سمير سعيفان يكتب عن تجربته في مؤسسة الإسكان العسكرية


قرر الباحث والمحلل الاقتصادي المعروف، سمير سعيفان، أن يفتح ذاكرته للكتابة عن تجربته في العمل مع مؤسسة الإسكان العسكرية، لافتاً إلى أهمية تلك المؤسسة وتجربتها، وهي التي لعبت دوراً كبيراً، حسب قوله، في قطاع المقاولات وقطاع الأعمال في سوريا في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته.

وكتب سعيفان على صفحته الشخصية في "فيسبوك" أنه عمل في مؤسسة الإسكان العسكرية في وظيفتين، الأولى مدتها خمس سنوات ونيف في أحد فروع المؤسسة، ثم خلال مرحلة ثانية كان فيها مديراً للتخطيط المالي في الإدارة المركزية للمؤسسة ومدتها عامين ونيف.
 
وأضاف: "باشرت عملي في مؤسسة الإسكان العسكرية في الثاني من كانون الثاني 197، وسميت مديراً مالياً للفرع 6 الذي كان مسؤولاً عن مشاريع منطقة جنوب دمشق وحتى الصنمين باتجاه درعا، وكنا ثلاثة في الإدارة، مدير الفرع وكان المهندس ابراهيم الخليل من خبب ولم يكن بعثياً، والمدير التنفيذي وهو المهندس علي الخش من مصياف وكان ضابطاً سابقاً، وكان قد سجن وسرح في موجة اعتقالات القوميين السوريين بعد اغتيال المالكي سنة 1955، وبعد سجنه درس هندسة عمارة، وكان مسؤولاً عن  تنفيذ المشاريع".

 ولفت سعيفان أنه في البداية لم يكن لديه خبرة كبيرة في الشؤون المالية، لكنه أصبح فيما بعد أحد الأشخاص الرئيسيين الذين يساهمون في تنظيم المؤسسة ووضع أنظمة عملها المالية والتجارية والإدارية، مشيراً إلى أنه انتقل بعد خمس سنوات عمل في الفرع 6 إلى الإدارة المركزية حيث أصبح عمله لصيقاً بالمدير العام خليل بهلول.

وأضاف سعيفان، أنه رغم تبعية مؤسسة الإسكان العسكرية لوزارة الدفاع ولكن كان وجود العسكريين فيها قليل ومعظم العاملين مدنيون، مبيناً أن المؤسسة تأسست بالمرسوم رقم 12 في 15 شباط 1975 وغاية تأسيسها هي بناء مساكن للعسكريين قرب وحداتهم العسكرية لتخفيف انتقالهم اليومي بعيداً إلى دمشق وسمي مشروعهم "مشروع إسكان الفرق".

وقدم لمحة عن مديرها العام الرائد خليل بهلول، مشيراً إلى أنه صف ضابط سابق عمل دورة كلية عسكرية في تشرين الأول 1963 لذلك لم يتم ترفيعه لأكثر من رائد ثم مقدم وأخيراً الى عقيد كجائزة ترضية. لافتاً إلى أنه سمي مديراً عاماً بحكم معرفة حافظ الأسد به، فقد كان يخدم معه في إحدى القواعد الجوية، وكان قد عينه قبل حرب تشرين 1973 قائداً لكتيبة إنشاء المطارات العسكرية، ويقال إن الكتيبة أدت واجبها بشكل جيد خلال حرب تشرين بإصلاح المطارات التي تقصف خلال زمن قصير لأنهم حضروا لذلك المواد المطلوبة الخ.

وتابع سعيفان، أنه بعد تسميته مديراً عاماً للإسكان العسكري، "فعل بهلول شيئاً جريئاً، فقد بدأ يتصرف وكأنه مفوض كامل الصلاحية يفعل ما يريد، لذا هو ومنذ اليوم الأول لم يلتزم أنظمة الجيش ولم يخضع أو يتبع فعلاً لأي إدارة وكانت تبعيته الشكلية لوزير الدفاع الشكلي مصطفى طلاس، لذا كان يتصرف بمطلق الحرية فكانت المؤسسة تتمتع بصلاحيات العسكر ومرونة القطاع الخاص".

