الليرة التركية.. ما الذي يحدث؟


نجحت الليرة التركية باستعادة أكثر من 30 بالمئة من قيمتها، في غضون ساعات، في أعقاب إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، استخدام أداة مالية جديدة، تهدف للحد من من عمليات سحب الإيداعات بالليرة من البنوك وتحويلها إلى دولار، من خلال تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية.

وشرح الرئيس التركي الآلية الجديدة على الشكل التالي: "في حال كانت أرباح المودعين في المصارف بالليرة أكبر من زيادة سعر الصرف، فإنهم سيحافظون على أرباحهم، أما في حال كانت أرباح سعر الصرف أكبر فعندئذ سيتم دفع الفرق للمواطن".

وبالفعل ارتفعت الليرة التركية بعد هذه التصريحات، من أكثر من 18 ليرة أمام الدولار، إلى أقل من 12 ليرة.. فما الذي يحدث أولاً..؟، وما دلالات الإجراءات السابقة ثانياً..؟، وثالثاً ورابعاً، هل يمكن أن تؤدي إلى استقرار سعر الصرف أو ارتفاعه أكثر، أم أنها حالة مؤقتة وسوف تعاود الليرة الانخفاض مجدداً..؟
 
في الإجابة على السؤال الأول، يمكن القول إن الرئيس التركي وكأنه يرفع سعر الفائدة على الإيداعات، لكن بطريقة أخرى، يمكن وصفها بـ "الالتفافية".
 
بمعنى آخر، إن انخفاض الليرة التركية في الآونة الأخيرة، كان سببه المباشر، هو تحويل الإيداعات في البنوك، من الليرة التركية إلى العملات الأجنبية، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة الإيداعات بالدولار من أقل من 30 بالمئة إلى أكثر من 50 بالمئة، خلال أقل من شهر. ومن الطبيعي عندما يزيد الطلب على العملة الأجنبية داخل البلد أن يؤدي ذلك إلى تراجع العملة المحلية.

أما السبب غير المباشر، والذي دفع المودعين إلى سحب إيداعاتهم وتحويلها إلى عملات أخرى، هو خروج الخلافات بين الرئيس التركي والمصرف المركزي إلى العلن، ومن ثم استثمار المعارضة هذه الخلافات في حملتها السياسية ضد الرئيس أردوغان، وبشكل أخذ يشير إلى أن البلد مقبلة على مرحلة عدم استقرار سياسي، لذلك سرعان ما ظهرت آثار هذه الخلافات على الاقتصاد، لأن رأس المال لا يمكن أن ينمو سوى في بيئة آمنة ومستقرة سياسياً.

والليرة التركية، ضمن هذا الواقع، هي ضحية الصراع السياسي، بين الحزب الحاكم والمعارضة، وليس ضحية قرارات خفض ورفع سعر الفائدة. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فلماذا ارتفعت الليرة التركية مباشرة وبنسبة كبيرة، عندما طمأن الرئيس التركي المودعين، بمنحهم أرباحاً، ربما تفوق أسعار الفائدة قبل خفضها أول مرة..؟! أي عندما كانت 20 بالمئة.
 
وهنا يمكن القول، إن الرئيس أردوغان، ومن موقعه على رأس السلطة في بلده، استثمر صلاحياته في إدارة الخلافات السياسية مع المعارضة، بقرارات اقتصادية حاسمة، لا يمكن الطعن بها، إلا من خلال تكلفتها على الاقتصاد التركي، والآثار السلبية التي قد تخلفها، بينما حتى الآن لم يتم الكشف عن تكاليف هذه الخطة وكيف سيتم تغطيتها، وسط بيانات تشير إلى أن الاقتصاد التركي صرف في الآونة الأخيرة الكثير من مدخراته من العملات الصعبة، من أجل خدمة الدين، ولتغطية مستورداته المقدرة سنوياً بأكثر من 250 مليار دولار.

باختصار، الرئيس التركي عالج الأعراض وليس المرض.. تماماً مثلما نعطي شخصاً يعاني من الحمى، حبوباً لخفض الحرارة، دون معالجة المرض الذي تسبب بالحمى. لكن من جهة ثانية فإن أردوغان يراهن على أن يشفى المريض من تلقاء نفسه عبر مقاومته الداخلية، وهو ما بدا واضحاً من خلال قوله: "يوجد نحو 5 آلاف طن من الذهب لدى المواطنين تحت الوسائد (يحتفظون بها في المنازل) تقدر قيمتها بـ 280 مليار دولار، وأنه سيتم تطوير أدوات جديدة لتشجيع المواطنين على إدخال مدخراتهم من الذهب في النظام المالي".

إنها عبارة ترسم مصير الاقتصاد التركي وتعلقه على هؤلاء الذين يخشون من استثمار أموالهم وضخها في الأسواق.. لذلك فإن السؤال الأهم الذي سيرسم مستقبل الليرة، هو: هل سينجح أردوغان في إقناعهم بهذا الأمر..؟ أما السؤال الأكثر أهمية: هل ستتوقف المعارضة عن استخدام الاقتصاد في حربها مع الرئيس..؟ 
فإذا نجح الرئيس وتوقفت المعارضة.. عندها يمكن الحديث عن مستقبل الليرة التركية بصورة أكثر دقة.. 

ترك تعليق

التعليق