اللبنانيون والليرة.. ثلاثة أيام من الضياع والحيرة


عاش اللبنانيون ثلاثة أيام من البلبلة في ظل قرارات مفاجئة ومتضاربة تتعلق بسعر صرف الدولار مقابل الليرة في البنوك، من جانب هيئة قضائية والمصرف المركزي، ما أثار هواجس المواطنين حول ما تبقى من مدخراتهم في البنوك، وأعاد ظاهرة قطع الطرقات، وسط حيرة الخبراء وشكوكهم.

في 31 أبريل/نيسان الماضي، استجاب مجلس شورى الدولة، وهو من أعلى السلطات القضائية في لبنان، لطلب تقدم به ثلاثة محامين لوقف العمل بقرار من البنك المركزي مطبق منذ شهور عديدة، يحدد سعر صرف الدولار في البنوك بنحو 3900 ليرة، ما سمح للمودعين بسحب أموالهم من حساباتهم بالدولار على سعر 3900 ليرة بدلا من 1500 ليرة.

وبرغم أن قرار مجلس شورى الدولة يبدو محاولة لحماية ودائع اللبنانيين البنكية الموجودة بالدولار ليكون لهم الحق بسحبها بالدولار، إلا أن عدم وضوحه بالنسبة إلى كثيرين جعله عرضة لتأويلات مختلفة وانتقادات لأنه لم يحدد الخيار البديل، ولم يطرح آلية معينة لإلزام البنوك الخاصة، بتسليم المودعين أموالهم بالدولار.

وسادت مخاوف واسعة بين اللبنانيين من عودة البنوك للاعتماد على السعر الرسمي الأصلي المحدد بنحو 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد، ما يعني خسارة المواطنين مجددا لأكثر من 80 بالمائة من قيمة ودائعهم.

وفي مؤشر على خطورة تداعيات هذا القرار، تجددت الاحتجاجات وظاهرة قطع الطرقات يومي الأربعاء والخميس، بعد شبه انقطاع مستمر منذ أسابيع عديدة. فبالنسبة إلى كثيرين، قد يشكل القرار كارثة جديدة تطال حقوقهم، ذلك أنه سبق لهم منذ العام الماضي، أن شاهدوا عاجزين ودائعهم تتبخر وتتعرض لإجراءات تجميد فعلية، مع رفض البنوك السماح لهم بالسحب من حساباتهم المودعة بالدولار، إلى أن طرح المصرف المركزي آلية من خلال ما يسمى "المنصة" التي تتيح لهم سحب الدولار الواحد بسعر 3900 ليرة، بدلا من السعر الرسمي القديم المحدد بنحو 1500 ليرة.

كان باسكال ضاهر من بين الأشخاص الثلاثة الذين تقدموا بالطلب أمام مجلس شورى الدولة، وذلك بصفته الشخصية، لإلغاء مفعول ما يسمى "تعميم البنك المركزي الرقم 151" الذي أجاز للبنوك منذ العام الماضي، أن تسدد لعملائها الدولار بسعر 3900 ليرة.

ويوضح ضاهر دوافع تحركه القانوني هذا، قائلا إن المواطن يحق له السحب من حسابه البنكي بعملة الدولار وليس بأي عملة أخرى طالما أنه أودع أمواله بالدولار.

كما قال ضاهر إن "التعميم 151، يشكل هندسة مالية وضعت بهدف تمويل العجز المالي للبنوك، من أصحاب الودائع بالدولار. فالزبون يبيع الدولار للبنك بسعر 3900 ليرة، والبنك بدوره يتصرف بالدولار الذي اشتراه من الزبون، وذلك من خلال تصريفه بالسوق السوداء بسعر 13 ألف ليرة. ولهذا تقدمنا بهذه المراجعة لإبطال هذا التعميم.، لأن الآلية المعتمدة من جانب البنوك غير قانونية".

وما زاد الطين بلة، أن المصرف المركزي، بعد يومين على صدور قرار مجلس شورى الدولة، أعلن في بيان الأربعاء، أنه قرر "تعليق العمل بالتعميم رقم 151 الذي يسمح للمودعين بسحب أموالهم من حساباتهم بالدولار".

وبينما سجل تهافت على ماكينات سحب الأموال الآلية من جانب المواطنين المذعورين، وبدأت تحركات قطع الطرقات مساء، صدر بيان جديد من المصرف المركزي ليلا يتراجع فيه قائلا إنه "نظرا إلى أهمية التعميم 151 للاستقرار الاجتماعي ولتنشيط الحركة الاقتصادية في البلد، سيتقدم (مصرف لبنان) (الخميس)، بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة لكي يعيد النظر بالقرار (الإعدادي) الذي اتخذه". ثم أعلن محافظ المصرف المركزي رياض سلامة يوم الخميس الالتزام بـ "التعميم 151" مجددا.

وإلى هذا، قال الدكتور غسان دوغمان، وهو يتذمر من هذه التقلبات المحيرة، إن "السلطة الحاكمة تأكدت اليوم أن الشعب أصبح يتمسك بأن دولاره في البنك يساوي 3900 ليرة وليس 1500 ليرة، بينما هو تخطى ال 13 ألف ليرة في السوق السوداء ... إنها كالمسرحية".

لكن الإعلامي الحقوقي علي الموسوي، أكد أن قرار مجلس شورى الدولة واضح وصريح، فالمال المودع بالدولار يستعاد بالدولار وليس بأي سعر صرف محدد من البنك المركزي.

كما قال الموسوي إن القرار القضائي جرى تشويهه عمدا في بعض وسائل الإعلام خدمة لمصالح البنوك التي بددت في الأساس أموال المودعين.

وأوضح ضاهر، وهو أيضا متخصص بالرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها، أن "اللوبي الموالي للبنوك يشن حملة تشهير ضدي، وأتلقى تهديدات، وأبعدت أفراد عائلتي من بيروت خوفا عليهم. سأتقدم بشكوى أمام النيابة العامة"، مؤكدا أن هدفه، كمدع شخصي وصاحب حساب بنكي بالدولار، هو أن "يحصل المودع أمواله المودعة بالدولار بعملتها. البنك ملزم أن يسدد بالدولار".

وحول اللقاء الذي جمع الخميس البنك المركزي ومجلس شورى الدولة برعاية رئاسة الجمهورية، قال ضاهر إنه ما زال على ثقة بأن مجلس شورى الدولة يحاول حماية القانون، والقرار الذي أصدره لا غبار عليه، ولهذا فإن هذا الاجتماع يشكل "تدخلا سياسيا في استقلالية السلطة القضائية".

يتبنى الدكتور نزار صاغية، المدير التنفيذي ل"المفكرة القانونية"، وهي منظمة غير ربحية تعنى بحماية الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية، هذا الانتقاد ويقول إن اجتماع القصر الجمهوري يشكل "سابقة خطيرة تمهد لمزيد من التدخل في القضاء".

ترك تعليق

التعليق