بوادر انهيار اقتصادي تلوح في الأفق


منذ أيام، يتحدث العديد من المحللين الاقتصاديين العاملين في مؤسسات النظام، عن بوادر انهيار في الاقتصاد السوري، بدأت ملامحه تلوح في الأفق، مع تزايد الأزمات على كافة المستويات، فيما أصبح واضحاً أن الحكومة ليست عاجزة عن إيجاد الحلول فحسب، وإنما لم تعد قادرة حتى على إدارة هذه الأزمات.

وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، كانت الأجرأ في الحديث عن هذا الانهيار، لكنها ربطت الحل بتحرير سعر صرف الليرة السورية، وهو ما اعترض عليه الكثير من المحللين، الذين رأوا أن تحريرها في مثل هذه الظروف، يعني فضحها وتسريع الانهيار الاقتصادي.

ومن وجهة نظرهم، أن تحرير سعر صرف الليرة يجري عادة عندما تكون الدولة قادرة على أخذ قروض من البنك الدولي، على أن يتم ضخ هذه القروض في إنعاش الاقتصاد، بالإضافة إلى أن البلد تواجه عقوبات كبيرة، تمنع المستثمرين من القدوم والعمل في سوريا، وهو ما يجعل من عملية تحرير العملة بمثابة توجيه الضربة القاضية لها.

وعدا عن ذلك، فإنه في حالة مثل سوريا، يبلغ حجم مستورداتها السنوية من الأسواق الخارجية، نحو 4 مليارات يورو، وصادراتها لا تتجاوز الـ 250 مليون دولار، فإن ذلك سوف يؤدي حكماً إلى انهيار سعر الصرف إلى مستويات قياسية في حال تحرير الليرة، وفي المقابل فإن تحويلات المغتربين، وغيرها من مصادر العملات الأجنبية، كجوازات السفر وتصريف 100 دولار على الحدود بالسعر الرسمي، أو بدلات الخدمة العسكرية التي يفرضها النظام على المغتربين، لا تغطي جميعها سوى أقل من 50 بالمئة، من حجم الحاجة الفعلية للبلد من العملة الصعبة، وخصوصاً أن حجم مستوردات الحكومة لوحدها، دون القطاع الخاص، تبلغ أكثر من 2,5 مليار يورو سنوياً، وهي تشمل فاتورة استيراد المشتقات النفطية والقمح فقط.

ومن جهة أخرى، فإن من استمع أو قرأت تصريحات رئيس حكومة النظام، حسين عرنوس، قبل أيام، في مجلس الشعب، لا بد أن يكون قد لفت انتباهه، إشارته إلى صعوبة إلغاء تصريف الـ 100 دولار على الحدود، لأنه اعتبرها من أبرز وسائل دعم خزينة الدولة من العملة الصعبة، علماً إن إيراداتها، بحسب قوله، منذ بدء فرضها، في الشهر السابع من العام الماضي وحتى نهايته، بلغت أكثر من مليون دولار بقليل.. ولنا أن نتخيل في هذه الحالة مدى الصعوبات التي يمر بها بلد بحجم سوريا، يعول على مثل هذا المبلغ البسيط في إدارة اقتصاده..!

بوادر الانهيار الاقتصادي، تناوله بعض المحللين بطريقة مختلفة، من خلال ضرورة طرح ورقة الـ 5 آلاف ليرة، أو حتى الـ 10 آلاف ليرة، في أسرع وقت ممكن، بحجة التغلب على التضخم النقدي.. غير أن هذا السبب غير كاف لطرح هذه الأوراق النقدية، لأن الرواتب لاتزال على حالها، وهي بحدود 60 ألف ليرة، أي 30 قطعة من ورقة الألفين ليرة، وهذا لا يعتبر تضخماً.. لكن يمكن النظر بإمعان لمطالب إصدار قيم أعلى من الأوراق النقدية، إذا ما علمنا بأن هناك توقعات كبيرة، بأن تشهد الليرة السورية انهياراً متسارعاً في الفترة القادمة، بعد أن تتولى الإدارة الأمريكية الجديدة مقاليد الحكم، حيث يجري الحديث عن عقوبات أمريكية جديدة، تخص مناطق شمال شرق سوريا هذه المرة، تتعلق بإقامة مناطق اقتصادية مستقلة فيها.. أي باختصار وقف كل علاقاتها التجارية مع النظام، وخصوصاً تجارة القمح والنفط، التي كانت تتم بالليرة السورية، ما سيضطر النظام لشرائها من الأسواق الخارجية بالعملة الصعبة.

كثيرة هي المؤشرات التي تدل على بوادر انهيار اقتصادي في سوريا، لكن ما يتفق عليه الجميع، أن مواجهة هذا الانهيار لم تعد تنفع معه الحلول الاقتصادية، وإنما بوابته الوحيدة هو الحل السياسي مع المعارضة.. وهو حل يحاول النظام الالتفاف عليه من خلال ما يشاع عن محاولات تقارب وتطبيع مع إسرائيل، بوساطة روسية واهتمام أمريكي.. بمعنى أن النظام لديه الاستعداد للتصالح مع الشياطين على أن يتصالح مع شعبه ويتقاسم السلطة مع معارضيه.

ترك تعليق

التعليق