ألمانيا.. هل تتوسع الفجوة في جدار منع ترحيل السوريين؟


بعد مداولات ومناقشات على مدى أيام وخلافات حادة بين وزراء الداخلية للمقاطعات الألمانية، خرج المجتمعون بقرار ينص على عدم تمديد حظر الترحيل للسوريين، وحصر الترحيل بدءاً من العام القادم 2021 بفئة المجرمين الخطرين والأشخاص الذين يشكلون تهديداً للسلم والأمن العام لجمهورية ألمانيا الإتحادية، وذلك بعد دراسة كل حالة على حدى وفق ما جاء في مضمون القرار الذي تناولت وسائل الإعلام الألمانية أبرز ما جاء فيه.

قرار وزراء الداخلية الأخير، والذي فتح فجوة في جدار منع ترحيل السوريين المقرر منذ عام 2012، حمل في طياته وبين سطوره، الكثير من الأسئلة، وأثار الكثير من الشكوك، سواء بين السياسيين الألمان أو بين المراقبين والمهتمين بشؤون اللاجئين السوريين في ألمانيا، عن مدى إمكانية تطبيق القرار في ظل عدم وجود علاقات دبلوماسية مع نظام الأسد.

وهو ما أشار إليه الدكتور إبراهيم النجار، وهو برلماني ألماني من أصل سوري وينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني SPD المعارض بشدة لقرار الترحيل، إذ لم يخف النجار في حديث خاص لـ "اقتصاد"، توجسه ومخاوفه من القرار، واحتمالية توسع فجوة الترحيل لتشمل فئات أخرى من السوريين قد تشكل إعادتهم إلى سوريا خطراً على حياتهم، متسائلاً في نفس الوقت عن  جدوى ذلك القرار في ظل عدم وجود مكان آمن في سوريا لإرسال هؤلاء الأشخاص إليه وسط تقاسم السيطرة على الأراضي السورية بين النظام والمعارضة والإدارة الذاتية الكردية، وهو ما يجعل من عملية الترحيل حالياً، بحسب النجار، عملية معقدة. وخصوصاً إلى مناطق سيطرة النظام، وهو أمر يتطلب إعادة العلاقات الدبلوماسية المنقطعة بين ألمانيا والنظام، وهو ما يزيد من تعقيد عملية الترحيل.


ويرى النجار أن نظام الأسد هو المستفيد الوحيد من هذا القرار الذي سوف يستغله للترويج لنفسه مجدداً، على أنه نظام قانوني وشرعي معترف به من قبل الدول الأخرى، ويعزز من روايته  التي جاءت على لسان مسؤوليه من اتهامات للاجئين السوريين في ألمانيا بأنهم مجرمون وإرهابيون، ويجب على ألمانيا الحذر منهم وإعادتهم.

وفي سياق متصل، وخلال حديثه لنا، أكد النجار أن المناقشات بين وزراء الداخلية والسياسيين الألمان حول إمكانية ترحيل السوريين إلى بلادهم لم تخلُ من طرح مسائل أخرى وهي السفر المتكرر لسوريين مقيمين في ألمانيا إلى مناطق النظام وقضائهم إجازاتهم الصيفية أو الشتوية فيها،  وهو ما أعطى انطباعاً لكثير من الساسة الألمان أن هؤلاء الأشخاص ليس هناك مشكلة في ترحيلهم وسيكونون بأمان لو تم ترحيلهم إلى مناطق سيطرة النظام في سوريا.

مضيفاً إلى ذلك، احتمال امتداد الترحيل إلى سوريين آخرين، ذكروا عند قدومهم إلى ألمانيا، أنهم فارون من تنظيم "الدولة الإسلامية" وتنظيم "جبهة النصرة"، وليس لديهم أي مشكلة مع نظام الأسد، وهو ما أصبح اليوم، أيضاً، موضع نقاش بين الساسة الألمان الذين يرى البعض منهم أن هؤلاء يمكن إعادتهم إلى مناطق سيطرة النظام.

كما شملت المناقشات بحسب النجار، فئة الموالين لنظام الأسد الذين يفترض ولائهم للنظام عدم تعرضهم للخطر في حال تمت إعادتهم الى سوريا وهو ما صرح به أكثر من مرة وزير الداخلية لمقاطعة بافاريا يواخيم هيرمان، وهؤلاء بحسب ما يرى النجار، هم الفئة الأَولى بالترحيل التي يجب الاتفاق بين وزراء الداخلية على ترحيلهم، وذلك لعدم استحقاقهم للجوء وميزاته، وفق اتفاقية جنيف لحقوق اللاجئين، وهم ظاهرون علناً ويخرجون بمسيرات تأييد في ألمانيا لنظام بشار الأسد.

ورغم كل ذلك التوجس والمخاوف، يرى النجار أن قيمة هذا القرار قيمة سياسية، ذلك أن قيمته  القانونية غير قابلة للتطبيق بشكل فعلي على أرض الواقع في الوقت الحالي، ولا يعدو صدور هذا القرار في توقيته الحالي كونه ورقة من أوراق الصراع السياسي بين الأحزاب الألمانية خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العام القادم.

بدوره، يرى الناشط المهتم بشؤون اللاجئين السوريين في ألمانيا، فادي موصلي أن صدور هذا القرار سيفتح الباب بكل تأكيد لقرارات أخرى لن تكون في مصلحة السوريين في ألمانيا، مؤيداً وجهة نظره بقرار سابق للحكومة الألمانية في عام 2016، علّقت من خلاله حق لم الشمل لأصحاب إقامة الحماية الثانوية، والذي كان مجحفاً بحق السوريين، وبالرغم من إعادة تفعيل لمّ الشمل، وحصر العدد المسموح بلم شمله، شهرياً، بـ 1000 شخص، إلا أن الحكومة الألمانية لم تفِ بذلك وما تزال مشاكل أصحاب الحماية الثانوية مستمرة مع لمّ الشمل حتى اليوم.


وأضاف موصللي، أن صدور قرار بإمكانية ترحيل فئة من السوريين مهما كانت قليلة ومحدودة، من شأنه ليس فقط فتح أبواب أخرى، بل تغيير سياسة الحكومة الألمانية تجاه ملف لجوء السوريين إلى ألمانيا، وربما يكون له تأثيرات على طالبي اللجوء الجدد من السوريين القادمين إلى ألمانيا.

ودعا موصللي اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى التعاون مع المنظمات المعنية بحقوق اللاجئين، والمشاركة في الوقفات الاحتجاجية التي تدعو لها تلك المنظمات والجمعيات.

وبرغم كل تلك المخاوف والتساؤلات التي طرحها صدور القرار، يتفق كل من النجار وموصللي أن السوريين باندماجهم ودخولهم سوق العمل وحقل التدريب المهني، واشتراكهم بالحياة السياسية،  يمكنهم تفادي أي قرار في مواجهتهم، ولا يجعل منهم ورقة سياسية بين الأحزاب الألمانية، داعين اللاجئين السوريين في ألمانيا إلى الابتعاد عن المشاكل وكل ما يخل بأمن وسلامة المجتمع الألماني.

ترك تعليق

التعليق