الحوالات الخارجية.. أمل السوريين الأخير


تعتمد السيدة "م - ن" القاطنة في العاصمة دمشق على استلام الحوالات المالية الواردة إليها من أقاربها في أوروبا عبر مكاتب التحويل في السوق السوداء، كغيرها من السوريين، تجنباً لتعرضها إلى خسائر قد تصل إلى نسبة 50%. وتستلم السيدة شهرياً حوالات مساعدة بقيمة 200 يورو، حسبما قالت.

في الوقت الذي يعتمد فيه كثير من السوريون على إيجارات منازلهم وعقاراتهم لتأمين لقمة عيش أسرهم، ويعتمد آخرون على العمل بأكثر من مهنة وبأكثر من دوام، يعتمد فريق ثالث يقدّر بحوالي 40% من السوريين على الحوالات الخارجية لتأمن تكاليف المعيشة الأساسية بحسب تحقيق منشور منتصف الشهر الماضي في "جريدة الوطن" المقربة من نظام الأسد. ورغم غياب أي إحصاءات رسمية أو موثوقة بخصوص نسبة المستفيدين من الحوالات الخارجية، تُعد حوالات المساعدات التي ترد إلى سكان المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد الأمل الأخير لاستمرار الحياة بعد أن فقد الناس كافة السبل لتوفير الموارد وفرص العمل إلى جانب قلة أجور العاملين والمهنيين والموظفين وندرة المشاريع الإنتاجية.
 
يشكّل السوريون المقيمون خارج سوريا -مغتربون ولاجئون- الرئة التي يتنفس من خلالها السوريون العالقون داخل سوريا، وبلغ عددهم حتى العام 2019 نحو 6.6 مليون إنسان بحسب المفوضية السامية للاجئين، ويواصلون إرسال الحوالات المالية إلى ذويهم رغم إجراءات الحد من جائحة كورونا، ويتضاعف حجم الحوالات عادةً في مواسم الأعياد وشهر رمضان وبدء العام الدراسي.

تناقض كبير في سعر صرف الليرة السورية بين النشرة الرسمية الصادرة عن البنك المركزي السوري والسوق السوداء، وباستثناء سعر الصرف المخصص للمنظمات والجهات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات والبعثات البالغ 2500 ليرة سورية للدولار الواحد، فإن فارق تصريف حوالات المواطنين يصل أحياناً إلى أكثر من الضعف، وبحسب النشرة الرسمية الأخيرة فإن سعر صرف الدولار الأمريكي 1250 ليرة سورية، بينما تجاوز سعره في السوق السوداء خلال الفترة القليلة السابقة حاجز الـ 4 آلاف ليرة سورية، قبل أن يستقر نسبياً في الشهر الأخير بحدود 3 آلاف ليرة.

"اقتصاد" تحدث مع السيد "م - أ" مالك أحد مكاتب تحويل الأموال في السوق السوداء بالعاصمة دمشق -رفض الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية- حيث أكّد أنّ طرق تحويل الأموال عبر السوق السوداء أمر معقد جداً، إذ غالباً ما يتم إيصال الحوالات إلى مدينة القاملشي -شمال شرق سوريا-، ومنها ما يصل إلى بيروت، ثم تُرسل إلى "مناطق العمق" باليد، ويتم تسليمها لمستحقيها باليد أيضاً، ويتم ذلك عبر شركات تجارية سجلها التجاري بعيد عن "تحويل الأموال والمصارف"، وقبل وصول الحوالات إلى مدينة القامشلي قد تمر عبر تركيا أو الأردن أو لبنان أو العراق أو مصر أو مناطق سيطرة المعارضة السورية والإدارة الذاتية، مُضيفاً بأنّ نسبة كبيرة من السوريين أصبحوا يتبادلون قيمة الحوالات فيما بينهم ضمن مناطق لجوئهم.

بحسب "نقابة عمال المصارف في دمشق" بلغت خسائر قطاعات التجارة والصناعة والسياحة والطاقة أكثر من 530 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، وتُشكل الحوالات الخارجية بعد العام 2011 نسبة 8% من الناتج المحلي بحسب وسائل إعلام نظام الأسد، وقدّر البنك الدولي حجم الحوالات إلى سوريا في العام 2016 بحوالي 1.6 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 4.5 مليون دولار يومياً، وبالضرورة مع ارتفاع نسبة الفقر في سوريا والتي تجاوزت 85% من السكان، فإن حجم الحوالات في ارتفاع، وهذا ما أكّده لنا محدثنا "م - أ"  صاحب شركة التحويل، والذي أشار بأن منفعة النظام من الحوالات ليست بقليلة، إذ أنها أولاً وأخيراً تصب في خزينته الفارغة والتي يشتري منها التجار المقربون إليه لغاية تأمين مستورداتهم.

وأشار "م - أ" أنّ نظام الأسد عجز - ولا زال - في مواجهة انهيار سعر صرف الليرة السورية، الأمر الذي دفعه إلى مصادرة الحوالات الشخصية عبر وسائل عديدة أبرزها المرسومين رقم "3 - 4" الصادرين مطلع العام الفائت، واللذين جرما التعامل بأي عملة أجنبية، وبذلك تمكن من إغلاق 14 شركة تحويل كخطوة أولى، و7 شركات أخرى في الخطوة الثانية بذريعة المضاربة والتلاعب بسعر الصرف ومخالفة تعليمات البنك المركزي.

منذ مطلع العام الحالي ارتفعت أسعار المواد الغذائية الرئيسية في مناطق سيطرة نظام الأسد بين 25 و35% جراء استمرار تدهور سعر صرف الليرة السورية، ومع حلول شهر رمضان وصل ارتفاع الأسعار إلى نحو 40%، ما دفع السكان إلى التقنين في المشتريات لا سّيما المواد الغذائية الرئيسية.

ويبلغ متوسط أجور السوريين نحو 40 ألف ليرة سورية فقط لا غير، في حين أن متوسط كلفة معيشة أسرة مكونة من خمسة أشخاص يبلغ نحو 730 ألف ليرة سورية أي ما يُعادل 250 دولار بحسب تقديرات مركز "قاسيون" الموالي لنظام الأسد.


ترك تعليق

التعليق