من حرم السوريين من محروقاتهم؟.. ثلاثة أجوبة ليس من بينها "قيصر"


أكدت وزارة النفط التابعة لنظام الأسد، يوم الأحد، ما كانت قد مهّدت له وسائل إعلام موالية، قبل أيام، ودعّمته ملامح أزمة وقود جديدة، تبدت منذ الأسبوع الماضي، إذ أعلنت الوزارة أنها خفّضت كميات البنزين الموزعة على المحافظات بنسبة 17%، وكميات المازوت بنسبة 24%.

كانت مصادر إعلامية موالية، قد أشارت إلى أن الوزارة وجّهت بتخفيض مخصصات البنزين والمازوت، قبل عدة أيام من الإعلان الرسمي يوم الأحد.

وقالت الوزارة في بيان تداولته وسائل الإعلام، إن هذا التخفيض سيكون مؤقتاً لحين وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها.

وأرجعت الوزارة هذا التخفيض إلى "تأخر وصول توريدات المشتقات النفطية المتعاقد عليها إلى القطر بسبب العقوبات والحصار الأمريكي الجائر ضد بلدنا وبهدف الاستمرار في تأمين حاجات المواطنين وإدارة المخزون المتوافر وفق أفضل شكل ممكن".

ودأب مسؤولو نظام الأسد في السنتين الأخيرتين على ربط كل أزمات السوريين المعيشية المتصاعدة، بالعقوبات الغربية. وازداد هذا النهج في الخطاب، منذ توقيع قانون "قيصر"، قبل عام، وقبل حتى دخوله حيز التنفيذ الفعلي.

كانت ازدحامات على محطات الوقود، بسبب عدم توفر البنزين، قد تم رصدها قبل إعلان الأحد، بعدة أيام، وفق مصادر محلية متقاطعة.

وفيما تحصر حكومة النظام أسباب أزمة المحروقات الجديدة، في عامل وحيد، هو العقوبات الغربية، وتحديداً الأمريكية منها، ضمن ما يُعرف بـ "قانون قيصر"، يتبدى جلياً أثر ثلاثة عوامل أخرى على الأقل، لا ترتبط فعلياً بالعقوبات.

أول هذه العوامل، هجمات تنظيم "الدولة الإسلامية" على صهاريج نقل النفط العاملة لصالح "شركة قاطرجي"، والتي تنقل النفط الخام من مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية – قسد"، في "شرق الفرات"، إلى مناطق سيطرة النظام.

وكثّفت خلايا التنظيم الناشطة في البادية السورية هجماتها على قوافل نقل النفط، في الأسبوع الأخير، الذي سُجل فيه هجومان على الأقل.

لكن ما تحصل عليه حكومة النظام من توريدات نفطية من "شرق الفرات"، يشكل جزءاً محدوداً من الاستهلاك اليومي لمناطق سيطرتها، وهو ما ينقلنا لعامل آخر عمّق أزمة المحروقات مؤخراً، إذ جاء حديث الإعلام الموالي، خلال الأسبوع الماضي، عن تخفيضات في مخصصات المحروقات الموزعة في البلاد، مباشرةً، بعد تفجيرٍ طال مخازن محروقات في بلدة القصر اللبنانية على الحدود مع سوريا.

ويُعتقد أن النظام يحصل على جزء من محروقاته عبر الأراضي اللبنانية، التي تستقبل حاملات نفط، بهدف التهرب من مسار النقل المباشر إلى الموانئ السورية، خشية ملاحقة البحرية الأمريكية لتلك الحاملات. إلا أن هذا العامل، هو الآخر، محدود الأثر. ذلك أن عاملاً ثالثاً، يُعتقد أنه هو العامل الجوهري المسبب لأزمات المحروقات المتلاحقة خلال السنتين الأخيرتين، وهو المرتبط بعجز النظام المالي.

وبهذا الصدد، نُشير إلى تقرير قديم يعود إلى نيسان/أبريل 2020، حيث أشار موقع "Tanker Tracker" المتخصص في تتبع ناقلات النفط، أن عدة سفن إيرانية رست بالقرب من ميناء في سوريا.

وقال تقرير لموقع "قناة الحرة"، يعود إلى التاريخ المشار إليه أعلاه، أن إيران زادت من صادراتها من النفط لنظام الأسد في سوريا، خلال العام 2020، بخلاف التوقعات، وذلك رغم تعرضها لعقوبات أمريكية مشددة.

وقال موقع راديو فاردا الإيراني المعارض إن نظام الأسد أزاح الصين من المرتبة الأولى بين مستوردي النفط الإيراني خلال الثلث الأول من 2020.

ما سبق يدعم النظرية التي تقول إن المشكلة لدى النظام لا تتعلق بمصادر أو مسارات الحصول على توريدات المحروقات، بل في كيفية الدفع لها.

وما يدعم هذه النظرية أكثر، التساؤلات حول لماذا لا يستورد نظام الأسد النفط من روسيا، إحدى أبرز منتجيه حول العالم؟ والإجابة هنا لا ترتبط بمخاوف روسيا من استيلاء أمريكا على ناقلات نفط تعود لها، إذ لم يسبق أن حدث ذلك. وفي سابقة، "غريس 1"، في صيف 2019، وهي ناقلة النفط الإيرانية العملاقة التي أوقفتها سلطات مضيق جبل طارق التابعة لبريطانيا، في طريقها إلى الموانئ السورية، قامت إيران حينها باحتجاز ناقلة نفط تحمل العلم البريطاني، كردٍ على الإجراء البريطاني، مما دفع لندن للإيعاز لسلطات حكومة مضيق جبل طارق، بالإفراج عن ناقلة النفط الإيرانية، التي وصلت في نهاية المطاف إلى قبالة السواحل السورية، الأمر الذي يؤكد أن المخاوف من احتجاز ناقلات النفط إلى سوريا، خاصة القادمة من إيران أو روسيا، محدودة، نظراً لأن الدولتين قادرتين على الرد بطرق عديدة، قد تشكل مخاطر على الطرق البحرية لنقل النفط حول العالم، خاصة في حالة إيران، في مضيق هرمز بالخليج العربي.

كل ما سبق، يدفع إلى قراءة مفادها، أن تأثير العقوبات الغربية، والأمريكية خصوصاً، محدود حيال توريدات المحروقات إلى سوريا، وأن أبرز العوامل التي تتسبب بأزمات المحروقات المتكررة بمناطق سيطرة النظام، هي عجز النظام عن الدفع لقاء تلك التوريدات. إلى جانب عوامل أخرى مؤقتة التأثير، كفقدان السيطرة على طرق نقل نفط شرق الفرات عبر البادية، أو حريق مخزون نفط ضخم على الحدود اللبنانية – السورية.

ترك تعليق

التعليق