إغلاق طرق التهريب يُضرّ بتجار في "المحرر"


بترقبٍ، يأمل "ناصر" وصول بضاعته المتواجدة في مدينة حلب، إلى إدلب، والتي توقفت عملية نقلها، بسبب إغلاق طرق التهريب التي كان يتم عبرها إدخال البضائع من مناطق سيطرة النظام، إلى المناطق المحررة.

يقول "ناصر" لـ "اقتصاد": "أعمل في مجال الألبسة منذ عامين، وكل بضاعتي تأتي من مناطق سيطرة النظام إلى المناطق المحررة عبر طرق غير شرعية (تهريب)، تدخل من خلالها البضائع إلينا بأجور كبيرة قد تصل إلى 100 دولار أمريكي أو أكثر حسب حجم الطرد".

يستطرد: "في 24 آذار الفائت، تم إغلاق الطرق غير الشرعية من جانب ميلشيات الأسد، وهذا الشيء أثّر سلباً بشكل كبير على كل التجار التي تأتي بضاعتهم من مناطق سيطرة النظام خاصة مع اقتراب بداية الموسم الصيفي الذي ننتظره بفارغ الصبر من كل عام بالتزامن مع اقتراب شهر رمضان المبارك وبعده عيد الفطر، وهنا يكون الموسم موسمين في آن واحد".

يتابع: "هذا الإغلاق لم يكن الأول من نوعه. في شهر شباط من العام الماضي حدث معنا نفس الأمر واستمر لعدة أشهر، ومن ثم افتُتحت طرق التهريب مجدداً في 21 رمضان 2020، واستمر العمل من خلالها حتى 24 آذار الفائت، لتُغلق بشكل كامل".

وعن أسباب الإغلاق؟

يعتقد مراقبون وسكان في منطقة إدلب، أن نظام الأسد أغلق طرق التهريب، التي عادةً ما تنشط عبر معابر معروفة للعاملين في هذا المجال، بين مدينة حلب، وريف حلب الشمالي –منطقة "درع الفرات"-، وذلك انتقاماً من سكان المناطق المحررة، بعد الضغط الشعبي الذي تسبب برفض مقترح روسيا افتتاح ثلاثة معابر مع مناطق النظام، قبل أسبوعين.

وكان الهدف القريب لروسيا، ونظام الأسد، من هذا الاقتراح، دعم اقتصاد مناطق النظام، واستدراج السيولة المتاحة من الدولار، في المناطق المحررة، عبر بيع البضائع إلى تلك المناطق، بالليرة السورية.

سألنا "ناصر"، بوصفه تاجراً، ما رأيه في افتتاح معابر "شرعية" مع مناطق سيطرة النظام؟، فقال: "أنا أرفض إخراج البضائع من المحرر إلى مناطق النظام لسببين، الأول عدم إنعاش اقتصاد النظام، والثاني، أن ذلك سيتسبب بارتفاع كبير للأسعار لدينا".

وأوضح "ناصر" أنه، قبل أسبوعين، حينما روّجت روسيا لافتتاح المعابر الثلاثة بين الجانبين، قفز سعر الكيلوغرام الواحد من البندورة، من 3 ليرات تركية إلى 7 أو 8 ليرات تركية. وهذا مثال، في رأي "ناصر"، لما يمكن أن يحدث على صعيد أسعار السلع في المناطق المحررة، لو افتُتحت، بالفعل، معابر شرعية بين "المحرر" ومناطق سيطرة النظام.

لكن لماذا يصرّ تجار "المحرر" على استيراد البضائع السورية؟، وماذا عن البديل التركي؟

يؤكد "ناصر" أن البضائع السورية أفضل، بالنسبة لهم، من نظيرتها التركية، لعدة أسباب: الأول، فرق الأسعار بين الألبسة السورية والتركية يصل إلى الضعف، فالألبسة التركية تباع بالدولار، أما السورية فتُقسم على الليرة السورية، فتعود أسعارها أرخص بكثير من التركية، وأكثر جودة، نظراً لأن الألبسة التركية التي تدخل إلى المناطق المحررة هي ذات جودة أقل بكثير، مقارنة بتلك التي الألبسة التركية التي تُصدّر إلى أسواق دولية.

ويضيف "ناصر"، سبباً آخر، فالمعامل التركية تعتمد على توفير جميع المقاسات من الموديل الواحد، أما السورية فتعتمد على المقاس الموحد 40  ويسمى "ستندر"، -يعني مقاس واحد-.

وفصّل "ناصر"، على سبيل المثال، فستان 7 ألوان يكون في تركيا 7 مقاسات تبدأ من 36/38/40/42/44/46/48 وتكون الكمية في هذه الحالة كبيرة جداً إذا أراد التاجر شراء الألوان الـ 7، إذ تصل الكمية إلى 49 قطعة وتوجد كميات تصل في "السيري الواحدة" إلى 10 ألوان و10 مقاسات، يعني 100 قطعة من موديل واحد.