وأضاف أن بهلول بدأ يتعهد مشاريع لمؤسسات الدولة المدنية، وأخذ يعطي رواتب أعلى من رواتب الدولة، لذلك اجتذب عدداً كبيراً من الراغبين بالعمل في المؤسسة. ثم لجأ لسياسة اجتذاب الكفاءات مثل المهندسين الذين عملوا في سد الفرات، مشيراً إلى أنه كانت هناك صلاحيات واسعة لمدراء الفروع ومدراء المشاريع أيضاً مما أعطى مرونة كبيرة تشبه القطاع الخاص تماماً.
 
وأكد سعيفان أن بهلول لم يكن يهتم بالانتماء الحزبي ولم يكن لمنظمة حزب البعث أي وجود ملموس أو تأثير في المؤسسة، وكان فيها شيوعيون وإسلاميون وحياديون وقليل من العسكريين.

وقال سعيفان إنه عندما عمل في الإسكان العسكرية مطلع 1978 كان فيها قرابة 9000 مشتغل، وعندما سرح منها بقرار من الأمن العسكري في 1 حزيران 1985 كان فيها قرابة 70 ألف مشتغل. فقد نمت كإخطبوط، وكان بها مئات المشاريع قيد التنفيذ على امتداد سوريا وكانت تستحوذ لوحدها على قرابة نصف أعمال المقاولات الحكومية بقطاعيها العسكري والمدني، وكان بها قرابة 100 ورشة صناعية ومعمل من بينها مصنع للإسمنت بطاقة مليون طن سنوياً في حلب وأربعة معامل للموبيليا وأربعة معامل للآجر ومصنع للسيراميك ومصنع للمصاعد ومصنع لأسلاك الكهرباء وورشة أعمال معدنية تنتج سيور ناقلة للأفران ولغيرها وعدد من مقالع البحص والرمل والكسارات وغيرها الكثير. وكان في المؤسسة قرابة 11 ألف سيارة وآلية هندسية، وكان بها فروع لتنفيذ مشاريع البناء وفروع صناعية وفرع تجارة محلية وفرع تجاري للمشتريات الخارجية -فرع العقود-.

ورأى أن السبب في النمو السريع لمؤسسة الإسكان أنها كانت تملك مرونة كبيرة في التنفيذ، وخاصة بعد سنة 1980 حيث بدأت مظاهر الأزمة الاقتصادية ونقص العملات الصعبة بالظهور، مما أثر على شركات الدولة المشابهة وقدرتها على استيراد المواد والمستلزمات والمعدات، بينما كان خليل بهلول يتصرف كما القطاع الخاص، فكان يطلب من التجار أن يزودونه بما يحتاج من حديد وخشب واسمنت وآليات مستوردة وكان يدفع لهم الثمن بالليرة السورية وهم يحولون الليرات السورية إلى دولار في السوق السوداء. لذا كان هو أقدر من الجميع على سرعة التنفيذ فاجتذب مختلف جهات الدولة للتعاقد مع الإسكان، إضافة لقدرة الاسكان العسكري على تقديم الهدايا سواء نقداً أو عيناً مثل الحديد والخشب أو بيع شقة للمسؤول بالسعر الرسمي بينما سعرها في السوق أضعاف.

