الموقع الجغرافي للمشاريع التجارية والخدمية.. مشكلة، أو فرصة لا تُفوّت


يعتبر البحث والتقصي بغية اختيار موقع جغرافي للبدء بمشروع تجاري، بنداً مهماً، لا يقل أهمية ولا ينقطع عن السلسلة التي تتضمن دراسة السوق وحاجياته، وأماكن الاستيراد والكميات المطلوبة.

 فبعد كل ما سبق من عناصر السلسلة والبحث ورصد الميزانية، يجب قبيل البدء بالمشروع التجاري، اختيار النقطة الجغرافية التي يجب شراءها وتشييد بناءها، أو استئجارها قبل الإعلان عن المشروع التجاري، بعناية فائقة. فكم من مشروع استوفى كل الشروط السابقة من تشييد للبناء، وتصميم جيد، وميزانية مناسبة لمشروع تجاري، لكن؛ كان لاختيار الموقع الجغرافي غير المناسب، دور رئيس في خسارته، وعدم تحقيق المكاسب التي كان يمكن أن تعود على صاحبه، إذا ما كان لموقعه الجغرافي، مكان آخر ومناسب. والعكس صحيح.

 وإذا ما حالف الحظ الجغرافي، محلاً تجارياً بعينه، فهو يساعد على توسيع المكان، واستيراد بضائع أكثر، ليعود على صاحب المشروع بعائدات أكثر، ليذهب به الحال باتجاه التنوع بأصناف مبيعاته.

وبما أن اختيار الموقع الجغرافي، يعتمد في آلية بحثه على معرفة نقطة التجمع السكاني، (المراكز التجارية للمدن)، وما هي حاجيات السوق؟، ونسبة الكميات التي يجب استيرادها، وما لا ينبغي عرضه، وما ينبغي عرضه، بحسب ثقافة المدينة التي يجب افتتاح مشروع تجاري فيها، إضافة لأدق التفاصيل التي يجب التركيز عليها، كوضع نمط معين من الأغاني، أو الأناشيد في المحل، إذا ما تطلب الأمر ذلك.. كل ما سبق، وإن توفر، فإنه يتطلب جانباً إضافياً في سوريا وفي بلدان الحروب عموماً، يتعلق بوجود إدراك للواقع السياسي والعسكري، ووضع الاحتمالات، أكثرها سوءاً، وأفضلها، وذلك لاختيار الموقع الجغرافي قبل البدء بالمشروع التجاري.

 تناقش هذه المادة تجربة مشروعين خدميين في ريف حلب الشمالي، تسبب الموقع الجغرافي في نجاح أحدهما، فيما تسبب في خسارة المشروع الآخر، لأسباب جيوسياسية.
 
ففي سوريا، تتقاسم عدة جهات عسكرية الخريطة السورية، إذ يسيطر النظام السوري وحلفائه على المساحة الأكبر ضمن الخارطة السورية، تليه قوات سورية الديمقراطية ومن ثم قوات المعارضة السورية. تعدد الجهات العسكرية التي تتقاسم خريطة سوريا، وسّع من خطوط الجبهات المتداخلة ببعضها، مما سبب لأن تتحول مدن، كانت مراكز مهمة تجارية ومصدرة للبضائع، إلى مدن استهلاكية ومستوردة، والسبب يكمن بالموقع الجغرافي الذي فرضه الواقع العسكري عليها، أيضاً انتقلت مدن وقرى حدودية كانت تعتبر سوق عبور ترانزيت ومواقع لأسواق مستهلكة، إلى مدن مصدرة ومصنعة للكثير من البضائع، ويعود ذلك بدوره للواقع العسكري الذي سببته المعارك وتقاسم الجغرافيا بين تلك الجهات، التي تتقاسم سوريا.

 فيما يلي مثال لمطعم "علولو" في مدينة الباب، والذي كان لفترة زمنية ليست بعيدة نقطة عبور على الأوتوستراد الدولي، مما كان يضع إدارة المطعم أمام ضغط عمل، أدى لتوسع المشروع، بحيث لا يقتصر على نقطة استراحة وتقديم المأكولات فقط، ليصل لاستراحة كبيرة توفر تصليح وصيانة وغسيل السيارات، وأماكن تخزين وأحياناً نقطة للمنامة، لكونه كان يلبي حاجيات المسافرين القادمين أو الذاهبين إلى حلب. بينما الآن، وبسبب موقعه الجغرافي الذي تحول لخط جبهة عسكرية بين قوات المعارضة السورية وقوات النظام السوري، إذ لا تبعد مواقع النظام السوري عن المطعم خط نظر واحد -كيلو متر، ليتحول المطعم والاستراحة، لمطعم فقط يقدم مأكولات لزبائنه الذين يقصدون الذهاب إليه، بينما كان سابقاً تحت أنظار المسافرين.
 
في المقابل، مشروع مطعم "كبصو" في مدينة أعزاز، الذي يتخذ مكاناً بالقرب من الدوار الغربي من مدينة أعزاز المسمى حديثاً دوار الجمال، وتعتبر هذه النقطة الجغرافية، محطة عبور واستراحة للمسافرين القادمين من وإلى تركيا، ومن وإلى إدلب، إذ باتت مدينة أعزاز نقطة وصل بين مناطق سيطرة المعارضة، ليفرض الواقع العسكري والسياسي نفسه، فتحوّلت أعزاز من مدينة ريفية، إلى محطة ترانزيت للبضائع القادمة من تركيا، وإلى مركز تجاري مستورد ومصدر لبيع العديد من السلع التجارية، وهذا ما انعكس بالإيجاب على مشروع مطعم كبصو الذي زاد عدد زبائنه، إذ يعتمد على بيع الوجبات السريعة للمسافرين، ما دفعه للتوسع بمشروعه وفتح عدة أفرع واستثمر محال تجارية ملاصقة لمحله.

بناء على المثالين السابقين، يتبين لنا أهمية الموقع الجغرافي لأي مشروع تجاري، والأدوات التي يجب دراستها قبل البدء بأي مشروع، ودراسة الواقع بحسب التمويل والميزانية بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص، دراسة الواقع العسكري وأهميته، وما توفر الدراية العسكرية والسياسية على أصحاب المشاريع التجارية من أموال، إذا ما عاينوا الأسباب المتعلقة بالموقع الجغرافي قبل البدء بمشروعهم. 


(الصورة المرفقة لـ دوار الجمال في أعزاز)

ترك تعليق

التعليق