الغش يغزو أغلب المنتجات في السوق السورية


لا تكاد تخلو صحيفة سورية يومية من أخبار تتحدث عن ضبط الجهات المعنية لمنتجات مغشوشة، سواء أكانت مواد غذائية أو غيرها. أما الأخطر فتلك التي تنتشر في الأسواق وقد أصبح الغش جزء من مكوناتها الأساسية.
 
الغش بالنسبة لمؤسسات النظام السوري، أصبح يعني فقط المواد المنتهية الصلاحية والضارة جداً والتي لا يمكن السكوت عنها، لكن من جهة أخرى، يقول سوريون يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إنه تنتشر في الأسواق مواد لا تشبه الأصلية سوى بالشكل، وعند الاستخدام يقع المستهلك على منتج بربع جودته، وإذا كان غذائياً، فهو يخلو من الطعم الأساسي المعروف به.

يقول سعيد -49 عاما"- والذي يعيش في دمشق، إن أغلب المنظفات الموجودة في الأسواق من صناعة محلية، مغشوشة مع أنها تباع بأسعار مرتفعة، مشيراً إلى أنه أصبح مضطراً لشراء ضعف الكمية التي كان يستخدمها سابقاً، بسبب عدم فاعلية المادة الأساسية المصنعة منها تلك المنظفات.

ويتابع سعيد في حديث لـ "اقتصاد"، أن صفحة وزارة التموين على "فيسبوك" ممتلئة بالشكاوي عن المواد المغشوشة المنتشرة بكثرة في الأسواق وبالذات المنظفات، إلا أن الوزارة لا تتجاوب مع هذه الشكاوي، بعكس ما وعد وزير التموين عمرو سالم، عن استعداده لمتابعة هموم ومشاكل المواطنين.
 
ونشر موقع "الاقتصاد اليوم" الموالي للنظام، سلسلة من الشكاوي الكثيرة التي قال إنها تصل إليه بشكل دائم من الناس عن المواد المغشوشة، لافتاً إلى أن الغش أصبح ظاهرة طبيعية، بسبب "استغلال المنتجين لرغبة الدولة بإحلال بدائل محلية للمستوردات الخارجية"، بالإضافة إلى "ضعف الرقابة من قبل الجهات المعنية على الصناعيين".
 
وأشار الموقع إلى أن "الألبان والأجبان المتواجدة في السوق السورية، أصبحت بحليب البودرة، بما فيها الجبنة الدهن المطبوخة والمعلبة من بعض الشركات، هذا عدا عن التلاعب بأوزانها ومواصفاتها، علماً أن أسعارها مرتفعة جداً".

وأضاف أن الغش وصل إلى معجون الأسنان المصنع محلياً، "وكأنه مخصص لحلاقة الذقن وليس للأسنان"، وبعض أنواع المعلبات وخاصة المرتديلا، التي أصبح طعمها غريباً وغير مستساغ، ما يشير إلى "خلطها بمواد غير معروفة".

ولا تتوقف ظاهرة الغش عند هذا الحد، فهي وصلت إلى الأدوية والأجهزة الثقيلة المصنعة محلياً، كالكهربائيات، فضلاً عن صناعة الملابس، التي تعرضت هي الأخرى إلى التلاعب في مواصفاتها، بذريعة ارتفاع تكاليف الإنتاج، والضغوطات الاقتصادية التي تمارسها الدولة على المنتجين، من فقدان للمحروقات والكهرباء بالإضافة إلى غلاء أسعار المواد الأولية المستوردة.

يعترف "أبو محمود"، الذي يملك مصنعاً للنسيج في ريف دمشق، أنه اضطر للتقليل من كمية الخيوط الداخلة في صناعة الأقمشة التي ينتجها، للتغلب على الخسائر الكبيرة التي يتكبدها، جراء ارتفاع أجور اليد العاملة وأجور الكهرباء، مقابل ضعف التصريف في الأسواق، وضعف القدرة الشرائية للسوريين.

ويلقي أبو محمود في تصريح لـ "اقتصاد"، بالمسؤولية على الدولة التي لم تعد قادرة على تأمين بيئة مناسبة للمنتجين، بحسب وصفه، مشيراً إلى أن أسعار الخيوط المستوردة، ارتفعت خلال العام الجاري ثلاث مرات من قبل التجار، الذين يقولون إن أجور الشحن العالمي ارتفعت كثيراً، بالإضافة إلى تراجع سعر صرف الليرة السورية.

ويتابع أبو محمود، أنه أمام هذا الواقع، يضطر من أجل الاستمرار بالعمل، للتلاعب بالموصفات الفنية لمنتجه، كي لا يخسر أو يتوقف عن الإنتاج.
  
وتمتلئ صفحة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بالأخبار التي تتحدث عن مئات الضبوط التموينية التي أنجزتها في كافة المحافظات، والغرامات والاغلاقات التي قامت بها لمحال تجارية، بسبب بيعها مواد مغشوشة أو منتهية الصلاحية، لكن هذه الإجراءات، وبحسب الصحفي والمحلل الاقتصادي من دمشق، "أحمد، ع" غير كافية، لأنها تتجه للبائع وليس للمنتج الأساسي للسلعة.

ورأى الصحفي السوري، الذي طلب عدم الكشف عن كامل اسمه، في تصريح لـ "اقتصاد"، أن أغلب السلع الموجودة في السوق السورية، بلا فاعلية أو جودة، سواء المنتجة محلياً أو المستوردة، عازياً السبب إلى الفوضى التي حلت في سوريا، بعد أكثر من عشر سنوات من عدم الاستقرار، والتي طالت كل مناحي الحياة بحسب قوله.

وأشار أحمد إلى أن وزارة التجارة الداخلية عاجزة في المرحلة الراهنة عن ملاحقة المنتجين والمستوردين الكبار، المسؤولين بشكل فعلي عن فساد الأسواق وانتشار المواد المغشوشة، لأن ذلك سوف يؤدي إلى خروجهم من السوق في حال زيادة الضغط عليهم، وهو ما لا ترغبه الدولة، نظراً لعدم وجود بدائل حقيقية عندها، في ظل الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تواجهها.

ترك تعليق

التعليق