كيف يُوزّع مازوت التدفئة المدعوم في درعا؟


على الرغم من مرور نحو شهرين على بداية فصل الشتاء ببرده القارس، إلا أن آلاف الأسر في محافظة درعا، لم تستلم حتى اللحظة مادة مازوت التدفئة، التي يتم توزيعها على العائلات، عبر ما يعرف بـ "البطاقة الذكية"، والتي يفترض أن تكون في حوزة الأهالي منذ شهر أيلول من العام الماضي.

ويشير عدد من الأهالي في المحافظة، إلى أن عمليات توزيع مادة المازوت عبر البطاقة الذكية، متوقفة في العديد من مناطق المحافظة، ولاسيما في قرى وبلدات ريف درعا الغربي، دون معرفة الأسباب، الأمر الذي فاقم من معاناة آلاف الأسر، مع توالي انخفاض درجات الحرارة لا سّيما ليلاً، وتسبب بزيادة عدد حالات الأمراض التنفسية الناتجة عن عمليات التدفئة، باستخدام بدائل مضرة مثل البلاستيك والكاوتشوك في ظل غياب البدائل الصحية كالكهرباء.
 
وأشارت المصادر، إلى أن معاناة الأهالي المعيشية وصعوبة تأمين الاحتياجات الضرورية، بسبب الفقر والغلاء الفاحش وغياب الموارد، أصبحت سمة أساسية من سمات القهر في محافظة درعا، في ظل سلطة نظام الأسد، وهو ما يعيد إلى الأذهان بدايات الثورة السورية، وفترات الحصار القاسية التي كانت تفرض على المناطق الثائرة، عندما كان النظام وبعض الفصائل المتشددة، تقطع عنها كل سبل الحياة من أجل إجبارها على الإذعان.
 
ولفتت مصادر مطلعة في المحافظة، إلى أن مؤسسات النظام وزعت مادة المازوت المدعوم الخاص بالتدفئة على الأهالي، بطريقة انتقائية، أعطت الأولوية فيها للمناطق الموالية تقليدياً، ويقصد بذلك المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام طيلة فترة الحرب السورية، مثل: درعا المدينة ومنطقتي الصنمين وازرع، تلتها المناطق التي يسكنها بعض العائلات الموالية، حيث تم تخصيصها حصرياً بالمادة، عبر وساطات واستثناءات خاصة.

وقالت المصادر، إن لأسر قوات النظام وقواته الرديفة، ولأسر قتلاه، كانت النسبة الأكبر من الاستثناءات، حيث تم توزيع المادة على تلك الأسر بشكل عاجل، وأتى بعدها الأسر المدعومة من الجهات الأمنية والمسؤولين المحليين وكبار الموظفين، فيما تركت آلاف الأسر دون مازوت، تستخدم ما يتوفر لها من مواد قابلة للاشتعال، دون النظر إلى أخطارها الصحية.

وأكدت المصادر، أن بعض الأسر المقتدرة مادياً قد لجأت إلى شراء المازوت الحر، من الباعة المنتشرين في المناطق، حيث وصل سعر اللتر ما بين 1100 الى 1200 ليرة سورية، أو قامت بشراء الحطب بسعر ما بين 250 و300 ألف ليرة سورية للطن، فيما اشترت أسر أخرى حصص بعض المستفيدين من المازوت المدعوم، بـ 900 ليرة سورية للتر الواحد.

وبينت المصادر، أن الكثير من الأسر التي باعت مخصصاتها، التي حصلت عليها عبر البطاقة الذكية، قد لجأت إلى هذا الخيار إما لأنها تعتمد على الحطب والمواد البديلة في عمليات التدفئة، أو لأنها اضطرت لبيعها تحت ضغط الحاجة، من أجل شراء بعض الضروريات التي تعتبر الأهم في سلم أولوياتها.

وأشارت المصادر، إلى أن المعتمدين لعبوا دوراً كبيراً في عمليات التوزيع "غير العادل" لمادة المازوت لا سّيما في القرى والبلدات، لافتة إلى أنهم يحابون بعض الأشخاص على حساب الآخرين، ويعطون الأفضلية في التوزيع لأنفسهم أولاً، ولكل ما يتعلق بهم من صلات قربي وصداقة ثانياً.

وأوضحت المصادر، أن فرع محروقات التابع للنظام في المحافظة والمعني بتوزيع مادة المازوت، يطلب من المعتمدين في كل مرة ترشيح عدد محدود من البطاقات، لعدم توفر كميات مازوت كافية توزع على جميع البطاقات دفعة واحدة.

وأردفت أن دور المعتمد يظهر في هذه الحالة، حيث يقوم بترشيح بطاقات الأشخاص الأقرب، ويترك البطاقات الأخرى للمرات اللاحقة، التي قد تستمر أشهراً، أو تكون الحاجة لمازوت التدفئة قد انتهت، وأصبحت غير ضرورية في عمليات التدفئة، كما حدث مع آلاف الأسر التي لم تتسلم مخصصات العام الماضي.
 
ويشير "أبو عثمان"، 60 عاماً، وهو مزارع من ريف درعا الغربي، أنه لم يستلم مستحقات الدفعة الثانية من مادة المازوت عن العام الماضي، معبراً عن اعتقاده أن هذا العام سيكون كما سابقه.

فيما قال "أبو قاسم"، 40 عاماً، وهو عامل مياوم، إنه اضطر لبيع حصته من مادة المازوت، لأنه فعلياً لا يملك ثمنها، مشيراً إلى أنه للعام الثاني على التوالي لا يشتري أي نوع من أنواع المحروقات، لعدم تمكنه من جمع ثمنها في ظل الظروف الحالية.
 
ولفت إلى أنه باع حصته من مادة المازوت من أجل الاستفادة من ثمنها في الإنفاق على إطعام أسرته المكونة من خمسة أفراد، موضحاً أنه يستخدم في منزله مدفأة حطب للتدفئة والطبخ معاً ويستخدم فيها ما يتوفر له من مواد قابلة للاشتعال، بدءاً بالملابس البالية وصولاً إلى الدواليب المهترئة والأحذية.

يشار إلى أن المستفيدين من مادة المازوت المدعوم، غالباً ما يتعرضون للابتزاز والسرقة، من قبل جهات حكومة النظام المكلفة بتوزيع هذه المادة، سواء عبر محطات الوقود، أو عبر الصهاريج التي تصل إلى الأحياء، حيث أكد عدد من الأهالي، أن الكميات التي يحصلون عليها هي دائماً أقل من 100 ليتر، فيما أكد آخرون، أن المعتمدين يحصلون على أثمان أكثر من السعر المحدد بحجة أجور النقل.

ولفتوا إلى أنهم إذا اشتكوا، فإن شكاواهم لا تصل إلى المعنيين، وإن وصلت فإنها لا تحصّل حقوقهم، لذلك يفضلون الصمت، درءاً للانتقام منهم في المرات اللاحقة.

ترك تعليق

التعليق