب سوريا، تعمل على تحسين الوضع الاقتصادي الحالي لسكان المنطقة ونازحيها. كذلك تعمل على التأسيس لمرحلة من التنمية الاقتصادية بعد تطبيق الحل السياسي. لقد تم الحرص في هذه الدراسة على أخذ الظروف الذاتية والموضوعية للمنطقة بعين الاعتبار.

-لقد قدمنا في القسم الأخير موجزا في الاستراتيجية السياسية والإدارية المطلوبة لمناطق شمال غرب سوريا لمرحلة ما قبل الحل السياسي، وهو أمر نراه ضروريا وهاما قبل بدء المرحلة الانتقالية، فهنالك ترابط قوي ما بين الاقتصادي والسياسي. لكننا أوضحنا في سياق الدراسة أنه يمكن ضمن محددات تم التطرق لها؛ أن يتم العمل على الشق الاقتصادي من المشروع، في حال عدم إمكانية تطبيق الشق السياسي والإداري. وفي الحالتين، لابد لنا أن يكون لدينا تنسيق وتعاون مع الحليف التركي الذي يجمعنا الكثير معه في التاريخ والحاضر والمستقبل، وقد كان له دور مهم في وقف اجتياح النظام وحلفائه لما بقي من المناطق المحررة، وبإمكانه دعمنا بأدوات تساعدعلى فرض البيئة الآمنة في المنطقة، وهي ضرورة لبناء أي استراتيجية سياسية أو إدارية أو اقتصادية قادمة.

تقييم الأوضاع في شمال غرب سوريا

تقييم الوضع السياسي والعسكري والأمني في شمال غرب سوريا

الوضع الميداني والأمني في شمال غرب سوريا

-تتجه الأوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة إلى تجميد الأوضاع وتثبيت وقف إطلاق النار من قبل الفاعلين الرئيسين في الملف السوري. وقد حصل تراجع كبير لأعمال القصف التي يقوم بها النظام وحلفاؤه نتيجة للاتفاق الذي جرى بين أطراف أستأنة، ونتيجة لاستمرار توافد التعزيزات العسكرية التركية نحو مناطق شمال غرب سوريا، حيث بلغ عدد النقاط التركية ما يربو على خمسين نقطة، وشكلت القوات التركية قوة ردع لأي هجوم محتمل من قبل النظام وحلفائه على المنطقة.

-لا زلنا حتى اللحظة ننعم بالآثار الإيجابية الناجمة عن هذا الاتفاق، رغم أن النظام استمر في إرسال الحشود العسكرية واستمر في الاختراقات والانتهاكات، وهو لايزال يعول على الحل العسكري. فقد أدى التدخل التركي الى حالة ارتياح عامة ضمن منطقة شمال غرب سوريا مع ترقب لعودة النازحين -خاصة النزوح الأخير- الى بيوتهم وأراضيهم. فهذه القضية مصيرية بالنسبة للمنطقة.

-من الملاحظ أن الفصائل العسكرية في شمال غرب سوريا تعمل كضابط للأمن والنظام رغم وجود حالة من عدم الانضباط العسكري في المنطقة.

-لقد لوحظ مؤخرا حدوث تحسن واضح للوضع الأمني في محافظة ادلب، مع خروقات أمنية متكررة، في ريف حلب الشمالي، ناجمة عن تفجيرات بين المدنيين تقوم بها الميليشيات الكردية الانفصالية.

سيطرة الفصائل في شمال غرب سوريا

-في خريطة السيطرة العسكرية في شمال غرب سوريا، تتوزع السيطرة بين هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب الغربي، وفصائل الجيش الوطني في ريف حلب الشمالي. ويمتد نفوذ هذه الفصائل الى الحياة المدنية للسكان، الذين يشعرون بعدم الرضى عن هذا الوضع.

-لقد كان لاستمرار المعارك وتهديدات النظام وحلفائه ومحاولاته المستمرة لاقتحام مناطق شمال غرب سوريا دور أساسي، في تكريس نفوذ الفصائل وعدم تحول شمال غرب سوريا الى الحالة المدنية.

المسار السياسي للقضية السورية

-  المسار السياسي

هنالك دفع لإعادة المسار السياسي في القضية السورية عبر تفعيل اللجنة الدستورية. حيث انعقدت الجلسة الثالثة في شهر آب/أغسطس الماضي. ويستمر النظام في محاولاته إفشال عمل تلك اللجنة وإضاعة الوقت.

