حقوقيون ونشطاء يقرؤون حيثيات قرار المحكمة الأوروبية بخصوص التجنيد واللجوء


أثيرت في الأيام الأخيرة تساؤلات عديدة حول القرار الجديد الذي أصدرته المحكمة الأوروبية بخصوص أحقية منح اللجوء للفارين من الخدمة الإلزامية لدى نظام الأسد، ومنها: هل يُمنح حق اللجوء تلقائياً لسوريّ رفض أداء الخدمة العسكرية في بلاده؟، وهل يعد رفض الخدمة رأياً سياسياً يمكن التعويل عليه في منح صاحبه حق اللجوء؟، وهل يشمل فقط المتقدمين بطلبات لجوء على أراضي الدول الأوروبية؟، أم أنه قد يتيح إمكانية التقدم بطلبات لجوء إلى تلك الدول من خارج أراضيها؟

وتعود قصة القانون الجديد إلى قضية طالب لجوء سوريّ فرّ من حلب إلى ألمانيا، بعد تخرجه من الجامعة تفادياً لأداء الخدمة العسكرية، وتم رفض طلب لجوئه لهذا السبب، ولم تأخذ المحكمة بأسبابه، ورفضت الدائرة الاتحادية للهجرة واللجوء (Bamf) منحه حق اللجوء الكامل ومقابل ذلك حصل على الحماية الثانوية، لأنه غير ملاحق في سوريا -حسب اعتقادها- ما دفعه إلى استئناف القرار أمام المحكمة الإدارية في مدينة "هانوفر" التي لم تصدر حكمها بشكل مباشر وإنما حولت القضية إلى المحكمة الأوروبية التي أصدرت بدورها قراراً ينص على أن من يتقدم بطلب للحصول على اللجوء هرباً من الخدمة العسكرية يمكنه الحصول على حق اللجوء الكامل.

المستشار القانوني د. "عمار زعل" الذي يحمل شهادة الدكتوراه في القانون الدولي وعمل مدرساً ورئيس قسم في جامعة اليرموك في دمشق سابقاً ومحامياً في الدعاوى المدنية والإدارية والشرعية في محاكم دمشق وريفها لمدة ١٣ سنة، أشار في حديث لـ "اقتصاد" إلى أن قرار محكمة العدل الأوروبية وهي أعلى هيئة قضائية في دول الاتحاد الأوروبي، نص على أن من يتقدم بطلب للحصول على اللجوء هرباً من الخدمة العسكرية يمكنه الحصول على حق اللجوء الكامل، لكن بعد التأكد من أن سبب رفض الخدمة العسكرية هو احتمال التعرض للاضطهاد، أو المشاركة في جرائم حرب.

(د. عمار زعل)

 وتابع "زعل" أن المشمولين بالقرار هم كل من رفض التجنيد الإجباري وطلب اللجوء إلى دولة أوروبية، ورغم ذلك بإمكان المحاكم في الدول اتخاذ ذات الخطوات السابقة ومنح طالب اللجوء، الحماية، بدلاً من اللجوء.

ونوّه "زعل" الذي يدير الآن أكاديمية ديوان في برلين إلى أنه يمكن لطالب اللجوء الاستناد إلى قرار المحكمة الأوروبية للحصول على حق اللجوء لأن قرارها مُلزم في حال تم الاستشهاد به، ولا يشمل القرار المطلوب للتجنيد فقط بل أيضاً المطلوب للاحتياط، ويطبق فقط عندما يكون الشخص طالب لجوء في إحدى الدول الأوروبية.

 ولفت المصدر إلى أن الشخص الحاصل على الإقامة الثانوية يمكنه التقدم بطلب للبامف يسمى Folgeantrag خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ١٩/١١/٢٠٢٠، حتى ولو كان ملفه مغلقاً.

وأبان "زعل" أن هناك مدة ثلاثة أشهر منذ صدور القرار الجديد وخلال هذه المدة يحق لكل الأشخاص المطلوبين للخدمة الإلزامية وممن حصلوا سابقاً على الحماية الثانوية تقديم طلب تعقيبي أو ثاني للجوء Folgeantrag مع ذكر السبب وهو القانون الأخير من EuGh ولا تستدعي هذه الاجراءات محامياً وإنما من خلال التواصل مع المركز الاتحادي للهجرة واللاجئين BAMF، بينما يكمن دور المحامي عند رفض الطلب والطعن بالقرار.

وعقّب "زعل" بأن القرار يشمل الأشخاص الموجودين على الأراضي الأوروبية بصورة رئيسية، لكن يمكن محاولة التقدم بطلبات لجوء بسبب الفرار من الخدمة الإلزامية إلى السفارات الأوروبية المتواجدة في الخارج، وتضمين قرار المحكمة الأوروبية ضمن طلب اللجوء، وفي هذه الحالة، فإن الإجراءات ستخضع لقناعة الموظف المختص والأوامر والتعليمات الدبلوماسية في سفارات الدول المعنية.

