للمرة الرابعة على التوالي في تركيا.. لماذا الإصرار على خفض الفائدة رغم تهاوي الليرة؟


في ظل تهاوي سعر صرف الليرة وغلاء الأسعار، خفّض البنك المركزي التركي للمرة الرابعة على التوالي سعر الفائدة 100 نقطة أساس من 15% إلى 14%، وبالتوازي مع ذلك أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفع الحد الأدنى للأجور إلى 4250 ليرة تركية، في نسبة أكبر مما توقعها المراقبون.

وهوت الليرة التركية فور انتشار خبر تخفيض سعر الفائدة واقتربت من 16 ليرة للدولار الواحد مسجلة 15.8، في حين تدخل البنك المركزي ببيع الدولار بالسوق للمرة الرابعة خلال ديسمبر/كانون الأول الجاري.

واحتفل الأتراك بالنسبة الكبيرة للحد الأدنى للأجور كونها تتناسب مع ارتفاع الأسعار الناتج عن ارتفاع الدولار أمام الليرة في البلاد.

وأشار بيان صادر عن البنك المركزي إلى أن قرار تخفيض الفائدة جاء بعد تقييم العوامل التي تؤثر بالسياسة النقدية، موضحا أن استمرار التحسن في ميزان الحساب الجاري المدفوع بالطلب الأجنبي، يساهم في هدف تحقيق استقرار الأسعار.

وفي وقت قصير اتخذ البنك المركزي 4 قرارات متتالية أدت الى تخفيض الفائدة من 19% إلى 14%، بحيث تم تخفيض سعر الفائدة 100 نقطة في 23 سبتمبر/أيلول الماضي ليصبح السعر 18%، لتتابع لجنة السياسات المالية بالمصرف المركزي خفض السعر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بواقع 200 نقطة ليصبح السعر 16% تلاه في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بنحو 100 نقطة أساس ليصبح سعر الفائدة 15%، قبل تخفيض اليوم.

أرقام الفائدة

ويرفض أردوغان علنا أسعار الفائدة المرتفعة لاعتقاده أنها تزيد التضخم، وسبق له أن وصفها بأنها "أم وأب كل الشرور"، متطلعا إلى خفض معدل التضخم السنوي إلى 5% بحلول الانتخابات المقبلة المقرّر إجراؤها عام 2023.

في السبعينيات من القرن الماضي، كانت أرقام الفائدة الرسمية الصادرة عن البنك المركزي بمتوسط 10%.
وفي الثمانينيات ارتفعت تدريجيا لتصل إلى 50%.
وفي التسعينيات وصلت إلى أعلى نسبها رسميا عند 60%.
وعند استلام حزب العدالة والتنمية الحكم بحلول عام 2003 كانت نسب الفائدة 50%.

وفور تسلمه السلطة، بدأ أردوغان محاولات لخفض نسب الفائدة، وقد حافظ على معدلها بمتوسط 25% حتى عام 2008، ولاحقا إلى متوسط 15% حتى عام 2012، في حين نجح لأول مرة في إنزال سعر الفائدة لخانة الآحاد عام 2014 بفائدة 9%، وإلى 7.8% عام 2017، وهي أفضل سنوات الأداء والاستقرار الاقتصادي لحكومات العدالة والتنمية.

لكن محافظ المركزي السابق ناجي أغبال استمر برفع سعر الفائدة حتى 17% في الأشهر الأخيرة من 2020 ومن ثم إلى 19% في مارس/آذار العام الجاري، مما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى عزله وتعيين شهاب قافجي أوغلو الذي قاد مشوار تخفيض الفائدة المستمر حتى اليوم.

ويعتبر عام 2021 الأسوأ على الإطلاق، بالنسبة لليرة التركية التي خسرت أكثر من 52% من قيمتها، بعدما تراجعت من 7.4 إلى نحو 15.2 بافتتاح اليوم الخميس.

اللوبيات والعامل النفسي

ومن إسطنبول، ذكر الباحث الاقتصادي ياسر السيد عمر أن التدني الكبير في سعر الليرة ليس بسبب تخفيض نسبة الفائدة فقط وإنما يعود للعامل النفسي للأتراك والأجانب المقيمين الذين يسارعون لاستبدال الليرة بالدولار أو بالذهب.

وأكد السيد عمر للجزيرة نت وجود قوى اقتصادية تضغط على الليرة بعد كل تخفيض للفائدة في سبيل تشكيل جبهة ضغط شعبية تضغط على الحكومة لعدم الاستمرار في سياسة خفض سعر الفائدة، وهذا الأمر يجري من خلال تمويل عمليات المضاربة، وحتى إن انتهت بخسارة؛ فالهدف هنا ليس الربح بل تحقيق هدف اقتصادي بعيد الأمد وقد يكون وراءه هدف سياسي أيضا.

وقال "في أي قرار اقتصادي من الطبيعي وجود شرائح مُنتفِعة وأخرى متضررة، ومنطق الدولة يحتم الاهتمام بالشريحة الأوسع دون إغفال تام للشريحة الأخرى، ووفق المنطق الاقتصادي فإن تخفيض سعر الفائدة سيحقق انتعاشا اقتصاديا في المدى المنظور، وهو ما يعود بالنفع على غالبية الأتراك والمقيمين، وهناك شريحة متضررة تتمثل ببعض كبار رجال الأعمال ولوبيات المال".

وشدد السيد عمر على أن خفض سعر الفائدة يُشكل علاجا لجذور المشاكل الاقتصادية التركية، وهذا الانخفاض في قيمة الليرة يشكل أحد الآثار الجانبية السلبية والمؤقتة والتي من المتوقع أن تتلاشى مع بدء مفاعيل قرارات التخفيض بالظهور.

النمو والتضخم

من جهته، يقول الباحث الاقتصادي محمد إبراهيم -من جامعة إيجه في إزمير- للجزيرة نت إن الاقتصاد التركي يعاني من معضلة الاختيار بين تحقيق معدل نمو -والذي يكون على حساب تدهور سعر صرف الليرة- أو اختيار استقرار صرف الليرة والذي يكون على حساب الانكماش الاقتصادي.

وأضاف إبراهيم أن أردوغان يسعى للتغلب على هذه المعضلة بدفع النمو الاقتصادي من خلال تخفيض معدلات الفائدة، ولكن في المقابل يؤدي ذلك لارتفاع معدلات التضخم وتدهور سعر الصرف.

ولفت إلى أن انخفاض معدل الفائدة يفيد السلع تركية المنشأ؛ وبالتالي تصبح لديها قدرة تنافسية أعلى، لكن في مقابل ذلك يخسر الاقتصاد ككل؛ نظرا لأن تركيا تعتمد على الاستيراد، خصوصا للمواد الخام والسلع الوسيطة التي تؤدي إلى تآكل مدخرات المواطنين، وصعوبة في تغطية الالتزامات الخارجية وخاصة سداد الدين بالعملة الأجنبية، مما يضيف أعباء إضافية على القطاع الخاص والمؤسسات المقترضة بالعملة الأجنبية.

ترك تعليق

التعليق