النباتات البرية.. طعام بديل، ومصدر دخل لبعض الأسر الحورانية


ما أن تكتسي الأرض بردائها الربيعي الأخضر، حتى تبدأ النساء في المناطق الريفية بمحافظة درعا، التنقل بين الحقول والسهول، بحثاً عما تجود به الطبيعة، من النباتات الورقية الخضراء، التي اعتاد الأهالي على تناولها خلال فصلي الشتاء والربيع، وذلك كبديل مناسب عن الوجبات الأساسية، التي يدخل في تركيبها النشويات واللحوم والخضار، بعد أن أصبح الحصول على هذه الوجبات من الصعوبة بمكان، بسبب أسعارها الفلكية، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لغالبية السوريين.

ويؤكد "عزام عيسى"، 55 عاماً، وهو معلم متقاعد، أن الحشائش البرية مثل الخبيزة، والعلت، والحميض، والسنارية، والمرير والرشاد، التي كانت تتناولها الأسر في سنوات سابقة كنوع من المقبلات والوجبات الثانوية، أصبحت في الوقت الحالي من الوجبات الأساسية، المعتمدة لآلاف الأسر الريفية، بعد أن ساءت الظروف الاقتصادية، وتراجعت مصادر الدخل، وانهارت قيمة الليرة السورية.

وأضاف أن هذه النباتات، ونظراً لأهميتها في سد احتياجات الأسر من الطعام، أصبحت في بعض المناطق تزرع على مساحات صغيرة في الحواكير والحدائق المنزلية، إلى جانب الكزبرة، والبقدونس، والفجل والجرجير وغيرها، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي منها كطعام بديل، وبيع الفائض لتأمين أثمان بعض الاحتياجات اليومية.
 
وتقول الخمسينية "فضية المحمد" وهي سيدة فقدت معيلها في الحرب، إنها وبعض أفراد أسرتها، تعتمد في تأمين طعامها وبعض مصاريف الأسرة خلال فصل الربيع، على ما تجنيه من النباتات البرية وبيع الفائض عن حاجة أسرتها.
 
وأضافت أن الكثير من النساء في القرى والبلدات الريفية، وتحت ضغط الحاجة للمال، يقمن بهذه الأعمال كونها أحد أوجه الحصول على دخل إضافي، رغم قلة عائديتها المادية، لافتة إلى أن العمل في البحث عن النباتات البرية متعب جداً، وهو يتطلب المشي لمسافات طويلة، لكنه رغم ذلك ممتع، لأنه يؤمن فرص عمل مؤقتة، في ظل تناقص وندرة فرص العمل المولدة للدخل.

ولفتت إلى أنها تقوم ببيع ما تجنيه بشكل يومي من هذه النباتات، إما إلى تجار الخضار في أسواق المدن الرئيسية، وإما إلى بعض الأسر التي توصيها على بعض الأنواع من هذه النباتات، مشيرة إلى أنها أحياناً تقوم ببيع ما تجمعه بشكل مباشر في الأسواق الشعبية التي تقام في البلدات القريبة منها خلال أيام الأسبوع.

وحول الأسعار، قالت إنها رخيصة، وهي تقبل بأقلها، لأنها تقدر أحوال الناس وظروفهم الصعبة، حسب وصفها، مشيرة إلى أنها تبيع كيلو الخبيزة بـ 500 ليرة سورية، والسنارية بـ 400 ليرة سورية، والحميض والعلت بـ 400 ليرة سورية.

وقالت إن هذه النباتات كلها تنمو في بيئة نظيفة، وخالية من الأسمدة الكيميائية، ويمكن أكلها نيئة، أو مطهوة، ويمكن إعداد أطباق السلطة منها، أو الفطائر، موضحة أن هذه النباتات مفيدة، ويقبل على تناولها الكثير من الناس، وخاصة المصابين ببعض الأمراض المزمنة كالسكري، وارتفاع ضغط الدم.

من جهته، أكد المهندس الزراعي "فيصل. س"، أن النباتات البرية تؤمن بعض فرص العمل الموسمية خلال فصلي الشتاء والربيع، في ظل انعدام خيارات فرص العمل.

وقال: "عدا عن أنها تسد احتياجات الأسر من الطعام، فيمكن لها أن تشكل مصدراً مقبولاً للدخل للباحثين عن فرص عمل مؤقتة"، لافتاً إلى أن النباتات البرية التي تنمو في الطبيعة، لا تقتصر استخداماتها على الطعام فقط، بل هناك نباتات برية ذات فوائد طبية وعلاجية، وكلها تنمو في السهول والأودية.

وأكد أنه يمكن الاستفادة من النباتات البرية، مثل القريص، والشيح، والقيصوم والنعنع البري، والزعتر البري، التي يتم جمعها من مناطق الريف الغربي، من خلال بيعها لمعامل الأدوية لأنها تدخل في تراكيب العديد من المركبات العلاجية والتجميلية إضافة إلى إمكانية استخدامها كعلاج شعبي للعديد من الأمراض ولفحات البرد.

فيما أكد أحمد المحمد -30 عاماً- وهو عامل مياوم، أنه يجمع النباتات الطبية البرية لتجفيفها وبيعها لمحلات العطارة، لافتاً إلى أنه يقوم بجمع النعنع البري والزعتر الخليلي والبابونج والكثير من النباتات العطرية ذات الاستخدامات العلاجية، ويبيعها مجففة أو طازجة في الأسواق الشعبية.

وأوضح أن هذه النباتات تشكل له ولعشرات الشباب غيره، مصدر دخل جيد، يعينه في نفقات أسرته اليومية، سيما وأنه عامل مياوم، ولا يوجد لديه مصدر دخل ثابت، لذلك فهو دائم البحث عن أي عمل شريف، يدر عليه دخلاً مقبولاً.

من جهته، قال محمد خزام -35 عاماً- إنه وبسبب قلة فرص العمل المتوفرة خلال فصل الشتاء، بات يمضي معظم وقته في السهول، يبحث عن "نبات الفطر" الذي ينمو بكثرة في منطقة حوض اليرموك، لا سّيما على تخوم الوادي وفي مدرجاته.
 
ولفت إلى أنه يجمع في كل مرة يخرج فيها ما بين 3 و4 كيلو غرام من الفطر، يستهلك منها حاجته ويبيع الباقي بالتواصي، أو ينقلها إلى الأسواق في القرى والبلدات المجاورة، مشيراً إلى أنه يبيع الكيلو الواحد بسعر يتراوح ما بين 3500 إلى 4000 ليرة سورية.

يشار إلى أن الريف الحوراني، يزخر بالنباتات ذات الفوائد الغذائية والطبية وهذه النباتات ساعدت الأهالي في الأزمات على الصمود في وجه والفقر وقلة الإمكانات، وأنقذت حياة الآخرين من الجوع، حيث كانت ومازالت تشكل بديلاً هاماً عن بعض أنواع الطعام الأساسية.

ترك تعليق

التعليق