خبير اقتصادي سوريّ يحذّر: "بيتكوين" ومثيلاتها، "عملات زائفة"


وصف خبير اقتصادي سوريّ، "بيتكوين"، ومثيلاتها من العملات الرقمية مثل "أيثيريم، تيثير، كارجانو، بولكادوت، بينانس كوين، لايتكوين، ودوغكوين، وتشاين لينك، بتكوين كاش، وغيرها"، بأنها جميعها، "عملات زائفة".

وفي منشور مطوّل على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، فصّل د. سمير سعيفان في الأسباب التي تدفعه لتوصيف "العملات الرقمية"، بأنها "زائفة"، رغم أنها "سُجلت في بورصات وشركات استثمار، وتستخدمها بعض البنوك في احتياطياتها، وتقبلها شركات وجهات كثيرة كوسيلة دفع مثل أوبر وتسلا وغيرها، واستثمر بها كثيرون وحققوا أرباحاً خيالية، وارتفع الاستثمار (فيها) لأكثر من 1,2 تريليون دولار، تشكل بتكوين نحو 80% منها، وقد أصبحت قيمة البتكوين (يوم الاثنين) نحو 49 ألف دولار، بينما بدأت سنة 2009 بقيمة أقل من دولار واحد.. إلخ".

ويوضح مدير "مركز حرمون للدراسات المعاصرة"، أن "النقد أو العملات الورقية بحد ذاتها لا تساوي شيئاً، وتأتي قيمتها من أنها تصدر عن جهة رسمية، أي سلطة محددة (حكومية) في زمان محدد وسوق محددة وفي حيز جغرافي محدد، وهي بمثابة صك على الحكومة التي أصدرتها، وهي، أي وحدة العملة، تعطي الحق لحاملها أن يحصل على سلع وخدمات تقابل قيمتها السوقية".

ويستطرد: "العملة أو النقد ظهر عبر التاريخ بسبب الحاجة إليه كي يقوم بوظائف محددة مثل:

- هو "مقياس للقيمة"، أي تحدد أسعار السلع والخدمات بواسطته.
 
- وهو "أداة للتبادل" أي نستخدمه لنبيع عملنا (أجر) أو نبيع ما أنتجناه أو ما نملكه من سلع أو ما نقدمه من خدمات، أي نبيع بمبلغ محدد لنقوم بشراء ما يلزمنا من سلع وخدمات أخرى.
 
- وهو وسيلة إدخار أو خزين للقيم، أي نبيع ما لدينا اليوم ونحتفظ بالمبلغ  للمستقبل فلا نشتري به وندخره إلى حين الحاجة أو نستثمره.

- وأداة للدفعات الآجلة أي نشتري اليوم بالدين كي ندفع فيما بعد.

أي نحن ننتج سلع وخدمات في السوق ونستخدم النقود التي تصدرها السلطات المسؤولة لتنفيذ العمليات التي ذكرتها أعلاه. وقد تطور دور النقد عبر التاريخ وتعقّد إلى حد بعيد اليوم. وأهم شروط العملة هي القبول العام لذا هي تصدر عن جهة سيادية مسؤولة عنها وتستبدلها حين الطلب وتحميها من التزوير".

ويضيف "سمير سعيفان": "كميات النقود لا تُرمى في الأسواق اعتباطاً بل تخضع لقواعد. وثمة قوانين لتحديد كمية النقود في السوق، والقانون هو أن كمية النقد في السوق: 1) تتناسب طرداً مع حجم السلع والخدمات في السوق، أي حجم السوق، 2) عكساً مع سرعة عمليات التداول، وعندما تصمم الدول نقودها (كما فعلت سوريا عندما أصدرت عملتها أواسط ثلاثينيات القرن العشرين) تحدد كمية النقود الإجمالية وكم تساوي الوحدة النقدية الواحدة (في البداية كانت تقاس بالذهب) فتصدر النقود بالكمية المحددة وبفئات محددة، وتكلف المصرف المركزي بإدارة النقود. وتدير المصارف المركزية النقد الوطني وكمياته المطروحة في التداول وتسعى للتحكم بها بناءً على معايير كثيرة بحسب السياسة المالية والاقتصادية التي تقررها الأجهزة المسؤولة ولا مجال للدخول بها هنا".

