أين هو مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2022..؟


جرت العادة في سوريا أن تقوم الحكومة في الشهر الثامن أو التاسع على أبعد تقدير، من كل عام، بإنجاز مشروع الموازنة العامة للدولة، من أجل رفعه لرئيس الجمهورية، الذي بدوره يقوم بتحويله إلى مجلس الشعب، لمناقشته، ومن ثم تحويله مجدداً "للرئيس" من أجل إصدار الموازنة بمرسوم قبل بداية العام التالي. ولكن ها نحن على أبواب منتصف الشهر العاشر، ولم يصدر عن الحكومة حتى الآن أي خبر يقول إنها تقوم بإعداد مشروع الموازنة للعام القادم، أو تشكيل اللجان المتعارف عليها من أجل إعداد هذه الموازنة.
 
فما هي دلالات هذا التأخير..؟، وهل يعمد النظام إلى إقرار موازنة على عجل، وفي اللحظات الأخيرة، دون المرور بالحلقات المعروفة..؟، وأخيراً كيف ستؤثر الأوضاع الاقتصادية الصعبة على إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة للعام القادم.؟، وهل نشهد موازنة تضخمية على غرار موازنات الأعوام الثلاثة السابقة..؟   

يقول الخبير الاقتصادي والأكاديمي، الدكتور عبد المنعم الحلبي، أن الخطة الزمنية أو الأجندة المالية، لم تكن مقدسة أصلاً لدى النظام حتى في أعوام الرغد والاستقرار، ولم يتم الالتزام نهائياً بتسلسل الأرباع السنوية سابقاً.
 
ورأى الحلبي في تصريح لـ "اقتصاد"  بأن هذه السنة تعتبر من أصعب السنوات المالية منذ العام 2015، مشيراً إلى أنه كمراقب عن بعد، يرى بأن النظام يحضر نفسه لقطع متأخر للموازنة الخاصة بالعام 2021. وذلك بانتظار ما سيؤول إليه الوضع المالي ضمن استراتيجية المحاسبة الجديدة التي تمارسها السلطة تجاه أصحاب الذمم المدينة للخزينة العامة؛ والمتراكمة منذ سنوات.

وأشار إلى أنه لما كان المشهد غير واضح لواقع حال الموازنة الحالية بالنسبة للتحصيل الضريبي وواقع الواردات إلى الخزينة؛ فمن الطبيعي أن يتم تجاهل واقع الموازنة الجديدة والتي ربما يتم الاشتغال عليها في إطار اللجان المختصة في وزارة المالية ومجلس الشعب، دون أي ضجيج إعلامي.

أما الصحفي والمحلل الاقتصادي، تامر قرقوط، فيقول إنه لا توجد موازنة عامة للدولة في سوريا بالمعنى الحقيقي للموازنة، ومنذ موازنة 2012 التي ظهرت فيها أرقام التضخم بشكل لافت، باتت موازنات الدولة عبارة عن عملية تكرار ساذج للموازنات السابقة. 

ويضيف قرقوط في حديث لـ "اقتصاد" بأن تأخير طرح موازنة 2022 على النقاش، يعني أن الموازنة القادمة ستكون كسابقاتها، خالية من المشاريع الاستثمارية، وستقتصر على الإنفاق الجاري وبالذات اعتمادات الرواتب والأجور، كما أنه يعكس المأزق المالي الذي تعيشه حكومة دمشق، التي خزانة ماليتها خاوية إلا من موارد شحيحة جداً، متأتية من الضرائب والرسوم وأغلبها من القطاع العام.

ورأى كذلك أن هذا يدل على أن الحكومة لا تعمل ولا تقوم بواجباتها، ولا توجد لديها أفكار ولا تمتلك أدوات لتجاوز هذه الأزمة، وإنما تنتظر التوجيهات الاعتيادية بوضع موازنة الأمر الواقع، التي ستزيد من أعباء المواطنين ولن تكون قادرة على معالجة الأزمة البنيوية المركبة في البلاد مالياً واقتصادياً وتنموياً وسياسياً.  