أما المعامل السورية فتعمل على مبدأ (كتّر تشكيلتك وقلل الكمية)، وهذا الشيء المتعارف عليه بالأسواق السورية. ونضرب مثالاً، إذا كان الفستان 7 ألوان فيكون هنالك مقاسان فقط 38/40 فتكون الكمية 14 قطعة فقط، وذلك أفضل للتاجر والباعة، إذ تكون حركة دوران رأس المال، أسرع.

وتحدث "ناصر" عن جانب ثالث، إذ أن أسعار الشحن كبيرة من تركيا إلى سوريا. فمكاتب الشحن التركية تأخذ على كل 1 كغ، 1 دولار أمريكي. وإذا كان وزن الطرد 200 كغ فإن أجوره تصل إلى 200 دولار أمريكي.

أما الشحن السوري وبطرق غير شرعية – التهريب- ورغم أن تكاليفه مرتفعة، إلا أن تكلفة شحن أكبر طرد لا تتجاوز 100 دولار أمريكي ويكون وزنه ضعف المبلغ في بعض الأحيان.

"اقتصاد" تحدث مع تاجر يعمل في مدينة حلب، الخاضعة لسيطرة النظام، عن مدى تأثره بإغلاق طرق التهريب مع المناطق المحررة، فأخبرنا: "عملي بشكل كامل يعتمد على محافظة إدلب وريف حلب بنسبة 95% وإذا ستمر هذا الإغلاق سأكون في كارثة كبيرة لا تحمد عواقبها أبداً، فأغلب المتعاملين معي وزبائني أصبح لهم عندي كميات كبيرة من الألبسة في المستودعات، وجاهزة للشحن بانتظار عودة العمل عبر المعابر غير الشرعية".

وأكد أنه في حال تم الإغلاق لمدة طويلة فإن أغلب الزبائن ستترك البضاعة لديه ولن تأخذها، وفي هذه الحالة ستكون خسارته مضاعفة لسببين، الأول أنه لن يستلم ثمن البضاعة من أغلب التجار إذ أن استلام ثمنها يكون حين الشحن فقط -وفق العُرف الشائع لدى الكثير من التجار-، والسبب الثاني، تذبذب سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، إذ كل يوم سعر جديد، فإذا تراجعت الليرة مجدداً، فلن يستطيع شراء بضاعة جديدة كالسابق.

هذا والتقى "اقتصاد" مع صاحب محل ألبسة آخر في إدلب، يُدعى "أبو محمد الشامي"، ليتحدث عن تدهور السوق وحركة البيع والشراء بسبب إغلاق المعبر –غير الشرعي- وتوقف بضائعه في المستودعات، والطلب الكثير على الألبسة الصيفية من قبل الناس مع بداية الموسم الجديد.

وعن رأيه بافتتاح معابر "شرعية" مع النظام، قال: "أنا ضد إخراج البضائع من المناطق المحررة إلى مناطق النظام. لكن طرق التهريب لم يكن لها أي تأثير سلبي علينا، وبالعكس تماماً، كنا مستفيدين من هذه الطرق، إذ كانت تأتينا بالبضائع من عند النظام بدون إخراج أي شيء من مناطقنا المحررة"، حسب وصفه.

وعقّب في الختام: "حالياً، لم يعد باستطاعتي فعل أي شيء سوى الانتظار لإيجاد مخرج تأتي البضائع عن طريقه، لأن رأس مالي أصبح كله بضائع ودفعت ثمنها بالكامل، وأنتظر وصولها بفارغ الصبر".

وأوضح "الشامي" لنا أنه تعامل مع تجار في دمشق، لا يقبلون تأجيل الدفع حتى لحظة الشحن، الأمر الذي جعله في الوقت الراهن، دون بضائع أو رأس مال، حسب وصفه.

ووفق تجار، تحدث إليهم "اقتصاد" في "المحرر"، فإنهم يستبعدون أن يُبقي نظام الأسد على إغلاق المعابر غير الشرعية، لفترة طويلة، نظراً لأن اقتصاد المناطق التي يسيطر عليها، يستفيد من حركة البضائع بين الجانبين، ناهيك عن المكاسب التي تحصّلها العناصر الأمنية والعسكرية التابعة له، والتي تدير تلك المعابر من جانبه.

وتوجد معابر تهريب عديدة، بين حلب وريفها الشمالي، قد تتجاوز 10 معابر، وفق مصادر إعلامية، سبق أن تحدثت عن هذه الظاهرة.

ترك تعليق

التعليق