ويعقّب: "المختصون والمهتمون يعلمون أنه عندما يختل التوازن بين كمية النقود وكمية السلع والخدمات في السوق فإن الاختلال ينعكس على الأسعار، وكلنا نعلم أنه عندما تضح الحكومة كمية من النقود أكبر من الاحتياج وتطبع كميات إضافية من النقود لتمويل احتياجاتها لأن إيراداتها عاجزة، فإن الكمية الإضافية تؤدي لارتفاع الأسعار ونسميه تضخم، وفي سوريا اليوم مثال صارخ على التضخم وقد وصل سعر صرف الدولار الأمريكي إلى حوالي 3380 ليرة سورية بعد أن كان سعر صرف الدولار نحو ٤٧ ليرة سورية مطلع ٢٠١١.
 
تصوروا لو أن الحكومة لا تهتم بالتزوير وأصبح متاحاً بكثرة وقام كل أحد بطباعة دولارات أو ليرات سورية وفق هواه، ألن تصبح قيمة العملة لا شيء؟ الآن يوجد شركات مغامرة كثيرة تصدر العملات الرقمية على هواها دون رقيب أو حسيب".

وبعد هذا التقديم لتوضيح من أين تأتي النقود بقيمتها، يصل "سمير سعيفان" إلى النقطة المركزية في منشوره، فيقول: "السبب الرئيس من أن العملات الرقمية مزيفة أنها تطبع بدون أن يقابلها سلع وخدمات، ولا تخضع لرقابة أي جهة رسمية مفوضة بالرقابة مثل المصارف المركزية أو من الحكومات كما هو الحال بالنسبة للعملات العادية وأسواق المال والسندات والمصارف ولا تتحمل  مسؤولة أمام سلطات رسمية، وتكتسب العملات الرقمية قيمتها من قبول الناس بها. ولنضرب مثلًا: عندما تشتري بيتاً من أحدهم وتبرم معه عقداً بعد أن يبرز لك صك ملكية (طابو) وتبلغ قيمة ورقة الطابو مع ورقة عقد البيع ملايين أو عشرات الملايين أو أكثر. وأنت تحتفظ بها في مكان آمن. فتصور لو اكتشفت بعد حين أن سند الطابو مزور ولا يقابله في الواقع أي بيت، حينها ستكون خسارتك كبيرة. العملات الرقمية هي هكذا، لا أحد يعلم من أصدرها، وإذا نسي المستثمر في البتكوين كلمة السر لحسابه فلا يوجد جهة يمكن أن يتواصل معها لاستعادة حسابه ويخسر دفعة واحدة كل ما يملك. والجهة التي تصدر العملات الرقمية الغامضة لا يكلفها إصدار عملتها أكثر من برنامج حاسوبي وبعض التجهيزات وبعض العاملين وتنظيم ما يسمى العملات الرقمية وتروج لها وتبيعها وتقبض دولارات أو عملات حقيقية وتودعها في حساباتها في المصارف. والبتكوين اليوم مثلاً ملجأ للفاسدين ولعصابات غسيل الأموال ولمنظمات الجريمة".

ويطرح "سمير سعيفان" التساؤل التالي: "من أين تأتي قيمة العملات الرقمية؟"، ويجيب على تساؤله: "في الواقع تأتي قيمتها من قبول الناس بها، والوهم كبير حولها لأن شركات عملاقة ومؤسسات مالية كبيرة وشخصيات نافذة في مؤسسات مالية ومصارف تشكل شبكة على مستوى العالم مشتركة بعملية التزوير هذه، وسخّروا مراكز دعاية وإعلان، وفيسبوك كذلك بدأت تشارك بمهرجان التزوير هذا خاصة عبر تأثيرها الكبير لأن لديها أكثر من ملياري مشترك وقد أطلقت عملتها الرقمية (ليبرا) ونظاماً مصرفياً اسمه "كاليبرا)".