وتوقع قرقوط في ختام حديثه، أن تقر الحكومة بشكل مستعجل موازنة مأخوذة عن موازنة العام الجاري (قص ولصق) مع تبديل بعض الأرقام التي تتعلق بنسب التضخم السنوية، وتعظيم اعتمادات الدعم الاجتماعي المفرغ من مضمونه والذي لا يذهب لمستحقيه، وسيكون من السهل على الحكومة وضع موازنة عامة بلا جوهر، ما دامت لا توجد جهة واحدة تسألها عن منهجية الموازنة، وأهدافها، ومآلاتها، وإمكانية تنفيذها.

من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي، الدكتور أسامة القاضي، أن هناك تخبط كبير داخل إدارة النظام السوري في الشأن الاقتصادي، ويبدو أن هناك تحولات اقتصادية وسياسية كبيرة لما تبقى من هذا العام والعام القادم، وخصوصاً على مستوى التجاذب الإيراني الروسي، للسيطرة على أروقة صناعة القرار الاقتصادي السوري، وبشكل فاقع، على حد وصفه، مضيفاً كذلك أن عدم معرفة التوجه السياسي العالمي الحقيقي فيما يخص الساحة السورية، هو من الأمور التي تربك صناعة الموازنة العامة، ناهيك عن الأوضاع الداخلية الصعبة، والتي تشير إلى أن الحكومة تعتزم الانسحاب من الحياة الاقتصادية بشكل تام.  

ويتابع القاضي الذي يترأس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، في تصريح لـ "اقتصاد"، أنه يتوقع أن يتم تسريع إجراءات إقرار الموازنة العامة للدولة، بغض النظر عن الحلقات الوسيطة التي تمر بها عادة، مشيراً إلى أنه كما هو معروف في سوريا، بأن ما يقرره القصر الجمهوري هو في النهاية ما سيتم، بعيداً عن موافقة مجلس الشعب أو عدم موافقته.

كما توقع القاضي أن يتم إقرار موازنة تتراوح بين 10 إلى 12 تريليون ليرة سورية، بالقياس إلى موازنات الأعوام الثلاثة السابقة، التي كانت فيها أرقام الموازنة تتضاعف، وفقاً لمؤشرات التضخم، وتراجع سعر صرف الليرة السورية.

وبلغت موازنة العام 2019، 2 تريليون ليرة سورية، وعام 2020 بلغت 4 تريليون ليرة سورية، أما في العام 2021، فقد تم إقرار موازنة بقيمة 8.5 تريليون ليرة سورية.
 
أما سعر صرف الليرة السورية في السوق السوداء، فقد كان في نهاية العام 2019، نحو 1000 ليرة مقابل الدولار، وقبلها بعدة أشهر كان بـ 600 ليرة، ثم راوح طوال العام 2020 بين 2000 إلى 2500 ليرة، أما في العام 2021، فهو لايزال يراوح مكانه عند مبلغ 3500 ليرة مقابل الدولار. 

وبناء على الأرقام السابقة، يرى المحلل الاقتصادي من دمشق، رضوان حمادي، أن رقم 2 تريليون ليرة الذي تم من خلاله إقرار الموازنة العامة للدولة لعام 2019، كانت تساوي في منتصف العام  أكثر من 3 مليار دولار، وهذه الموازنة فعلياً أكبر من موازنة العام 2021 البالغة 8.5 تريليون ليرة، حيث أنها تساوي نحو  2.5 مليار دولار، وذلك وفقاً للفارق في سعر الصرف مقابل الدولار بين العامين.

وتوقع حمادي، في تصريح لـ "اقتصاد"، أنه في حال أقرت الحكومة موازنة فوق 10 تريليون ليرة سورية، فهذا حكماً يعني بأن سعر صرف الدولار سوف يبلغ 5000 ليرة في العام 2022، وهو ما سيزيد من صعوبة الأوضاع الاقتصادية، وخصوصاً مع حديث عن النظام عن نيته رفع الدعم عن الكثير من المواد الأساسية خلال العام القادم، وعلى رأسها المحروقات.

ترك تعليق

التعليق