نازح من تدمر يصمم مجسماً ضخماً للمدينة الأثرية من مادة الجص


يعكف النازح السوري "علي طه" المقيم في الشمال السوري على تصميم مجسم ضخم لمدينته تدمر معتمداً على فطرته ومرافقته للبعثات الأثرية وعمله في الترميم لأكثر من 40 عاماً وهو الاهتمام الذي ورثه عن والده الذي كان من أفضل مُرمِمي المباني الأثرية.

 ويمثل المجسم مدينة تدمر بالكامل بمعابدها وشوارعها الأثرية وأعمدتها ومدرجها المسرحي ومدافنها البرجية والساحة العامة "الأغورا"، والتيترابيلون، والرواق العظيم ذو الأعمدة البالغ طوله 1.1 كم، بفنية عالية ودقة متناهية تحاكي الأصل.


 ويقضي الفنان الذي يعاني من ضعف نطق وسمع، ساعات طويلة في صناعة عمود واحد من أعمدة بالميرا أو بوابة أو قوس من الجص ويعمل منذ 3 أشهر بمعدل 8  ساعات في اليوم.

 وروى صالح طه ابن الفنان الفطري لـ"اقتصاد" أن والده "علي صالح طه" من مواليد مدينة تدمر 1962 ولد بإعاقة سمعية نتيجة قصر وضعف بالعصب السمعي كما يعاني ضعفاً في الكلام ولا يجيد القراءة أو الكتابة لعدم دخوله المدرسة في مرحلة طفولته.


 وأضاف محدثنا أن والده عمل مع جده صالح طه في مجال الترميم في المدينة الأثرية ضمن مديرية الآثار والمتاحف لأكثر من 40 عاماً ومنه اكتسب الخبرة الأساسية، كما عمل-كما يقول- في أعمال الترميم حتى عام 1998 وترك بعدها العمل بسبب المردود المالي الضعيف جداً من قبل الدولة حيث كان يتقاضى راتب عامل عادي، وعمل بعدها في مجال البناء والديكور المنزلي حتى العام 2004 حيث أحس حينها برغبة في العودة إلى شغفه القديم وتصميم مجسم ضخم لمدينة تدمر من الجص، فبدأ بإنشاء المجسم عام 2005 وكان يعمل في أوقات الفراغ ليلاً فحسب في حين كان يعمل نهاراً خارج المنزل لتأمين لقمة العيش حتى أتمه بعد 10 سنوات بمساحة 100 متر مربع تقريباً بمقاس 1% من حجمه الطبيعي. ولكنه تعرض للتكسير عند دخول قوات النظام إلى المدينة.


في شتاء العام  2015 نزح الفنان طه مع عائلته إلى الرقة بعد أن فقد 4 من أبنائه جراء الحرب، غير أن الظروف كانت صعبة للغاية فاضطر للنزوح ثانية إلى مدينة الباب-شرق حلب- عام 2017.

ولفت محدثنا إلى أن والده ونظراً لابتعاده القسري عن المدينة التي نشأ وترعرع فيها حلم برؤيتها وإعادة ترميمها بشكل كامل كما كانت، فعمد إلى إنشاء مجسم ثان لتدمر كما كانت قبل أن تطالها طائرات ومدافع النظام ومعاول تنظيم الدولة إبان سيطرته عليها، بمقومات بسيطة ودعم مادي شحيح إن لم يكن معدوماً –كما يقول- مضيفاً أن والده استخدم في مجسمه الجديد مادة الجص بالدرجة الأولى والخشب في أماكن محدودة، وجهد -كما يقول- على وضع لمسات فنية وتفاصيل معمارية باجتهاد شخصي دون التقيد بشكلها في الواقع وأحياناً بالإعتمادعلى ذاكرته البصرية في رؤية الآثار المتبقية واستكمال  النقص من مخيلته إذا لم يوجد دليل، وإضافة مواد معالجة تُكسب العمل ديمومة أكثر لأن الجص وحده –حسب قوله- ليس مادة قوية إذا ما تعرض للعوامل الخارجية، وحرص أن يكون العمل مقسماً إلى قطع قابلة للفك والتركيب والنقل وأبعاد القطعة 50سم ×  60سم وسطياً.


وفيما إذا تضمن المجسم الجديد تفاصيل زخرفية على السواكف أو الأعمدة أو الأبواب والأقواس أم كانت مهمة والده إظهار الشكل الخارجي للمدينة فحسب، أشار المصدر إلى أن هذه التفاصيل على أرض الواقع دقيقة جداً ولا يمكن إبرازها بمجسم صغير، وللأسف فالكثير من المعالم الأثرية التي تظهر في المجسم اندثرت أو طالها التخريب والدمار-كما يقول- ومنها "المعبد الأكبر" و"حرم معبد بل" و"أسد اللات" الذي كان يحرس بوابة متحف تدمر الأثري، و"قوس النصر" وقسم من واجهة المسرح الروماني، و"معبد بعلشمين".


 وتابع أن "الخراب الذي ألحقته قوات النظام وتنظيم الدولة بهذا الإرث التاريخي العالمي خلال السنوات الماضية حفّز والده على تخليده في هذا المجسم".

 وبحسب محدثنا فإن هدف مشروع مجسم تدمر هو لفت أنظار العالم إلى الأزمة التي تعصف بالتراث العالمي وأعمال النهب والتدمير التي طالت آثاراً تعود إلى حقب بعيدة ومن أجل تسليط الضوء على جمالية هذه الآثار وما تحمله من معان ودلالات في مجتمعاتنا الإنسانية المعاصرة.  إضافة إلى تبصير أبناء تدمر الصغار بآثار  مدينتهم التي لم يروها.

ترك تعليق

التعليق