ويلفت "سمير سعيفان" إلى احتمال خطير، قائلاً: "إذا توقف قبول الناس بالعملة الرقمية ستهبط قيمتها إلى الصفر. ويُتوقع أن تنفجر بعد حين فقاعة العملات الرقيمة وستضطر الحكومات لحظر التعامل بها وسيخسر الجميع كل ما يملكونة دفعة واحدة بصورة أسوأ من أزمة الفورة العقارية سنة 2008".

لكن "سمير سعيفان" يضيف سيناريو آخر، يصفه بأنه "الأكثر خطورة"، فيقول: "الأمر الأكثر خطورة من كونها عملة زائفة، هو أن تتحول العملات الزائفة هذه إلى عملات حقيقية سائدة في السوق. وهذا يتحقق إذا استطاعت الجهات التي تقف خلفها أن تضم إليها قوى أخرى، ونجحت في ترويجها وتعميم قبولها والتعامل بها من قبل قطاع الأعمال ومن قبل الناس عموماً على نطاق واسع، وفرضت ذاتها على البنوك المركزية وعلى الحكومات. حينها ستصبح شركات القطاع الخاص هي من يصدر العملات، وهي شركات تخضع لدافع الربح ولإرادة مالكيها، وهذا يهدد دور الحكومة والبنوك المركزية في احتكار إصدار النقد وإدارته ورقابته. خاصة وأن جهات العملات الرقمية تطرح إدماج خدمات أخرى تقدمها من خلال عملاتها (مثلاً البتكوين تقدم خدماتها من خلال شبكة تسمى تقنية البلوك تشين) بحيث تمكن المتعامل بالعملة الرقمية من أن يدفع بها قيمة مشترياته إلى البائع مباشرة عبر حسابه بالعملات الرقمية وأن يقوم أي فرد بتحويل الأموال أو الاستثمار مباشرة دون المرور بالنظام البنكي، وبالتالي يتم الاستغناء عن البنوك وعن النقود الوطنية الرسمية. إنها تحل محل الدولة. كما تسعى العملات الرقمية أن تحل محل الدولة أيضاً في أن توثق هي عمليات بيع الأصول وشراءها كالسيارة والمنزل، وربما إصدار البطاقة الشخصية (الهوية) وجواز السفر".

ويختم "سمير سعيفان" تحذيره في لقطة أخيرة من المشهد الأكثر خطورة، حسب توصيفه: "اليوم أصبح قطاع وسائل التواصل الاجتماعي وشركات الإنترنت تسيّر العالم وهي شركات خاصة يتحكم بها مالكوها وليست الحكومات بعد أن كانت وسائل الإعلام والاتصال تحت سيطرة الحكومات الوطنية. فإن استطاعت شركات العملات الرقمية أن تفرض ذاتها وعملتها فسينضموا إلى شركات الانترنت وشركات وسائط التواصل الاجتماعي وشركات الاتصالات ليشكلوا تحالف شركات خاصة عملاقة يملكها أفراد يتحكمون بالعالم، ويصبح هؤلاء حكام العالم غير المنتخبين. وقد ترون قريباً الاندماج بين الجهات التي تقف وراء العملات الرقمية وشركات وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت وأمازون وقد غدوا جميعاً عمالقة، خاصة وأنه لا يُعرف حتى الآن من يقف وراء العملات الرقمية. خطورتها ليس في أنها زائفة وحسب، بل الأخطر أن يصبح هذا المزيف هو السيد المتحكم بحياتنا".



ترك تعليق

التعليق