دلالات التقارب الاقتصادي الأردني مع النظام السوري


تخطو الأردن بشكل متسارع نحو الانفتاح الاقتصادي على النظام السوري، مدفوعة على ما يبدو بالأوضاع السياسية التي عصفت بالمملكة مطلع العام الجاري، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والتي وضعت الأردن أمام واقع جديد، لم يكن ضمن حساباتها الاستراتيجية على الأغلب.

الانفتاح الأردني على النظام السوري، أو الرغبة بهذا الانفتاح، بدا جلياً في أعقاب زيارة الملك عبد الثاني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في منتصف شهر تموز الماضي، والتصريحات التي أطلقها من هناك، والتي اتضح من خلالها، أن الأردن سوف يلعب لاحقاً، دوراً كبيراً في تغيير المشهد السياسي السوري، والذي تمثل بداية في هجوم النظام على درعا البلد، التي تمتلك أحد الحدود البرية مع الأردن، وتالياً بإعادة إحياء مشروع خط الغاز العربي، والذي على ما يبدو أن الملك الأردني حصل على الموافقة على إعادة تشغيله من الإدارة الأمريكية، عبر استثنائه من عقوبات قانون قيصر، بحجة تزويد لبنان بالغاز، من أجل إبعاده عن إيران.
 
وفي سياق متصل، فإن الأردن لم يكتف بهذا القدر، من خطوات التقارب مع النظام السوري، بل شهدت العلاقات تطوراً لافتاً، وعلى نحو مستغرب، وذلك من خلال زيارة مسؤولين سوريين كبار إلى العاصمة عمان، لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، على رأسهم وزراء النفط والكهرباء والنقل، وتالياً زيارة وزير دفاع النظام قبل نحو أسبوع، ما يشير إلى أن الأمر قد يأخذ أبعاداً أكثر من الشق الاقتصادي، وإنما هناك شيء ما يطبخ في الخفاء، من أجل إعادة تأهيل بشار الأسد، كرئيس شرعي على سوريا.
 
وحتى لا نغوص كثيراً في الشق السياسي لخلفيات هذا التقارب الأردني مع بشار الأسد وحكومته، لا بد من لفت الانتباه، إلى أن النظام السوري نجح بإرعاب الأردن عبر جلب الميليشيات الأردنية إلى القرب من حدوده، ومن جهة ثانية، لا بد من الاعتراف بأن الأردن تشعر بخيبة أمل كبيرة من حلفائها الخليجيين، بعدما اتضح أنهم على ارتباط بالمؤامرة الداخلية، التي كان مخططاً لها لزعزعة الاستقرار في المملكة، وهو على الأغلب من أبرز الأسباب التي دفعت عمان للتوجه نحو بشار الأسد.

أما بخصوص ما يجري اليوم في عمان، من خلال استضافة اجتماع وزاري، يشارك به عدد كبير من وزراء النظام، بالتزامن مع قرار المملكة بفتح الحدود البرية مع سوريا بشكل كامل، فهو حدث قد يبدو للوهلة الأولى اقتصادياً، لكن يجب أن لا ننسى أنه يخفي في داخله تحولاً سياسياً كبيراً في الموقف الأردني، والذي بات أكثر بعداً عن الموقف الخليجي، وبالذات السعودي. ومن هنا لا نتوقع أن يتوقف المشهد عند هذا الحد، وإنما ستتلوه أحداث أخرى وردات فعل، قد نشاهدها قريباً لدى المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص.
 
يشير الكثير من المراقبين إلى أن الرياض بدأت بالفعل بالتصدي لمشهد تقارب الأردن مع النظام السوري، من خلال سلسلة القرارات التي أصدرتها قبل عدة أشهر، وتضع فيها شروطاً كثيرة وعراقيل عدة، على عبور البضائع إلى أراضيها، وهو ما يحرم النظام السوري من ميزة التسهيلات الأردنية، التي سوف يحصل عليها في هذا الاجتماع الأخير، والذي تقرر فيه مسبقاً، إزالة كافة العقبات السابقة، لدخول البضائع السورية للأراضي الأردنية.
 
قد تكون الأردن مستفيدة من إعادة انسياب التبادل التجاري مع سوريا، إلا أن التجار السوريين، لا يتطلعون إلى السوق الأردنية، إلا باعتبارها أرض عبور فقط، فيما أعينهم على السوق الخليجية بالدرجة الأولى، والمصرية بالدرجة الثانية.
 
لكن على جانب آخر، لا ينظر النظام السوري إلى الانفتاح الأردني عليه، من بوابة المنافع الاقتصادية، فهو يدرك سلفاً أن هذه المنافع محدودة، وأن الأردن هو المستفيد الأكبر منها، وإنما يرغب باستثمار هذا الانفتاح، من خلال تصريفه في السوق الداخلية، عبر القول لجمهوره بأن العرب يتقاطرون لمصالحته، كما توقع وهدد في بداية الأحداث في سوريا العام 2011. كما أن النظام يحاول أن يصرف هذا التقارب مع الأردن في السوق العربية والدولية، على أمل أن يدفع ذلك أطرافاً أخرى لكي تخطو نفس الخطوة الأردنية.
 
ختاماً، يمكن القول، أن مفتاح اللغز في كل ما يجري على صعيد الحدث السوري، هو إيران وميليشياتها.. فمثلما فعل النظام السوري في بداية الثورة، عندما قام باعتقال عدد كبير من السوريين وأخذ يفاوض ذويهم على إخراجهم مقابل التخلي عن الثورة، فهو فعل نفس الشيء مع الدول الأخرى، وبالذات المجاورة.. فهو جلب المليشيات الإيرانية إلى حدودها، وأخذ يفاوض على إعادة تأهيله مقابل إخراجها من سوريا أو إبعادها عن حدود تلك الدول.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال: هل يملك بشار الأسد السلطة على هذه الميليشيات، وبالتالي القرار بإخراجها..؟، وثانياً: هل تقبل إيران أن تكون لعبة بهذا الرخص، وتخرج من سوريا كرمى لعيون إعادة تأهيل بشار الأسد، بعدما استطاعت التمركز في مواقع متقدمة على الحدود مع إسرائيل والأردن، بحثاً عن مشروع أكبر من سوريا وأكبر من بشار الأسد ذاته..؟

(الصورة المرفقة: اجتماع بين وزراء بحكومة النظام ووزراء أردنيين في عمّان)

ترك تعليق

التعليق