"اقتصاد" يبحث في خفايا الفساد داخل المؤسسة الدينية بسوريا


تبدو العلاقة بين رأس النظام السوري والمؤسسة الدينية، في أفضل حالاتها، وليس أدل على ذلك، من مشاهد الحفاوة التي حظي بها بشار الأسد خلال حضوره الاجتماع الدوري الموسع الذي تعقده وزارة الأوقاف لـ "العلماء والعالمات" في جامع العثمان بدمشق.

ما يبدو التفافاً للمؤسسة الدينية حول الأسد، ليس دليلاً على الولاء المطلق، وإنما دليل على اختراق واضح لهذه المؤسسة، وربما دليل على مصلحة متبادلة، ولا تعني بالضرورة مصلحة كل المشايخ الموجودين في مناطق نفوذه.

كيف اخترق النظام المؤسسة الدينية؟

في تفسيره، لكيفية تمكن النظام السوري من اختراق المؤسسة الدينية، يقول المفكر السوري المعارض، برهان غليون، إن "السيطرة على المؤسسة الدينية، تم من الداخل عن طريق دعم العناصر الضعيفة فيها نفسياً أو أخلاقياً، ودفعها الى إزاحة السلطة الرمزية القائمة وتسفيه أي سلطة رمزية دينية فيما بعد، بانتقاء أسوأ العناصر وأكثرها سفاهة ووضعها على رأس المؤسسة، وبالتالي إفقاد المؤسسة بأكملها وما تمثله من نشاط ونشطاء وقيم وعقائد وأفكار، أي صدقية أو اعتبار".

حسون على رأس المؤسسة

يصفه معارضوه بـ "الحكواتي والقصّاص، ومفتي البراميل".

أحمد بدر الدين الحسون، المولود في بلدة ياقد العدس في ريف حلب الشمالي، عمل خطيباً في جامع الفرقان بحلب، ومدرساً بجامع آمنة بنت وهب بسيف الدولة بحلب، وخدم عسكريته في أحد فروع المخابرات ولا يعلم زملاؤه هل انتهت خدمته أم بقيت مستمرة بصفة أخرى؟!، وبقي الارتباط الأمني حتى خلال إقامته في مدينة جدة في السعودية لفترة. عُين مفتياً لحلب في عام 2002، ثم مفتياً لسوريا خلفاً للمفتي الراحل أحمد كفتارو، في العام 2004.

تُكنّ كثير من الأوساط الدينية والشعبية الحلبية الاحترام والتقدير لوالده الراحل الشيخ المتصوف أديب حسون، لكن هذا الموقف يتبدل تجاه نجله.

يقول الشيخ عمار طاووز، رئيس فرع رابطة العلماء السوريين في غازي عنتاب، إن مسيرة الحسون سلبية منذ خمسة عقود، فهو محسوب على السلطة المستبدة منذ كان طالباً في الخسروية، ولم يترك فرصة إلا ومجّد فيها آل الأسد وحزب البعث والمسؤولين، وهذا قبل تسلمه حتى منصب مفتي حلب.

ويضيف لـ"اقتصاد"، أن الحسون كان ولا زال مستفيداً من النظام، وهو جزء مهم من المنظومة الأمنية ومنظومة الفساد فيه مؤكداً أن "نجل الحسون: عبد الرحمن، كان ولا زال يتولى إدارة أعماله، من شركات وعقارات"، ويلفت في هذا السياق إلى حصول عبد الرحمن على الجنسية السودانية.

وهنا يشير "طاووز" إلى المصالح المالية القوية التي تربط الحسون بقريب الأسد، رجل الأعمال رامي مخلوف، ويقول: "الشراكة مع مخلوف قبل هذه الفترة (فترة خلاف الأخير مع الأسد) تعني الشراكة مع بشار الأسد".

ويتابع الشيخ، أن الحسون حاز على كثير من المكاسب المالية، بحكم علاقاته مع مسؤولين، وقيادات في حزب البعث ورجال الأعمال الفاسدين، ويعقب: "هذا الفساد معروف في حلب".

مصدر ثان من حلب، على صلة بعمل مديرية الأوقاف، أكد لـ "اقتصاد"، أن الحسون يدير دون رقابة من أحد ممتلكات المديرية الكثيرة، والتي لا حصر لها، من بنايات سكنية ومحال تجارية، وفنادق (الفندق السياحي)، ومبانٍ أثرية.

بدوره، قال الشيخ الدكتور زاهر بعدراني، نجل الشيخ إحسان بعدراني، إنه "حين يكون الحديث عن المؤسسات الدينية في سوريا فإنك لا تدري من أين تبدأ وكيف تنتهي، وخصوصاً أنه قُدِّرَ لي شخصياً أن أعيش تفاصيل قد تكونُ مغيبة عن الكثير من الناس داخلَ سوريا وخارجها".

وزارة الأوقاف من أغنى الوزارات المنهوبة

وأضاف: "لعلَّ مكانَةَ والدي الدكتور إحسان بعدراني، والذي كان (المستشار الديني الخاص في رئاسةِ الجمهورية العربية السورية في زمن الأسد الأب والابن حتى تاريخ خروجه من سوريا في العام الأول من انطلاق الثورة السوريّة وكذلكَ رئاسته حينها للمركز السوري للبحوث والدراسات الدينيّة الاستراتيجيّة والذي كان مقرُّهُ في مبنى مكتب الأمن القومي بحيِّ الروضةِ بدمشق)، يجعلني أبحر في عُباب بحر متلاطم بالفساد والمفسدين من أصحاب العمائم العفنة والكروش النّهمة وأفهمُ تركيبةَ الأوقاف من داخلها، وضمن حلقاتها الضّيقة".

