اقتصاديات.. كيف تجعل السوري يلهث طوال اليوم؟!


المتتبع للعبة توزيع المواد التموينية على البطاقة الذكية في مؤسسات السورية للتجارة، سوف يلحظ هذا التخبط الواضح في تأمين الكميات الكافية لجميع المستحقين، والتي غالباً ما يرجعها النظام إلى زيادة الطلب على هذه المواد، أو إلى أخطاء تقنية في آلية إرسال الرسائل، وفي أحيان قليلة يتذرع بتأخر وصول التوريدات من الخارج.

لكن بنظرة تقييمية على عملية توزيع المواد التموينية على البطاقة الذكية، والتي انطلقت منذ مطلع العام الماضي، سنجد أن النظام غير قادر على توفير أبسط احتياجات الناس المعاشية، وهي السكر والشاي والرز وزيت القلي، والتي بالكاد تتجاوز تكلفة استيرادها جميعاً، الـ 300 مليون دولار سنوياً.. وهو مبلغ زهيد جداً في عُرف الدول، وخصوصاً لدولة مثل سوريا، التي يبلغ عدد سكانها نحو عشرين مليون نسمة، وناتجها المحلي بحدود 20 مليار دولار، بعد أن كان قبل العام 2011 أكثر من 60 مليار دولار.
  
غير أن المشكلة بحسب العديد من المراقبين، ليست في صعوبة تأمين هذه المواد التموينية الأساسية، ودفع تكاليفها المالية، سيما وأن من يقوم بعملية الاستيراد، ليس الدولة وإنما التجار، وبالتالي فإن الأمر مرتبط برأيهم، باستراتيجية النظام الجديدة، التي تهدف لجعل السوريين يمضون سحابة يومهم في البحث عن لقمة العيش فقط، ودون أن يحصلوا عليها، ومن ثم إشغالهم عن التفكير بطبيعة التحولات الكبرى التي تشهدها البلد، والمتمثلة بتحويل السيطرة والسيادة فيها إلى الروس والإيرانيين، بالإضافة إلى حفنة من رجال الأعمال المرتبطين بأسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام السوري، بشار الأسد.

وقبل يومين كتب أحد الإعلاميين في صحافة النظام على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، أن المؤسسة السورية للتجارة، لم توزع زيت القلي على البطاقة الذكية منذ شباط العام الماضي، سوى مرتين، في كانون الأول 2020 وشباط 2021.. متذرعة بارتفاع تكاليف استيراده، مع أن المؤسسة تبيع الزيت للمستهلك بأكثر من ضعف سعره العالمي، بين 7000 ليرة إلى 7500 ليرة.. أي نحو 2 يورو لليتر، فيما يبلغ السعر العالمي نحو دولار واحد فقط لليتر.

وأوضح هذا الإعلامي، بأن حصة الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد، من زيت القلي، بحسب ما حددتها وزارة التموين، هي 2 ليتر شهرياً، بينما من هم مسجلون على البطاقة الذكية، نحو 2 مليون أسرة، أي أن الحاجة الشهرية الكلية هي 4 مليون ليتر، بتكلفة استيراد 4 مليون دولار شهرياً، ونحو 50 مليون دولار سنوياً، حيث تساءل هذا الإعلامي: هل بالفعل الدولة عاجزة عن دفع هذا المبلغ لاستيراد زيت القلي..؟!

وما ينطبق على هذه السلعة ينطبق على الرز والسكر والشاي، وغيرها من المواد التي تعهد النظام بتوفيرها للسوريين بسعر أرخص من السوق، بدعوى إيصال الدعم لمستحقيه ومكافحة فساد التجار وجشعهم. إلا أن ما حصل، هو أن الناس باتت تتمنى لو أن الدولة لم تضع يدها على هذه المواد، مقابل توفيرها في الأسواق، مع مراقبة أسعارها، كما يحصل حالياً من خلال قيام التموين بتسعير كافة المواد، وإجبار المحال التجارية على الالتزام بالتسعيرة.

إذاً، وكما هو واضح، فإن لعبة المواد التموينية، وغيرها من الأزمات التي يختلقها النظام، سواء على الخبز أو المواصلات أو المحروقات، ما هي إلا استراتيجية جديدة، استلهمها النظام من فترة الثمانينيات، عندما جعل حافظ الأسد الشعب السوري كله يحلم بالحصول على علبة محارم أو تنكة سمنة أو بنطال جينز، أو علبة سردين.. إلخ، ولفترة تجاوزت خمس سنوات.. غير أن ما اختلف هو الظرف والغايات، إذ أن حافظ الأسد جوع الشعب السوري كله كرمى لإرضاء جشع أخيه رفعت، وإبعاده عن السلطة، أما بشار الأسد فإن تجويعه للشعب نابع عن لؤم وحقد، وكونه يعلم بأن ما يبقيه على رأس السلطة، ليس حفنة الموالين الذين يقفون إلى جانبه، وإنما أجهزة القمع الخارجية، والتي استخدمها لتدمير الشعب والبلد على حد سواء.

ترك تعليق

التعليق