-من المؤكد أن تطبيق الحل السياسي في سوريا وفق قرارات الأمم المتحدة يتعلق بحدوث تفاهمات بين القوتين الرئيسيتين حول الحل. ويبدو أن هذا التفاهم لم يتم الوصول إليه بعد. ومن المتوقع أن يتم تأجيل الحل السياسي الى ما بعد الانتخابات الأمريكية القادمة، وربما إلى الشهر السابع من العام المقبل-موعد انتخابات رئاسة الجمهورية في سوريا. وربما لن يتحقق الحل السياسي في المجال المنظور. فلازال السوريون في انتظاره منذ مبادرة جامعة الدول العربية 2012. وهنالك خشية من تكريس الوضع الراهن الذي ينحوالى تقسيم سورية بين مناطق نفوذ متعدّدة، ويجعل منه وضعاً مجهول المستقبل.

-من هنا تأتي دعوتنا الى البدء بتنفيذ خطوات تنموية واقتصادية لمناطق شمال غرب سوريا، وعدم البقاء في حالة انتظار، لأي حل سياسي قد يتأخر قدومه الى أمد غير منظور.

تقييم الوضع الاقتصادي في شمال غرب سوريا

- تعاني مناطق شمال غرب سوريا من شح في الموارد وعدم وجود استراتيجية للتنمية،ومن تدهور للوضع الاقتصادي لسكان تلك المناطق وانتشار كبير للبطالة.

-لقد حصل ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والأدوية والوقود والسلع الأساسية الأخرى في جميع أنحاء البلاد. وشهد سعر الصرف المتقلب؛ خسارة الليرة السورية في الأشهر الماضية، أكثر مما كانت عليه في السنوات التسع الأولى من الأزمة.

-في شمال غرب سوريا تم مؤخرا اعتماد الليرة التركية في تسعير السلع والأجور والتداول بعد الانهيار الذي شهدته الليرة السورية. لم تتوضح بعد الآثار الاقتصادية المترتبة عن هذه الخطوة، لكن يبدو أنها لقيت ارتياحا لدى سكان المنطقة وأدت الى نوع من الاستقرار في الأسعار.

-يبين رصد السوق في شمال غرب سوريا من قبل برنامج الأغذية العالمي زيادة بنسبة 200 في المائة في سعر متوسط سلة الغذاء الوطنية منذ العام الماضي، بحيث لم يعد بمقدور عدد متزايد من السوريين إعالة أنفسهم وأسرهم.

- يقدر برنامج الأغذية العالمي الآن أن 9.3 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا. و هذا هو أعلى مستوى تم تسجيله في سوريا، وهو رقم آخذ في الازدياد.

-تعتمد موارد منطقة شمال غرب سوريا بشكل كبير على تحويلات المغتربين لأهاليهم في الداخل، إضافة للدعم الذي تقدمه المنظمات المحلية والدولية، إضافة الى الأنشطة الاقتصادية المحلية مثل الزراعة والفعاليات التجارية وقطاعات الخدمات والحرف. وهنالك فعاليات صناعية محدودة تتركز في المنطقة الحدودية مع تركيا.

تقييم الوضع الإداري  في شمال غرب سوريا

الحكومة المؤقتة

- عند إجراء تقييم لوضع الحكومة "المؤقتة" الحالية نلاحظ أن أداءها مشابه للحكومات المؤقتة السابقة. فهي لم تتمكن من تحقيق أي من الأولويات التي وعدت بها عند التكليف،وربما يعود ذلك إلى ظروف خارجة عن إرادتها.

-من الملاحظ غياب واضح لدور الحكومة المؤقتة كسلطة تنفيذية في الشمال السوري، وهي لا تمتلك تمويلا منتظما أو إمكانيات تمكنها من تنفيذ خططها الاستراتيجية. ويعود ذلك إلى قطع الدعم الدولي والعربي عنها، حيث يرتبط ذلك بالظروف السياسية والميدانية التي تعيشها الحكومة المؤقتة، خاصة، ومؤسسات المعارضة، عامة.

حكومة الانقاذ

-في قياس لأداء حكومة "الإنقاذ"منذ تأسيسها إلى تاريخه، نلاحظ أنها لا تمتلك الأدوات والإمكانيات المادية التي تمكنها من إدارة المنطقة، باستثناء ما يتم جبايته من ضرائب. ولا تمتلك هذه الحكومة شبكة علاقات خارجية. وتقوم بأعمال محدودة يدخل أغلبها ضمن الإطار التنظيمي لمنطقة نفوذها وهي محافظة ادلب وجزء من ريف حلب الغربي.  

-مؤخرا كان هنالك دعوة من رئيس حكومة "الإنقاذ" للمجتمع الدولي لإقامة علاقات مع حكومة الإنقاذ، حيث صرح أن المنطقة بحاجة إلى كل شيء، من كهرباء وماء وخدمات، وبحاجة إلى المساعدة الدولية، والتنسيق مع حكومة "الإنقاذ" لإدخال المساعدات إلى المنطقة.

