اقتصاديات.. حكومة المتاهات والدهاليز


منذ تولى حسين عرنوس رئاسة الحكومة في الشهر السادس من عام 2020، بدا واضحاً بأن النظام اتخذ قراراً بإشغال الشعب السوري بلعبة المتاهات والدهاليز الصغيرة، وذلك بعد مرحلة، كان مطلوباً من الحكومة، أن تبث الأمل والطموح، ونهاية الحرب والخلاص، وأن القادم أجمل.. وكل ذلك كان من أجل تجميل صورة التدخل الروسي في سوريا، نهاية شهر أيلول من عام 2015، والذي تشكلت على إثره حكومة عماد خميس، في الشهر السابع من عام 2016.

لقد نجح عماد خميس إلى حد كبير، بأداء المطلوب منه، حتى منتصف العام 2018.. لكن بعد ذلك التاريخ بدأت الأوضاع تسوء، وخصوصاً مع انهيار سعر صرف الليرة السورية المتسارع، من أقل من 1000 ليرة مقابل الدولار الواحد في نهاية العام 2019، إلى أكثر من 2000 ليرة مع مطلع العام 2020.
 
أما أبرز التحولات التي أدت إلى هذا الانهيار، ما اتضح سريعاً، بأن التدخل الروسي لم يكن بلا كلفة، وإنما كان ثمنه باهظاً، ومن قوت الشعب السوري ومقدرات بلده.. حيث بدأت الأخبار تتوالى عن سيطرة الروس على أكثر من 90 بالمئة من إنتاج الفوسفات السوري، الذي كان يؤمن دخلاً وطنياً يقارب المليار دولار سنوياً، ومن ثم السيطرة على ميناء طرطوس، والذي كان يؤمن كذلك دخلاً لخزينة الدولة يقارب الربع مليار دولار سنوياً..

 هذا ناهيك عن سيطرة إيران على بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية، والتي لاتزال أخبارها طي الكتمان، مع وصول الديون الإيرانية على النظام، إلى أكثر من عشرين مليار دولار حتى الآن.

كل ذلك شكّل نتيجة طبيعية لانهيار الاقتصاد السوري، وخصوصاً بعدما أعلنت إيران منذ منتصف العام 2019، عن عدم قدرتها  على الاستمرار في مد النظام بالديون لشراء القمح وغيره من السلع الأساسية، بالإضافة إلى تقنين إمداداتها له من النفط، بسبب العقوبات والحصار الأمريكي.

في ظل هذا المأزق، لم يجد النظام من حلول، سوى اللجوء إلى الشعب السوري، وذلك بعد أن فشل في إجبار التجار ورجال الأعمال على المساهمة في دفع تكاليف الحرب، ومساعدته في تمويل استيراد المواد الأساسية، خلال الاجتماع الشهير الذي جرى في فندق الشيراتون بدمشق، في الشهر التاسع من عام 2019، والذي كان من أبرز نتائجه، هروب المزيد من رجال الأعمال وخروجهم من البلد، وعلى رأسهم سامر الفوز.. الذي توارت أخباره منذ ذلك التاريخ تقريباً.

كما فشل النظام في إجبار تجار دمشق على دعم سعر صرف الليرة السورية مع بدء انهيارها في ذات العام، عندما طلب منهم بيع دولاراتهم بسعر أقل من سعر الصرف الحقيقي بنحو النصف.
 
لقد وصلت هذه المحاولات الفاشلة إلى نهايتها مع مطلع العام 2020، وبعدها أخذ النظام يكشر عن أنيابه لافتراس الحلقة الأضعف، الذين هم الشعب السوري.. فبعد أن استنزفهم بشرياً، قرر أن يستنزفهم مالياً.. 
لذلك أعلن على الفور، عن برامج تقنين طالت كافة المواد الأساسية، عبر إصدار بطاقة ذكية، تحدد مخصصات الناس من هذه المواد.
 
وأيقن النظام أيضاً، أن هذه المرحلة تتطلب وجوهاً جديدة، لم يعد عماد خميس، صاحب الوعود البراقة بغدٍ أفضل، مناسباً لها، لهذا بدأت وسائل الإعلام، بدفع من النظام ذاته، تشن هجوماً كاسحاً عليه، متهمة إياه بالكذب والدجل وبأنه المسؤول عن تبديد مقدرات البلد الاقتصادية، بسبب سوء إدارته لتوجيهات "السيد الرئيس".

كان النظام بحاجة لشخص "بليد"، من أجل أن يمرر مشروعه بافتراس لقمة عيش الشعب السوري، لذلك لم يجد أفضل من حسين عرنوس، ابن مدينة إدلب، والذي يقول المقربون منه، بأنه بارع جداً في لعبة الدهاليز والمتاهات، التي اكتسبها من خبرته الطويلة في العمل مع المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية والجسور، وهو القطاع الذي كان يسيطر عليه "شبيحة" كبار مقربين، تحت مسمى متعهدين، أمثال ذو الهمة شاليش وأخيه رياض عيسى شاليش، وتميم بدر، وغيرهم من الأسماء النافذة في النظام.

لذلك، المتابع لما يجري للمواطن السوري في الداخل اليوم، من خلال إدخاله في هذه الدوامة المستمرة من الأزمات والتفاصيل، يدرك أن الهدف منها إنهاكه وإشغاله، بالإضافة إلى التفنن في إذلاله، من أجل تهيئته دائماً لما هو أسوأ.. وهو أسلوب يؤكد كل من عرف حسين عرنوس، أنه أنسب شخص يمكن أن يمارسه، لأنه سبق وأن تعرض لذلك كثيراً، في كل المناصب التي تولاها، منذ 25 عاماً وحتى اليوم.

ترك تعليق

التعليق