وتابع: "قد يبدو الموضوع في الوهلة الأولى عبارة عن مجرّد تسليط ضوء حول عمليات فساد تمت ممارستها هنا وهناك، ولكنّكَ سرعان ما تجد في زوايا هذا البحث مادّة دسمة تفوقُ الوصف وتتعدّى الخيال، فالأوقاف السورية كانت وما تزال من أغنى الوزارات المنهوبة على الإطلاق في سوريا حتى تكاد تكونُ في ميزانيّتها بالمرتبة الثانية بعد وزارة الدّفاع، مع فارق جوهري وهو اكتفاؤها - أي الأولى - ذاتياً بفضلِ الإيرادات الشهريّة من أموال الوقف (المنهوبة منذ عقود) منذ استلام حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة في سوريا".

وأضاف: "اضطلع مدراء الأوقاف (جلّهم وليس كلهم) تحديداً بمهمّة نهب وسلب أموال الأوقاف لصالحِ الجهاتِ الأمنيّة في سوريا على امتداد مساحة ورقعة القطرِ وترامي محافظاته، لدرجة أنّه يمكنك معرفة المرضيِّ عنه منهم أو المسخوط عليه من خلال حساب السنوات التي حظيَ بها أحدهم على كرسي وظيفته، ناهيكَ عن ملاحظة تدرُّجِ ثرائهم الفاحش خلال فترة الوظيفة وما بعدها (تحديداً مدراء الأوقاف)".

وزارة الأوقاف أمنية بامتياز

وقال "بعدراني": "قد يسأل البعض هنا: إذا كان هذا حال مدراء الأوقاف فما بال وحال وزراء الأوقاف إذاً؟ أولاً: وزارة الأوقاف هي وزارة أمنية بامتياز، يخضع تعيين وزيرها ومفاتيها للكثيرِ من الدّراسات الأمنيّة والتي تأخذ بعين الاعتبارِ دقائق قد تكون في نظر آخرين مجرّد تفاصيل صغيرة لا قيمة لها، مثال ذلك دراسة مكان تولد الشخص ومحافظته، وأذكر هنا حديثاً للعماد آصف شوكت مع والدي (وكان يومها لواء في شعبة الأمن العسكري ونائباً للواء حسن خليل)، في معرض حديث الوالد عن فساد وزيرِ الأوقاف السوري حينَها د. زياد الدين الأيوبي -الذي باعَ سُجّاد المسجد الأمويّ ـ اليَدَوي ـ ذو القيمة التاريخية والأثرية النادرة- فقد تمَّت سرقته من المسجد الأموي بحجة تنظيفه ثمّ إعادته من جديد، ثمّ تبخر كلّه واختفى واستُعيض عنهُ بالسجّاد (الرُّولات الطويلة ذات اللون الموحّد)".

ينوه "اقتصاد" أنه يورد المعلومات آنفة الذكر، وما سيتلوها، على ذمة المصدر، الشيخ الدكتور زاهر بعدراني.

ويضيف بعدراني: "محطُّ الشاهد قولُ شوكت لوالدي: المشكلة التي تعترضنا دوماً في قرار تعيينك وزيراً للأوقاف أنّكَ من (مواليد حماة) فوالدي من مواليد حماة دبّاغة، وقد كان القرار الأمنيُّ على ما يبدو باستبعاد أيّ شخصٍ من مواليد حماة عن منصب وزير الأوقاف (أي وزير المؤسسسة الدينيّة) كون أحداث حماة ونشاط الإخوان المسلمين فيها وحراكهم في الثّمانينات ما يزال ماثلاً أمام المنظومة الأمنية في سوريا ومأخوذاً بعين الاعتبار، وقد سمعت كلاماً مشابهاً من اللواء بهجت سليمان حين تمّ ترشيح اسم والدي والشيخ عبد الله دك الباب لمنصب مديرِ أوقاف دمشق، وحظيَ به دكّ الباب لاعتبارات شتّى (منها جانب مكان الولادة)".

الرضا عن وزير الأوقاف بملأ أفواه الأجهزة الأمنية

وتابع: "لم يكن الوزير الأيّوبي هو الوحيد الذي سرق من وزارة الأوقاف، لكنه كان مكشوفاً للبعيد والقريب، وهو ابن أسرة فقيرة من دمشق ـ فيها الصّالحُ والطالحُ ـ تعيشُ على سفح جبلِ قاسيون".

وأضاف: "لقد كان الرضا عن الوزيرِ متمثِّلاً بقدرة مدراء الأوقاف مَلءَ أفواه الأجهزةِ الأمنيّة وجشعهم حتى الثُّمالةِ. وقد نجح بذلك محمد زيادة ابن سرغايا إلى حد كبير، بينما أداء زياد الأيوبي المكشوف لم يُسعفهُ لمواصلة نهب الأوقاف. وما يزال السَّيد الابن يحصد ما كان والده قد زرعهُ وعبَّده له في ذلك الطريقِ".

محمد زيادة، هو وزير الأوقاف الأسبق من عام 1996 حتى 2004. تسلم الوزارة بعده، زياد الدين الأيوبي حتى عام 2007. ليتسلم بعده، محمد عبد الستار السيد، حتى الآن. ووزير الأوقاف الحالي، هو نجل وزير الأوقاف الأسبق، عبد الستار السيد، الذي تولى الوزارة بين عامي 1971 و1980.

(يتابع "اقتصاد" نشر شهادة الشيخ الدكتور زاهر بعدراني، حول خفايا الفساد داخل المؤسسة الدينية بسوريا، في تقرير ثانٍ، تجنباً للإطالة)

ترك تعليق

التعليق