المجالس المحلية

-ترتبط المجالس المحلية في منطقة نفوذ الحكومة "المؤقتة" إداريا وماليا بولاة المدن التركية الحدودية. وترتبط سياسات الحكومة المؤقتة بما يتعلق بالمجالس المحلية بسياسات وتوجهات الحليف التركي. إذ إن مساحة تحركها أصبحت محصورة بمناطق السيطرة التركية في "درع الفرات" و"غصن الزيتون" ومنطقة جرابلس.

-مقابل ذلك؛ تقوم الحكومة التركية بإقامة العديد من مشاريع الخدمات وتطوير البنية التحتية وإقامة مدارس ومشافي وإعادة تأهيل الطرق ودعم المجالس المحلية في المنطقة.

-في محافظة إدلب تعتبر المجالس المحلية مؤسسات ضعيفة، تعتمد على الموارد المحلية المحدودة. وغالبا لا تتلقى أي دعم. وهنالك العديد منها يخضع لتأثير الفصائل العسكرية في منطقته.

المنظمات العاملة

-وجدت المنظمات العاملة في الشمال السوري منذ بداية الأزمة السورية عام 2012. وتعمل هذه المنظمات على مختلف الصعد؛ منها الإغاثي والطبي واللوجيستي والتعليمي، في محاولة لرفد المنطقة بأساسيات المعيشة.

-تقدم المنظمات إن كانت محلية أو عالمية مساعدات متنوعة. وتشكل أعمالها القسم الأكبر مما يقدم من معونات ودعم الى سكان منطقة شمال غرب سوريا والنازحين إليها. وتتلقى هذه المنظمات دعمها من جهات متعددة أهمها منظمات الأمم المتحدة، ومنظمات وجمعيات تعمل في دول عربية، إضافة لتبرعات تصلها عبر قنواتها الخاصة. وتتوزع نشاطاتها في المجالات الإغاثية والطبية والخدمات والتعليم. لكن مساعداتها لا تغطي سوى جزء يسير من المطلوب أيضا.

-تتجه المنظمات نحو الدعم المباشر للمستفيدين دون تطبيق سياسات تؤدي إلى خلق فرص عمل، ودون الوصول إلى تنمية حقيقية للمنطقة. وربما يرتبط ذلك بسياسة الداعمين.

أهمية استراتيجية التنمية الاقتصادية في مرحلة قبل الحل السياسي

1-من الواضح أن الوضع الاقتصادي والإنساني الذي وصلت إليه مناطق شمال غرب سوريا، أصبح على درجة كبيرة من الصعوبة. خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي أصابت شمال غرب سوريا، والتي تفاقمت بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، والغلاء الكبير في أسعار السلع الرئيسية، وكذلك بعد وصول وباء كورونا إلى المنطقة. حيث أدت العوامل السابقة الى تأزيم الوضع في المنطقة إلى درجة يمكننا وصفه بأنه كارثي.

2--نتيجة للعوامل السابقة؛ تأتي ضرورة بدء العمل الجدي على بناء خطط تنمية اقتصادية مرحلية تعطي نتائجها في الوقت الحالي.

لذلك سوف تعمل هذه الدراسة على طرح رؤية اقتصادية عملية تناسب ظروف المرحلة الحالية. حيث نرى ضرورة الخروج من الطابع النظري للدراسات المطروحة والتي تقفز على الظروف الإدارية والسياسية والعسكرية المعقدة للمنطقة والتي أشرنا إليها في بداية الدراسة.
 
3-إننا نرى أن تأجيل خطط التنمية إلى مرحلة الحل السياسي وما بعدها من مراحل سيحمل تبعات كارثية على سكان ونازحي منطقة شمال غرب سوريا. فليس في الأفق ما يشير الى قرب الحل  السياسي الذي طال انتظاره منذ مبادرة الجامعة العربية في 2012 وما تبعها من مبادرات ومؤتمرات وقرارات دولية. ومن المحتمل أن يكون لدى دول كبرى مؤثرة في القضية السورية استراتيجية تعمل من خلالها على ترك المنطقة ضمن ما يدعى سياسة الفوضى الخلاقة.

4-إن تأجيل خطط التنمية الى مرحلة الحل السياسي وما بعدها من مراحل يؤدي إلى إضاعة كبيرة لوقت يمكن استثماره في تأسيس بنية اقتصادية أولية للمنطقة، اضافة لبدء خطوات في التنمية، تؤسس لمرحلة تنمية اقتصادية حقيقية في المستقبل.

5- من الضروري أن نعمل منذ الآن على إعداد الرؤية الاستراتيجية الاقتصادية للمرحلة الانتقالية وما بعدها. حيث يمكن الاستفادة في الوقت الحالي من موضوعين، هما: التخطيط، وبناء الاستراتيجيات. وهذا ما سوف يتم توضيحه لاحقا.


ترك تعليق

التعليق