العقوبات وإدارة النظام.. كيف تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا؟


خلصت ورقة "تقييم حالة" نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، إلى أن كلاً من العقوبات الغربية، والإدارة السيئة للاقتصاد من جانب نظام الأسد، ساهما معاً في التدهور الاقتصادي غير المسبوق الذي يعيشه المواطن السوري، اليوم.

وقال معدّ الورقة، الباحث السوري المتخصص في الاقتصاد السياسي، إبراهيم ياسين، إن القرارات الأخيرة الصادرة عن صنّاع القرار الاقتصادي بحكومة النظام، جاءت لتستنزف ما بقي من مُقدّرات الفئات الفقيرة والهشّة لمصلحة أمراء الحرب. 

وقال معدّ الورقة، إن العقوبات الغربية أدت دوراً إضافياً في تفاقم تدهور الوضع الاقتصادي للشعب السوري؛ إذ باتت الأطراف المستهدفة بالعقوبات تستهدف بدورها دخل المواطنين البسطاء، عمّالًا وموظفين في القطاعين العام والخاص، من أجل تعويض خسائرها، وتزيد إدارة نظام بشار الأسد للاقتصاد السوري وأزماته الوضع سوءاً.

ووفق ورقة التقييم المنشورة في 15 أيلول/سبتمبر الفائت، فإن الحرب أدت إلى تمزيق اقتصاد البلاد وخروج قطاعات أساسية كانت تمدّ الخزينة العامة بالموارد عن سيطرة النظام السوري. أما العقوبات المفروضة على النظام، فلم تدفعه إلى الآن إلى تقديم تنازلات، بل زادت ظروف السوريين المعيشية سوءاً، ودفعت حكومته إلى مزيد من التسلّط على جيوب السوريين الذين باتوا يعانون ظروفاً قاسية في مجالات الحياة كلها.

واستعرضت الورقة جملة أرقام ومؤشرات توضح مدى تدهور الوضع الاقتصادي، من ذلك ما نشرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في أيلول/ سبتمبر 2020، بعنوان "سورية بعد ثماني سنوات من الحرب"، ومفاده أن سوريا تكبّدت خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة تُقدّر بنحو 442 مليار دولار، خلال ثماني سنوات من الحرب.

وأشارت الورقة إلى رفع أسعار المازوت والخبز مؤخراً، من جانب حكومة النظام، بوصفه مؤشراً على شح موارد الدولة. بالتزامن مع انتشار الفقر الشديد وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية لدى الشريحة الأكبر من السكان.

وتُظهر التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية صورة قاتمة عن الوضع في سوريا، وفق الورقة ذاتها. فقد نشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في أيار/ مايو 2021 تقريراً عن الوضع الإنساني في سوريا، أشارت فيه إلى أن 13.4 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدة إنسانية، وقرابة نصفهم (6.08 ملايين) من الأطفال، بزيادة تصل إلى 25 في المئة، مقارنة بعام 2020.

كذلك أصدرت منظمة اليونيسف بياناً في 10 آذار/ مارس 2021، ذكرت فيه أنّ 90 في المئة من الأطفال في سوريا يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، بزيادة قدرها 20 في المئة عن العام الفائت، ويعاني أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة التقزُّم نتيجة سوء التغذية المزمن. 

وتناولت ورقة "تقييم الحالة" الوضع الاقتصادي في شمال غرب سوريا، حيث يعيش معظم السكان على المساعدات الخارجية التي تدخل عبر معبر وحيد، مهدد بالإغلاق في المستقبل المنظور، من جانب روسيا.

وحول الوضع الاقتصادي والإنساني في مخيمات النزوح بشمال غرب البلاد، أوضحت إحصائية أجراها فريق "منسقو استجابة سورية" في أيار/ مايو 2021، أنّ نسبة تلبية الحاجات الغذائية وسُبل العيش في المخيمات لم تتجاوز 45 في المئة، وأما نسبة الاستجابة لقطاع التعليم فهي 29 في المئة فقط، وتنطبق هذه النسبة ذاتها على الاستجابة لقطاع المياه أيضاً؛ إذ يعاني سكان أكثر من 200 مخيم انعدام المياه الصالحة للشرب.

كذلك تناولت الورقة الوضع في شمال شرق البلاد (شرق الفرات)، حيث تتوافر موارد باطنية كبيرة مثل النفط والغاز، إضافة إلى الثروة الزراعية. ووصفت الورقة سكان المنطقة بأنهم أوفر حظاً من المناطق الأخرى، لكنها تطرقت إلى أزمة المياه هناك، ذلك أن سيطرة "قوى كردية" تراها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي عدّته منظمة إرهابية، جعل من المياه ورقة ضغط بيد تركيا تجاه القوى المسيطرة في تلك المناطق.

وسلطت الورقة الضوء على سياسة حكومة النظام في الشق الاقتصادي، فهي تعتمد استراتيجية التقشف والتشدد في تحصيل الضرائب، فضلاً عن اتخاذ مصرف سورية المركزي قرارات تستهدف تجفيف منابع السيول، وفرض مزيد من الضرائب، بما فيها ضريبة البيوع العقارية. وقد أدّت هذه السياسة إلى تثبيط الاقتصاد السوري ودفع من بقي من المستثمرين وأصحاب الأموال إلى مغادرة البلاد. 

وأضافت الورقة أن النظام السوري تبنى مفهوم السيطرة والهيمنة الاقتصاديتين على وسائل الإنتاج والريع؛ إذ يعمد التجار وأصحاب رؤوس الأموال وأمراء الحرب إلى الاستثمار في قطاعات ذات عوائد مادية عالية، مثل التبغ والمشروبات الكحولية وتجارة السيارات، إضافة إلى استثمارهم في الفنادق والمنتجعات السياحية ... إلخ، في حين يبتعدون عن الاستثمار في القطاعات الحيوية، مثل القطاع الطبي أو المختبرات العلمية لتطوير البحث الدوائي أو القطاع التعليمي والصناعي.

فيما القطاعات التي كانت ترفد خزينة الدولة، إما تقع خارج سيطرة النظام، كحال الآبار النفطية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وإما استحوذت عليها روسيا، ولا سيما موارد الطاقة، من خلال عقود طويلة الأجل مع النظام؛ إذ وقّع الأخير عقد استثمار طويل الأجل مع شركة "إس تي جي ستروي ترانس غاز" STG Stroystransgaz لاستثمار ميناءي طرطوس واللاذقية، إضافة إلى عقد مع الشركة العامة للأسمدة لاستثمار معمل الأمونيا يوريا ومعمل الكالنترو ومعمل السماد الفوسفاتي، الواقعة في ريف محافظة حمص، إضافة إلى العقد الموقع لاستخراج الفوسفات من حقول خنيفيس وتدمر بين المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية وشركة "ستروي ترانس غاز لوجستيك" الروسية.

وختمت الورقة بالإشارة إلى أن المعطيات السابقة كلها جعلت النظام السوري عاجزاً فعلاً عن تأمين الحاجات الأساسية من كهرباء ومحروقات وأمن غذائي للسكان في مناطق سيطرته، علماً أن إيران تحاول سد جزء من حاجاته من الطاقة. في حين تقدّم روسيا مساهمات إغاثية على شكل حصص غذائية وكميات من القمح، إلّا أنها خفّضت كمية المساعدات المقدمة في الفترة الأخيرة نتيجة سوء الوضع الاقتصادي في روسيا نفسها بفعل العقوبات الغربية ووباء كورونا.

ترك تعليق

التعليق