وتابع سعيفان أن الرواتب في الاسكان العسكري كانت تعادل وسطياً ثلاثة أمثال رواتب الدولة. وكانت الإسكان تخصم ضريبة الدخل عن الموظفين ولكنها لم تكن تحولها لوزارة المالية ولا تدفع ضمان اجتماعي عن العاملين لديها، وكانت لا تدفع أي ضرائب عن أي أرباح ولا تدفع أي رسوم جمركية. وكانت كافة أنظمة مؤسسة الإسكان من رواتب ومشتريات  ومحاسبة ومالية ومهمات داخلية وخارجية وتنفيذ وغيرها كانت توضع من قبل المؤسسة التي كانت بحسب قوله مؤسسة منظمة على نحو لا مركزي بصلاحيات لا مركزية واسعة، وكانت  جميع الفروع ذات استقلال مالي وإداري ومحاسبي وكان كل منها يعمل كشركة مستقلة وله موازنته وميزانيته وحساب أرباح وخسائر وحساب مصرفي يدار من قبل مدير الفرع والمدير المالي للفرع.

 وكان بإمكان الفرع أن يشتري بعض احتياجاته من السوق المحلية أو من لبنان. ولكن كان مصدر مواده ومستلزماته تأتي من المؤسسة إما من فرع الإمداد أو من الفروع الصناعية، وكانت الآليات والمعدات الهندسية تدار مركزياً بينما كانت السيارات وسيارات النقل تعود للفروع. وكانت العقود الخارجية مركزية وكان شراء السيارات والمعدات الهندسية مركزياً بقرار من بهلول.

 وبسبب هذا النظام اللامركزي، يقول سعيفان، إنه لم يكن لدى بهلول مكتب كبير ولم يكن يقدم له بريد يومي بمئات الوثائق والقرارات كما يفترض لأن أمور الفروع تدار في جلها من قبل الفروع، وكان بهلول يقوم بزيارات الفروع وحينها يوقع للفرع ما يحتاجه من قرارات أو كان مدراء الفروع يأتون إليه يحملون كتبهم لتوقع منه أي ليس عبر مكتب وسيط.
 
واعتبر أن هذه اللامركزية والمرونة هي ما منح المؤسسة قدرة تنفيذية كبيرة، وبذات الوقت سمحت بقرارات لاعقلانية أحياناً ووجود هدر كبير في أحيان أخرى ولكن كان العمل والانجاز يغطي على الثغرات.

وأكد سعيفان أن العدد المحدود من العسكريين المتواجدين في مؤسسة الإسكان، جهلم فاسدون مثل حبيب يونس الذي كان مدير الفرع المالي ثم أزيح، وقصي درويش مدير فرع الآليات وأبو مدين ضابط الأمن في المؤسسة وهو من قرية عين شمس قرب مصياف، لافتاً إلى أن هذا الأخير هو من كتب به تقريراً أمنياً وتسبب بدعوته للتحقيق في فرع الأمن العسكري ثلاث مرات.

وأشار إلى أنه كان هناك ضابط متميز ونظيف اليد والأخلاق ولم يكن بعثياً، وهو المقدم اسبر عثمان ، الذي كان نائباً للمدير العام ومديراً لفرع الإمداد، ولكن خليل بهلول خشي منه فأقصاه سنة 1984 عن أي مهام ثم أبعده عن المؤسسة.

وختم سعيفان منشوره بوجود جزءين آخرين سوف يتحدث فيهما عن مؤسسة الإسكان العسكرية، التي عمل بها لمدة خمس سنوات في الفرع 6، مضيفاً أن إدارة الفرع كانت في مساكن برزة بدمشق، ثم انتقلت إلى الصنمين بعد أن تم الفصل بين مشاريع درعا والسويداء،بعد احتجاج أهل السويداء الذي دفع خليل بهلول لنقل مقر الفرع إلى السويداء ويحصر مشاريعه في محافظ السويداء، وتم إلحاق مشاريع محافظة درعا بالفرع 6 فانتقلت إدارة الفرع 6 إلى الصنمين وأصبحت مشاريع الفرع 6 تمتد من جنوب دمشق وحتى حدود الأردن.

ترك تعليق

التعليق