منعاً لتكرار تجربة العقود السابقة.. ما الواجب تضمينه بالدستور السوري الجديد حول الاقتصاد؟


يتجدد الحديث عن الاقتصاد السوري والمواد التي يجب تضمينها في الدستور، كلما اقترب موعد انعقاد جولة جديدة من محادثات اللجنة الدستورية، بمشاركة المعارضة والنظام في جنيف.

اقتصادياً، وبعد تجربة مريرة، منذ تسلم حزب البعث السلطة في سوريا، في العام 1963، يبدو ضرورياً من وجهة نظر مراقبين، تضمين الدستور الجديد – في حال تم التوصل إليه- بالسياسات الاقتصادية الواضحة، تجنباً لتبعات توجهات عشوائية كتلك التي انتهجتها الطبقة الحاكمة على مدى العقود السابقة.

وحتى الآن، لم يتم مناقشة أي تفصيل اقتصادي على مدار الجولات الخمس السابقة التي بدأت في تشرين الثاني 2019، وذلك لأن النظام عبر وفده، لا زال يرفض الخوص في مضامين الدستور، ويصر بدلاً من ذلك على طرح مواضيع خارج صلب الدستور، لتضييع الوقت.

تسربت خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر في العام 1958، الأفكار الاشتراكية، التي تجلت بوضوح في قوانين التأميم، التي يُنظر لها على أنها أولى الضربات الموجعة التي شهدها الاقتصاد السوري بعد الاستقلال.

وعلاوة على ذلك، أسهم وصول "البعث" إلى السلطة، في تخريب الاقتصاد السوري، وتوج ذلك كله، تسلم حافظ الأسد السلطة في العام 1970، الذي بدأ بترسيخ السلطة الفردية، الهادفة إلى إثراء عائلته على حساب مقدرات البلاد، تحت شعارات "اشتراكوية".

في عهد الأسد الأب، كانت الدولة والقطاع العام في خدمة العائلة الحاكمة، تحت عنوان الاشتراكية، ومع اعتلاء الابن السلطة في العام 2000، ظهرت الشركات الخاصة، بالاتفاق مع بشار الأسد الذي أوكل لقريبه رامي مخلوف مهمة التشاركية معها، وبدا الاقتصاد السوري منفتحاً بعض الشيء، بعد الانتقال إلى "اقتصاد السوق الاجتماعي".

وبعد اندلاع الثورة السورية، بدأ الأسد بتبديد مقدرات البلاد لصالح إيران وروسيا مقابل حمايته ومساندة قواته، في المقابل ظهرت طبقة جديدة من الأثرياء الجدد (أمراء الحرب) مثل أبو علي خضر، وسامر الفوز، وكان لا بد من الإطاحة بالطبقة القديمة التي كان يديرها رامي مخلوف. 

واليوم يرى طيف من السوريين، أن من الضروري رسم ملامح الاقتصاد السوري المستقبلي، أملاً في استعادة شيء من الخسائر التي بدأت منذ استيلاء آل الأسد على السلطة، والتي بلغت ذروتها خلال العقد الأخير، نتيجة الحرب، والتدخل الأجنبي (الروسي، الإيراني).

مقترحات للإدراج في الدستور

أستاذ العلوم الاقتصادية، الدكتور رفعت عامر، دعا خلال حديثه لـ"اقتصاد"، إلى تشكيل "محكمة عليا اقتصادية" مستقلة عن السلطة التنفيذية.

وإلى جانب ذلك، اعتبر عامر أن من الضروري سن قوانين تتعلق بالفساد المالي والإداري، تكون صارمة إلى الحد التي لا تسمح فيه للفاسدين بالتحكم بمقدرات البلد الاقتصادية، ويُعهد تطبيقها للمحكمة العليا.

رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا" والخبير الاقتصادي الدولي الدكتور أسامة قاضي، زوّد "اقتصاد" بمقترحات ضمن ورقة أعدها القاضي في وقت سابق، لإدراجها في الدستور السوري الجديد، ينشرها الموقع كما هي:

- أساس الاقتصاد الوطني السوري هو "العدالة الاجتماعية" بحيث يهدف الاقتصاد إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والحد من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين أبنائه.

- الاقتصاد السوري اقتصاد منتج وتنافسي في إطار التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة من خلال آليات اقتصاد السوق والحرية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار والإدخار.

-تعمل الدولة السورية على وضع خطط تنموية بغرض زيادة المدخرات الوطني والإنتاج، وضمان استقرار الأسعار، والتوازن في المدفوعات الخارجية، وتشجيع الاستثمار وزيادة معدل التوظيف.

-تلتزم الدولة السورية بحماية حقوق المستهلكين، وتلتزم الدولة بالقضاء على التفاوت بين المناطق والمحافظات السورية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية.

-تضمن الدولة السورية بناء اقتصاد متنوع يثمن قدرات الوطن كلها، الطبيعية والبشرية والعلمية.

-تشرف الدولة السورية على تنظيم الائتمان ومراقبة النظام المصرفي، وتؤسس لعلاقة المصارف بأنواعها مع المصرف المركزي، وتتخذ تدابير تعزز وتحسن من أداء أسواق المال والائتمان ورؤوس الأموال.

