اقتصاديات.. محاربة الفساد برفع الأسعار


كل قرارات رفع الأسعار التي يقوم بها النظام، يبررها بأنها تأتي في إطار مساعيه لمحاربة الفساد ومكافحة التهريب، وهو ما يطرح السؤال التالي: هل من المعقول من أجل محاربة عشرة فاسدين أن تقوم بمعاقبة ملايين الناس..؟!

يصعب على المتتبع لتصريحات مسؤولي النظام، وعلى رأسهم وزير التجارة الداخلية، عمرو سالم، أن يفهم العقلية التي يتمتع بها هؤلاء، وهم يسردون الحجج والبراهين، على أن رفع الأسعار هو في مصلحة المواطن بالدرجة الأولى، لأن عقلية كهذه تغلق عليك كل أبواب الحوار، انطلاقاً من المنطق الساذج الذي يتحدثون به،  بأن ذلك سوف يؤدي إلى توفير السلعة من جهة، وضرب الفاسد الذي كان يتاجر بها، مستفيداً من فارق السعر، بين المدعوم والحر، من جهة ثانية.. فهو باختصار منطق لا يستحق المناقشة، وكأنه يقول لك، أنا لا أفهم ومجبر على التصريح بهذه الصيغة، وأرجوك أن تقدر الموقف نيابة عني وتعفيني من الإحراج.
 
على وسائل إعلام النظام ووسائل التواصل الاجتماعي، يمكن قراءة كم كبير من التحليلات لخبراء اقتصاديين، يدحضون فيها هذه التبريرات التي يقول بها المسؤولون، ويحذرون بأن البلد ذاهبة "بستين داهية"، إذا ما استمرت الحكومة على هذا النهج، لكن في المقابل لا يمكن أن تقرأ رداً واحداً لأي مسؤول يناقش فيه هؤلاء، أو يحاول إقناعهم بفكرته، بل دائماً ما تمضي الأمور وفق مبدأ "التطنيش"، ما دام صاحب القرار هو من يملك "المسدس".

الكثيرون يرون بأن النظام ماض بسياسة تحرير الأسعار بالكامل، وصولاً إلى رفع الدعم عن الكثير من السلع الأساسية، بما فيها الخبز والمحروقات والكهرباء، والتي ستشهد زيادات أخرى في الأسعار، مطلع العام القادم وفي منتصفه، مشيرين إلى أن هذا الأمر يمكن قراءته من خلال المبلغ المخصص للدعم في الموازنة العامة للدولة لعام 2022، المقدر بـ 5 تريليون ليرة، والذي يعادل تقريباً مبلغ العجز المقدر بأكثر من 4 تريليون ليرة.
  
وبالتالي فإن الطريق الأسهل لتجنب طباعة أوراق نقدية جديدة، قد تؤدي إلى تدهور سعر صرف الليرة السورية، هو من خلال رفع الأسعار والضرائب، وتحصيل عائدات تفوق مبلغ الدعم، ومن ثم تمويل أي زيادة على الرواتب من خلال هذا الفائض.
 
النظام لا يقول هذا الكلام صراحة، لأنه لايزال منذ أكثر من عشرة أعوام ينتظر معجزة تخرجه من أزمته، مثلما ينتظر أحدنا أن يربح الجائزة الكبرى في اليانصيب من أجل يحل بها كل مشاكله.
 
وعلى الأرجح، هذا هو السبب الذي يجعل المحللين والخبراء وأساتذة الاقتصاد الأكاديميين، يحارون في فهم العقلية التي يفكر بها النظام والنظرية الاقتصادية التي يستند إليها.. لأنها باختصار عقلية اليائس والمحبط، الذي خسر كل شيء، وبات على قناعة بأن الفرج، لا يمكن أن يأتي إلا من خلال الحظ. 

ترك تعليق

التعليق