أشجار سوريا تواجه خطر التحطيب


لم تعد إشاعة تلك الأخبار التي تتحدث عن قيام سوريين في العديد من المحافظات، بالاعتداء على الثروة الشجرية الموجودة في مناطقهم، للاستفادة منها في تأمين حطب يقيهم من برد الشتاء، بل أصبحت وسائل إعلام النظام تتداولها على نطاق واسع، لكن بطريقة تشي بأن من يقوم بهذا الفعل، إنما هم لصوص وفاسدون ومخربون، وليس مواطنون يبحثون عن الدفء لأطفالهم، بعدما قام النظام بسلسلة من الإجراءات التي تجعل من الصعوبة بمكان الحصول على مازوت التدفئة، للعائلة من ذوي الدخل المحدود.

وكان النظام خفض مخصصات العائلة من المازوت إلى 50 ليتر على دفعتين، طوال العام، بقيمة 500 ليرة لليتر، بالإضافة إلى رفع أسعاره خارج البطاقة الذكية إلى 2000 ليرة لليتر، ما يعني استحالة أن تستطيع العائلة التي تعتاش على الراتب الحكومي البالغ نحو 70 ألف ليرة سورية، أن تؤمن حاجتها من التدفئة في فصل الشتاء، سيما وأن هذه الأسر باتت تشكل اليوم أكثر من 90 بالمئة من المجتمع السوري.

وبحسب ما ذكرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، فإن قطع الأشجار بهدف المتاجرة بحطبها، بات مهنة للعديد من الفاسدين، بحسب وصفها، بعد أن وصل سعر طن الحطب في السوق إلى أكثر من 700 ألف ليرة سورية، وهو رقم رأي فيه العديد من المراقبين، بأنه مبالغ فيه، لأنه يكفي لشراء أكثر من 300 ليتر مازوت بالسعر الحر، البالغ 2000 ليرة، وبالتالي فإن أحداً لن يفضل الحطب على المازوت، وخصوصاً لمن يسكنون في المدن.

وأفاد سوريون يعيشون في الداخل، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد"، أن فكرة قطع الأشجار والمتاجرة بحطبها، إنما تخص المناطق التي يوجد بها أشجار حراجية، وهذه أغلبها تتركز في مناطق الساحل السوري، أما في المناطق الداخلية، فلا يوجد سوى الأشجار المثمرة، مشيرين إلى أنه من غير المعقول، أن يقطع أحدهم شجرة زيتون أو جوز، من أجل أن يبيعها حطباً، لأنها فكرة خرافية، بحسب وصفهم.

وقال الناشط الإعلامي، سامر عبد الرحمن، من محافظة درعا،  لـ "اقتصاد"، إن هناك بالفعل أشخاص يقومون بقطع الأشجار الطرقية، بهدف المتاجرة بها كحطب، لكنه أشار إلى أن طن الحطب، يتراوح بين 300 إلى 400 ألف ليرة فقط، وهو غير مطلوب كثيراً، لأن أغلب أبناء الأرياف عندهم أشجار، وهم ينتظرون موسم التقليم، الذي يصادف مع بدء فصل الشتاء، من أجل استخدامها كحطب للتدفئة. 

بدوره، أكد الناشط الإعلامي، "أبو رامي"، من ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة النظام، في حديث خاص لـ "اقتصاد"، أنه هناك قطع واسع للأشجار المثمرة في ريف حماة وحلب، بهدف المتاجرة بحطبها، أو من أجل تأمين التدفئة للعائلة، لكنه أشار إلى أن الاعتداء يتم على أراضي المهجرين، على وجه الخصوص، الذين غادروا أراضيهم إلى مناطق أخرى، سواء خارج البلد أو داخلها.

في موازاة ذلك، حذر ناشطون من أن محافظة السويداء من بين أكثر المناطق المتضررة من ذلك التعدّي على الثروة الحرجية، حيث تزداد المخاوف من اتّساع مساحة التعديات على ما تبقى من أحراج، مع بدء عمليات التحطيب الجائر استعداداً لفصل الشتاء المقبل.
 
ويتساءل أحد سكان المحافظة: "بماذا تنفعني الأشجار إذا كنت أرى أبنائي يشعرون بالبرد؟". ويتابع: "لم أترك شيئاً في العام الماضي إلا وحرقته، من ورق مقوّى وملابس بالية وعبوات بلاستيكية وإطارات مستعملة. وقد وصل الأمر بي إلى حدّ قطع شجرة من حديقة المنزل واستخدمتها كحطب للتدفئة. وهذا العام، منذ منتصف الصيف، رحت أجمع كلّ ما هو قابل للحرق، فأحمل فأسي وأركب درّاجتي النارية وأقصد حرج السويداء أحطّب بها الأغصان اليابسة".
 
 ويحمّل أهالي السويداء، وفقاً لصفحات محلية، مسؤولية تفشّي التحطيب الجائر وتراجع الغطاء النباتي، إلى النظام، الذي لم يستطع أن يوفر سوى كميات قليلة من مازوت التدفئة، بالإضافة إلى أن مديرية الحراج لا تقوم بعملها بالشكل الكافي، مشيرين إلى أن دورياتها لها الحق في توقيف الأشخاص وتحويلهم إلى القضاء، لكنّ عناصرها لا يجرؤون على سؤال المعتدين على الأحراج عمّا يقترفونه، نظراً إلى عدم حصولهم على مؤازرة من قبل الشرطة أو الأمن في حال تعرّضوا إلى الخطر. بالتالي فإنّ غياب القانون سوف يسمح بالتمادي في تلك الاعتداءات.

 هذا ولم تصدر حتى الآن أية إحصائيات عن وزارة زراعة النظام، تشير إلى حجم الأضرار التي سببها التحطيب على الثروة الحراجية، لكن في أحدث تقرير لها، صدر قبل نحو شهر، لفتت الوزارة إلى أن المساحات كبيرة في المنطقة الساحلية، وهي بازدياد مستمر، نظراً لعدم القدرة على ملاحقة المعتدين على هذه الثروة، لأن عملية قطع الأشجار غالباً ما تتم تحت جنح الظلام، أو وسط حماية من أشخاص مسلحين.

ترك تعليق

التعليق