استشراف أداء الاقتصاد السوري في 2021


قال مركز جسور للدراسات الذي تديره جهات معارضة، إن العام 2020، شهد خمسة أحداث رئيسية، تركت أثرها على الاقتصاد السوري، أولها استمرار الصراع ودخوله عامه العاشر وما تبع ذلك من تسخير موارد الدولة لصالح الحرب لتنخفض على إثره احتياطات المركزي من القطع الأجنبي وترتفع قيمة المعروض النقدي على خلفية زيادة الانفاق، إضافة للأضرار التي لحقت بالمعامل والبنى التحتية. وثانيها الصراع الذي ظهر بين رامي مخلوف ومن خلفه من رجال أعمال من جهة والأسد من جهة أخرى، والذي أعطى رسالة واضحة لرجال الأعمال من أبناء السلطة أنهم قد يكونون الهدف التالي على قائمة الاستهداف، مما دفع العديدين لمحاولة إخراج أموالهم أو بعضها خارج البلاد، وثالثها الأزمة في لبنان، والتي بخّرت أرصدة العملة الأجنبية لعدد كبير من رجال الأعمال، ورابعها انتشار وباء كورونا وما خلّفه من أثر نفسي على المجتمع السوري بدرجة رئيسية وضيّق ما تبقى من حركة للناس بين سوريا ومحيطها. أما الحدث الخامس فكان العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ في وسط العام تحت عنوان "قانون قيصر"، والتي منعت أي تدفق للأموال من الخارج، وأوقفت طموحات مستثمري الداخل وشهوتهم لإعادة الإعمار.

وأضاف المركز في دراسة جديدة له، حملت عنوان "استشراف الاقتصاد السوري في عام 2021"، أن هذه الأحداث حملت آثارها إلى 2021، وانعكست بشكل أساسي على سعر الصرف، والسياسة المالية، بالإضافة إلى التجارة الداخلية والخارجية وحركة الأسواق والسلع والاستثمارات، وأخيراً كان لها انعكاسات سلبية على قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والطاقة.

وأوضح المركز أن سعر صرف الليرة انهار بشكل قياسي خلال العام 2020، حيث اقتربت الليرة من سعر 3000 ليرة مقابل الدولار، مشيراً إلى أن 2020 بشكل خاص شهد انهياراً أكبر من أي وقت سابق، فقد هبط سعر الصرف من أقل من 1000 ليرة لكل دولار نهاية 2019 إلى نحو 2900 ليرة لكل دولار تقريباً مطلع 2021.

ولفت إلى أن مسار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية سيستمر بالهبوط ولن يكون ثابتاً بأي حال من الأحوال، وقد نشهد انخفاضات متتابعة بنسب صغيرة جداً، مع احتمالية عالية لهبوط أو اثنين بشكل كبير ومفاجئ خلال العام.

وتوقع المركز أن يشهد سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي انخفاضاً يصل إلى 4000 ليرة مع نهاية العام بالحد الأقصى، أو دون ذلك بقليل في ظل الظروف الراهنة، مشيراً إلى أن هذا يعود لحوامل الاقتصاد السوري الضعيفة التي تؤهل الليرة السورية لتعكس ذلك كون معظم هذه العوامل متآكلة ومستمرة بالتآكل.

وفي موضوع السياسة المالية، أشار المركز إلى أن موازنة 2021 شهدت تضخماً في رقمها المعتمد وهو (8.5) ترليون ليرة سورية، ولكنها رغم ذلك لا يتوقع أن تتجاوز 3 مليار دولار بسبب انخفاض سعر الصرف، مما يجعلها الأقل تاريخياً مقومة بالعملة الأجنبية.