 واستطرد موضحاً بأن القرار يشمل الذكور من سن ١٨ وحتى ٤٢ عاماً، وبالتالي على اللاجئين الفارين من الخدمة أو من هم في سن الخدمة، إما تقديم طلب لاحق بواسطة محام أو بشكل شخصي أو أن يأتوا إلينا لمساعدتهم مجاناً في هذا الأمر (داخل ألمانيا)، وفق وصفه.

بدوره، لفت الصحفي والخبير في شؤون اللجوء "فلاح إلياس" إلى أن محكمة العدل الأوروبية نصت في قرارها على منح اللاجئ حق اللجوء لثلاث سنوات وليس فقط الحماية الثانوية لأن رفض أداء الخدمة الإلزامية في كثير من الحالات هو تعبير عن قناعة سياسية أو دينية أو انتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة في البلد، ولكن أمام مكتب الهجرة -كما قال- مهمة فحص الطلبات كلاً على حِدة، فقد يكون الفرار من الخدمة تعبيراً عن الخوف فقط، مضيفاً أن هناك في سوريا جرائم حرب وممارسات ضد الإنسانية من قبل جيش النظام ومن لا يريد المشاركة في هذه الجرائم، يُعتبر موقفه هذا سبباً كافياً للهروب من الخدمة الإلزامية والبحث عن بلد للجوء إليه.

(الصحفي فلاح إلياس)

 واستدرك "فلاح" أنه يجب أن يكون هناك رابط بين الفرار من الخدمة الإلزامية وأحد الأسباب الخمسة التي تساعد على الحصول على اللجوء، وهي أن يكون الشخص ملاحقاً بسبب عرقيته (من عرق معين) أو بسبب دينه أو جنسيته أو بسبب قناعته السياسية أو بسبب انتمائه إلى مجموعة اجتماعية معينة.

ومن جهته، أشار الصحفي المهتم بشؤون اللجوء وقضايا اللاجئين "دحام الأسعد" لـ "اقتصاد"، إلى أن تطبيق هذا القرار أمر جيد للاجئين السوريين لأن أغلب هؤلاء اللاجئين وخصوصاً فئة الشباب ممن لديهم حماية مؤقتة لا يحق لهم السفر خارج ألمانيا لأنهم بحاجة إلى جواز سفر يتم إصداره حصراً من سفارة النظام، وفي حال منحهم لجوءاً كاملاً يحق لهم الحصول على وثيقة سفر ألمانية وحق الحماية.

(الصحفي دحام الأسعد)

 وأضاف الأسعد المقيم في ‏كوبنهاغن أن القرار الجديد يمنح المشمولين إقامة أطول وعدم خوف من سحب الإقامة ومخاوف اللجوء الأخرى، وتابع أن هناك الكثير من اللاجئين جاءوا إلى ألمانيا تحت سن الـ 18 وباتوا بحكم المطلوبين للخدمة الإلزامية لدى النظام ومنحهم لجوء حماية يمنع من إعادتهم إلى سوريا في ظل وجود النظام.

وأعرب المصدر عن اعتقاده بأن هذا القرار سيتم تطبيقه في دول أوروبية غير ألمانيا وهذا التطبيق تبعاً لأوضاع الدول ومدى التزامها بقرارات المحكمة الأوروبية كفرنسا مثلاً التي تلتزم بهذه القرارات بعكس السويد والدانمارك، واستدرك أن أي لاجئ في سن الخدمة الإلزامية أو فرّ منها يمكنه إبراز قرار المحكمة الأوروبية في ملف لجوئه لدى محاكمته، وسيكون هذا القرار موضع تنفيذ لدى هذه المحاكم حتى لو أن الدول لم توافق عليه أو تأخذ به لأن المحاكم في أوروبا مستقلة في قراراتها.

ورأى الناشط "محمد نايف" أن قرار المحكمة الأوروبية في لوكمسبورغ أعاد الأمل والحياة للغالبية العظمى من السوريين الذين تعرضوا للظلم أينما ذهبوا في بلدهم الأم سوريا وخارجها، ولاسيما قرارات اللجوء التي هي حق شرعي وإنساني من حقوق لاجئي العالم المضطهد حسب معاهدة جنيف. وأردف أن الكثير من هؤلاء اللاجئين حصلوا على الحماية الثانوية الفرعية التي تتضمن شروطاً ومتطلبات قاسية للوصول إلى الإقامة الدائمة التي هي بمثابة سفينة نوح وبر الأمان ومفتاح الاستقرار النفسي والمعنوي للنجاة من سواد العالم أجمع وتخاذله حيال السوريين.

(الناشط محمد نايف)

وتابع محدثنا أن حامل الإقامة الثانوية حُرم من وثيقة السفر أيضاً وأجبر أحياناً على الذهاب إلى سفارة النظام المجرم ودفع مبالغ طائلة للحصول على وثائق.

 وروى اللاجئ القادم من حمص أنه كان أحد الأشخاص الذين حرموا الخروج من ألمانيا وزيارة أهله وأقاربه وبات –كما يقول- أشبه ببالع الموس على الحدين إما أن ينسف مبادئه وقيمه وأخلاقه ويخون نفسه وأرواح الشهداء ويذهب إلى سفارة الإجرام وإما أن ينتظر بارقة أمل كغيره من آلاف الشبان في بلدان اللجوء.

ترك تعليق

التعليق