- تلتزم الدولة السورية بالتعاون مع القطاع الخاص بوضع سياسات دعم وتطوير القطاع الصناعي، بما فيها، استخدام أعلى الوسائل التكنولوجية من أجل النهوض بالصناعة السورية.

- تلتزم الدولة السورية بالتعاون مع القطاع الخاص بوضع سياسات دعم وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخاصة التي تخلق أكبر فرص عمل وتستخدم التكنولوجيا، وتشجع تلك السياسات الاقتصادية.

-تلتزم الدولة بسياسة عدم تصدير المواد الخام من ثروات الوطن دون تصنيع إلا في الحد الأدنى.

-الملكية الخاصة مصونة، وتكفل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها ولا ينزع من أحد ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يعوض المالك تعويضاً عادلاً.

-تحظر المصادرة العامة للأموال ولا تكون عقوبة المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي. للأموال العامة حرمة، وحمایتها واجب على كل مواطن.

-حرية الاختيار مصونة والمالكون أحرار في الإنتاج والبيع والشراء للسلع والخدمات في سوق تنافسي، وتضمن الحكومة السورية الشروط اللازمة لسوق فعال لبيع السلع والخدمات حيث يتمتع جميع المشترين والبائعين بالمساواة في الوصول إلى نفس المعلومات حيث تغيرات الأسعار هي انعكاسات خالصة لقوانين العرض والطلب.

-تتعهد الحكومة السورية بعدم التدخل في النشاط الاقتصادي إلا في الحد الأدنى وتترك المجال الاقتصادي لمبادرات القطاع الخاص.

-تقر الدولة السورية بأن الطبقة الوسطى هي المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية، وتلتزم بالسعي من أجل تدعيم هذه الطبقة وتوسيعها وتأمين ما تحتاجه من موارد لتنميتها.

-تسعى الدولة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة لكل أرجاء الوطن السوري طبقاً للتنافسية والإمكانيات الكامنة لكل محافظة من المحافظات السورية واستثمارها، كما تعمل على الاستغلال الرشيد للثروات الوطنية.

- تلتزم الدولة السورية بمبادئ الحكم الرشيد، ودعم اللامركزية الإدارية بما فيها سياسات ضريبية تعود على كل محافظة بنسبة عادلة من حصيلة جبايتها الضريبية، على كامل التراب الوطني في إطار وحدة الدولة.

-أداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة واجب وطني وفق نظام عادل ومنصف، وتضع الدولة الآليات الكفيلة بضمان استخلاص الضريبة، ومقاومة التهرب.

-تحرص الدولة على حسن التصرف في المال العمومي وتتخذ التدابير اللازمة لصرفه حسب أولويات الاقتصاد.

-إرادة  الشعب هي مناط سلطة الحكم، وتضمن الدولة السورية تجليات هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ.

-تقر الدولة السورية بأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا غنى عنها لكرامة المواطن السوري، وتضمن الدولة السورية حق كل سوري في العمل، وفي حرية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة.

-تلتزم الدولة السورية بفرض ظروف عمل تكفل السلامة والصحة، إضافة إلى أوقات الاستراحة وتحديد عدد معقول لساعات العمل، وكذلك الإجازات الدورية المدفوعة الأجر، وكذلك المكافأة عن أيام العطل الرسمية.

- تلتزم الدولة السورية برسم سياسات غذائية وتغذية مناسبة في إطار الخطط العامة للإنماء الاجتماعي والاقتصادي والزراعي، وإزالة العقبات التي تعترض سبيل إنتاج الأغذية وتوفير حوافز مناسبة للمنتجين الزراعيين.

- تلتزم الدولة السورية بتشجيع الأبحاث العلمية الزراعية وخاصة تطوير وإكثار البذار، وتشجيع الزراعات البديلة، والزراعات المحمية، وتأمين أعلاف مناسبة لتنمية وتطوير الثروة الحيوانية.

- تقر الدولة السورية بدور المرأة الهام في الإنتاج الزراعي والاقتصاد الريفي، وتضمن الدولة السورية العمل على إتاحة التعليم المناسب والبرامج الإرشادية المالية للمرأة على قدم المساواة مع الرجل.

-تضمن الدولة السورية حق التملك لكل فرد، وحريته في التصرف في أملاكه وثروته ضمن القانون، وتضمن حمايتها ضمن القانون، وتتعهد الدولة السورية بوضع سياسات إنمائية وطنية ملائمة تهدف إلى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان وجميع الأفراد على أساس مشاركتهم، النشطة والحرة والهادفة، في التنمية وفي التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها.

خسر الاقتصاد السوري خلال العقد الأخير أكثر من ثلثي مقدراته، وفق تقديرات اقتصادية، وتراجع الناتج المحلي إلى أقل من 20 مليار دولار أمريكي في العام 2019، بعدما زاد على 60 مليار دولار عام 2010، والواضح أن السوريين العاديين الذين يعيش نحو 90 في المئة منهم تحت خط الفقر هم من يدفعون الثمن، مما يحتم على "اللجنة الدستورية" أخذ المنحى الاقتصادي بالحسبان، والعمل على صياغة مواد دستورية من شأنها ضمان استعادة قوة الاقتصاد السوري.

ترك تعليق

التعليق