"حراقات النفط" البدائية.. خطر يهدد حياة الأطفال في الشمال السوري


تحت فوهة لإحدى حراقات النفط المتهالكة في قرية "معارة النعسان" بريف إدلب جلس عدد من الأطفال وأكبرهم لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره ليجمعوا بقايا الفحم الناتج عن حرق الفيول (النفط الخام) داخل الحراقة ليقوموا ببيعه أو الاحتفاظ به وقوداً لشتاء قادم، وهي المهنة التي اتخذها العشرات من الأطفال في مناطق الشمال السوري مصدر رزق لإعالة أسرهم مع ضآلة ما يجنونه، غير عابئين بمخاطرها وأضرارها الصحية والنفسية.
 


وتنتشر في مناطق عدة من الشمال السوري وبخاصة في إدلب، مصافي بترول اصطلح الأهالي على تسميتها بـ "حراقات النفط"، بأعداد كبيرة، لتأمين حاجة السوق المحلية من وقود التدفئة والإنارة والطهو وإدارة المركبات، ورغم الأضرار الصحية لهذه المصافي البدائية فإن المئات من الأطفال يعملون بها سواء في جمع النفايات الناتجة عن عمليات الحرق أو التكرير أو في تنظيف الخزان من الداخل وإزالة الشوائب العالقة بقاعه وجدرانه التي تتكاثف عليها السموم مخلفة لهم العديد من الأمراض كالسعال والربو التحسسي والتهاب القصبات الحاد وذات الرئة، عدا مخاطر انفجار هذه الحراقات عند أدنى خطأ أو تسرب للفيول أو استهداف من طائرات النظام أو القوات الحليفة له.



 وقال أخصائي الأمراض الداخلية والقلبية في المركز الطبي في معارة النعسان "فهد العبد" لوسائل إعلام محلية إن "ألفي مريض في السنة" يعانون من أمراض ناتجة عن "المواد العضوية المنتشرة في الهواء نتيجة الحراقات والتكرير غير العلمي للمواد البترولية الخام وأكثر المتضررين من هذه الحراقات هم الأطفال دون سن الخامسة عشرة".
 


 وبدأت "الحراقات" بالانتشار  بشكل واسع منذ العام 2013 في بلدات ريف حلب الشمالي والشرقي، وتتركز على الطرق الرئيسة الواصلة بين مدن اعزاز والباب وجرابلس وريفيهما وفي شمال مدينة الباب والأماكن التي يتواجد بها أسواق الفيول وكذلك في دير الزور ومناطق من الحسكة. ويقوم مالكو هذه الحراقات بشراء الفيول من مناطق سيطرة الأكراد في محافظة الحسكة (شمال شرق)  وجلبها بشاحنات إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة (شمال وشمال غرب)، في رحلة قد تستغرق شهراً أحياناً لوجود الكثير من الحواجز الأمنية سواء للأكراد أو للمعارضة، ويتم تكريره لبيعه كمازوت وبنزين من خلال خزان سعته 10 آلاف لتر، ويتم حرق النفط الخام بإضرام النار تحته بواسطة إطارات السيارات القديمة، وبعد الانتهاء من التسخين يجري إخراج المادة في أنابيب حديدية تمر في حفرة مليئة بالمياه لتبريدها. ويخرج من نهاية تلك الأنابيب البنزين أولاً، يليه الكيروسين، ومن ثم المازوت.



 وروى الناشط "محمد اسماعيل" لـ "اقتصاد" أن تدهور الوضع المعيشي وغلاء الأسعار ونقص فرص العمل دفعت بالعشرات من الأطفال إلى ترك مقاعدهم الدراسية لإعالة أهاليهم من خلال ممارسة أشق الأعمال كالعمل في جمع النايلون من القمامة لبيعه أو ممارسة مهن أخرى كالحدادة أو غيرها من الأعمال الشاقة كالعمل داخل وخارج حراقات النفط التي تعتبر أخطر أنواع هذه المهن–كما يقول- لما تحمله أدخنة تلك الأماكن من الأمراض التي تؤثر على جهاز التنفس وما تسببه من اختناق وغثيان وأمراض جلدية مزمنة قد تؤدي إلى أمراض سرطانية، وفي بعض الأحيان إلى الموت ليس فقط على العاملين بل وعلى المناطق المجاورة التي يطولها دخان الحراقات السام المضر بالإنسان والحيوان والنبات، ولا تقتصر هذه الأخطار  -بحسب اسماعيل – على الجانب الصحي بل قد تكون مهددة للحياة إذ تنتج أحياناً انفجارات لهذه الحراقات بسبب الضغط الكبير داخل الخزان الذي يستخدم في التكرير.
 


ولفت المصدر إلى العمل في (الحراقات) هي أحد الأعمال التي يمارسها بعض الناس وليس الأطفال فقط لتدر عليهم المال من خلاء شراء مادة الفيول وتكريره عبر وسائل صنعت محلياً، بصورة يدوية، لاستخراج المازوت والبانزين والكاز وبيعه إلى الكازيات أو المحلات الصغيرة المتواجدة على أطراف الطرقات أو في أماكن السكن.
 


وكشف اسماعيل أن أطفال الحراقات يتقاضون مقابل هذا العمل الخطر ١ دولار وهم يعملون منذ الفجر وحتى المساء في التعزيل وإعداد الشاي والقهوة وإعداد الطعام وتقديم الخدمات الأخرى للعاملين الكبار في الحراقات، وقد يقومون بجمع بعض قطع الفحم الناتجة عن الاحتراق والنايلو وعلب الكلور في أكياس لبيعها أو تخزينها كمواد تدفئة في الشتاء.
 


وأشار والد أحد الأطفال العاملين في الحراقات في حديث لـ "اقتصاد" إلى أنه يعتمد على عمل ابنه في هذه الحراقات في مساعدته أمام تحديات وصعوبات الحياة ولا سيما غلاء الأسعار الفاحش، مضيفاً أنه لا يملك مهنة أو وظيفة يعتاش منها ولا يتلقى شيئاً من المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية ولذلك اضطر -كما يقول- إلى تشغيل طفله في هذا العمل وترك المدرسة بسبب عدم قدرته على تحمل نفقات التعليم والدراسة.




ترك تعليق

التعليق