وتوقع أن تواجه هذه الموازنة بشكل خاص وكل قطاع المالية العامة للدولة بشكل عام عدة مشاكل في 2021 أبرزها أن حجم العجز المعلن عنه في موازنة 2021 يبلغ 2.4 ترليون ليرة سورية (مليار دولار تقريباً، وفق أسعار مطلع 2021) أي قرابة 30% من إجمالي الموارد، ولكن الموارد المذكورة في الموازنة والتي قدرت الموارد الاستثمارية بـ 2.5 ترليون ليرة (1.1 مليار دولار) مبنية على تحسن كبير في الظروف الاقتصادية وانتهاء الحرب والأزمة التي تمر بها سوريا حالياً، كما يتم التداول في أثناء إعداد الموازنة، لذا فإنه من غير المتوقع أن يتم تحقيق هذه الأرقام، حيث يتوقع أن يتم تحقيق أكثر من نصف هذا الرقم بقليل، أي قرابة 1.5 ترليون ليرة سورية (550 مليون دولار)، كذلك قُدرت الإيرادات الجارية بـ 3.4 ترليون ليرة (قرابة 1.5 مليار دولار)، وهو رقم تم تقديره على أساس تعافٍ كبير للاقتصاد السوري، حيث أن ما تم تحقيقه في العام الماضي يقل عن ترليون ليرة سورية (430 مليون دولار)، ولن تزيد إيرادات العام المقبل عن 2 ترليون على أبعد تقدير (860 مليون دولار أمريكي). لذا، فإن العجز الحقيقي في عام 2021 يتوقع أن يتجاوز 4.8 ترليون ليرة سورية (حوالي 2 مليار دولار) أي قرابة نصف الموازنة (50% عجز) وسينعكس هذا الأمر في قدرة الجهاز الحكومي على ضمان تأمين الدعم للسلع الرئيسية وتنفيذ المشاريع، وربما بدرجة أقل دفع الرواتب للموظفين التي قد تتأخر عن المعتاد.

وعبّر المركز عن اعتقاده بأن رقم الموازنة الحالية تم تضخيمه جداً لأسباب إعلامية، ولإثبات أن حكومة النظام السوري ما تزال قادرة على الإمساك بزمام الأمور وقيادة المشهد الإداري والاقتصادي في سوريا.

وفيما يخص التجارة الخارجية رأى المركز أنها اقتصرت على الأساسيات في عام 2020، وكان التغير الأكبر في هيكل التجارة السلعية السورية هو اقتصار السلع المصدرة على المواد الخام كالحبوب والبذور والمكسرات والخضروات والفواكه، إضافة لزيت الزيتون والقطن. مشيراً إلى أنه لا يتوقع أن يطرأ تغيرات كبيرة على الهيكل السلعي، خاصة لجهة الصادرات السورية للدول الأخرى، والتي لن تتجاوز بطبيعة الحال مليار دولار أميركي في عام 2021، رغم أنها قد تشهد تحسناً في الكميات لجهة التصدير لدول الخليج سواء عبر العراق أو عبر الأردن، وكذلك لجهة توقيع اتفاقات تصدير الخضار والفواكه لروسيا وصفقات التبادل مع إيران.

وفي موضوع التجارة الداخلية، قال المركز إن نهاية عام 2020 شهد صراعاً بين التجار من طرف وبين الحكومة من طرف آخر، ففي الوقت الذي بدت فيه الحكومة عازمة على إجراء إصلاحات جذرية تجاه التهرب الضريبي وضبط الفوضى في الأسواق ومكافحة السلع المهربة.. ارتكزت خطتها على ثلاثة أجهزة رئيسية هي جهاز الجمارك وجهاز الضرائب وجهاز التجارة الداخلية (التموين). وتمتعت قيادات هذه الأجهزة بصلاحيات كبيرة ترتبط بالأفرع الأمنية وبتفاهم مع رئيس مجلس الوزراء ورئيس النظام بشار الأسد نفسه.

وأضاف المركز، أن العام الماضي شهد كذلك صراعات مع كبار التجار لجهة إجراء تغييرات عميقة في بنية الاقتصاد الشكلية، حيث تم استبعاد رامي مخلوف وعدد من المحسوبين عليه، كما حصل صدام واسع بين التجار والجمارك ، وصل إلى درجة تحريك الموضوع في مجلس الشعب، وكاد أن يحصل صدام مفتوح، تعهد على إثره جهاز الجمارك بالتراجع عن إجراءاته، حيث أعلن مدير الجمارك العامة عن نيته عدم تسيير دوريات داخل مدينة حلب، ويتوقع أن يفعل الأمر ذاته في دمشق بعد صدام مماثل.

وعلى صعيد الأسعار توقع المركز أن ترتفع بأكثر من 80% خلال 2021 على أقل تقدير، وخاصة سلع المواد الغذائية والمحروقات وبنسبة أقل الاتصالات والكهرباء والمواد المدعومة التي قد تسعى الحكومة لرفع سعرها في 2021.

ترك تعليق

التعليق