البنزين يجبر اللبنانيين على تعديل تفاصيل حياتهم اليومية


فرضت أزمة البنزين على اللبنانيين إدخال تعديلات كثيرة على حياتهم وأجبرتهم على التنازل عن عادات طبيعية تتعلق بتنقلاتهم اليومية واللجوء الى حلول لم تكن متصورة من قبل.

وصارت يوميات اللبنانيين أشبه ببورصة الاسهم وهم يترقبون توفر البنزين من عدمه، ويزداد أحيانا منسوب تفاؤلهم مثلما جرى يوم الإثنين عندما أعلن تجمع الشركات المستوردة للنفط أن "الشركات استكملت منذ صباح الإثنين توزيع المحروقات (12 مليون لتر على الأقل)، بعد موافقة مصرف لبنان (البنك المركزي)"، بعدما كان التجمع نفسه أعلن يوم الجمعة الماضي أن الكميّات اليومية المطلوبة من البنزين تبلغ حوالي 10 ملايين ليتر.

ويعني ذلك بالنسبة الى اللبنانيين أن تفاؤلا كالذي عم يوم الإثنين لن يدوم أكثر من 24 ساعة، وستعاود أسهم الاحباط تخيم على حياتهم اليومية بعودتهم إلى دوامة البحث والانتظار والقلق أمام محطات الوقود في كل مناطق البلد، أو الاستمرار في البحث عن تبديل إجراءات حياتهم اليومية لتخفيف وطأة يأسهم.

صار الأخوة في عائلة نجم يقطعون مسافة أكثر من 70 كيلومترا من قريتهم في أقصى الجنوب، الى بيروت بسيارة واحدة ويتابعون أمورهم في العاصمة ثم يتجمعون للعودة سوية الى قريتهم.

الشاب مصطفى مكي (25 سنة) لا يفكر بتاتا بشراء سيارة مجددا في ظل هذه الظروف، ويعتمد في حركته على سيارات الاجرة للانتقال إلى عمله في مقهى في شارع الحمرا. تخلى مكي أيضا عن عادة الزيارة الأسبوعية لقريته اركاي، بالقرب من مدينة صيدا.

أما فؤاد حطيط (60 سنة) فلم يغادر منزله في حي عين الرمانة في بيروت، لتمضية عطلة نهاية الاسبوع الماضية مثلما يفعل عشرات الآلاف من اللبنانيين، وخصوصا خلال شهور الصيف، بالانتقال إلى قرى الجبال والمناطق البعيدة عن العاصمة والمدن المكتظة للترويح عن أنفسهم أو زيارة أقاربهم.

وقال حطيط الذي اعتاد الذهاب إلى عجلتون في المنطقة الجبيلة في كسروان للاجتماع بأصدقائه، "لم أغادر لأنني لم أكن اريد استهلاك ما لدي من البنزين في سيارتي، ولئلا أضطر إلى الوقوف في طابور الذل"، مشيرا بذلك الى طوابير السيارات التي تصطف يوميا امام محطات الوقود. 
وعلى غرار حطيط، قرر كثيرون البقاء في بيوتهم منذ أسابيع، ما لم تضطرهم الظروف إلى الخروج والتنقل.

ووفقا لنقابة اصحاب محطات الوقود في لبنان، فان تغذية حاجة السوق ببضعة ملايين من ليترات البنزين لا تشكل سوى حلا مؤقتا وليست حلا جذريا ونهائيا من جانب حكومة تصريف الاعمال والبنك المركزي الذي يتمتع بسلطة فتح اعتمادات مالية بالدولار الامريكي لشركات خاصة لاستيراد البنزين والمازوت، وهما مادتان ما زالت الحكومة تدعمهما وتبقي سعرهما مقبولا بالنسبة الى كثيرين.

لكن هذا الدعم قد يُرفع في إطار خطط اصلاحات اقتصادية يحتاجها الاقتصاد اللبناني الذي عانى منذ العام 2020 من انهيار شبه شامل، بعد عقود عدة من سوء الادارة والفساد. وقد تتزايد بالتالي أسعار البنزين الى ثلاثة أضعاف سعرها الحالي بحسب تقديرات الخبراء، ما سيفرض على اللبنانيين ضغوطا إضافية للتخفيف من اعتمادهم شبه الكامل على هذه المادة الحيوية والبحث عن خيارات بديلة.

ويقول روي أبو جودة، وهو بائع للدراجات الهوائية في أحد متاجر بيروت، ان كثيرين يأتون للسؤال عن أسعار الدراجات الهوائية، لكن عندما يكتشفون أن سعر الدراجة من الطراز المتوسط الجودة، يبلغ عدة ملايين من الليرات، يتراجعون. ويضيف أنه في كل الأحوال، فان مبيعات الدراجات الهوائية في مناطق مثل المتن وكسروان أفضل منها في بيروت، بسبب المساحات الاوسع المتوفرة على الطرقات المؤهلة لقيادة الدراجات.

إلى ذلك، يقول علي شمص، وهو أيضا يبيع الدراجات الهوائية في أحد شوارع بيروت، إن اللبنانيين يقبلون على شراء الدراجات الهوائية التي يتراوح سعرها ما بين المليون ليرة ومليوني ليرة (الدولار يعادل حوالى 15 الف ليرة في السوق السوداء)، لكن كثيرين يترددون في الشراء عندما يدركون ان بإمكانهم بدلا من ذلك، شراء دراجة نارية من الطراز الصغير الحجم والأكثر ملاءمة لشوارع بيروت وبسعر يزيد قليلا فقط عن الدراجة الهوائية.

لكن أبو جودة يقول "الاقبال بكثافة على الدراجات الهوائية لن يحصل سوى اذا حصل انقطاع كامل للبنزين وتوقفت السيارات عن الحركة تماما".

ترك تعليق

التعليق